-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جامعة فرنسية… تبتكر!

جامعة فرنسية… تبتكر!
ح.م
جامعة سيرجي-بونتواز

تشرف أكاديمية فيرساي (Versailles) في فرنسا على 5 جامعات باريسية، فضلا عن عدد معتبر من المدارس الكبرى العريقة ومن المؤسسات التعليمية. ولذلك فهي تمثل أكبر أكاديمية فرنسية، إذ تضم أكثر من مليون طالب وتلميذ. ومن بين جامعاتها، جامعة سيرجي-بونتواز (Cergy-Pontoise) التي رأت النور في نهاية الثمانينيات. في هذه الجامعة، يتلقى العِلْم 20 ألف طالب في شتى فروع المعرفة ويؤطرهم 2000 موظف، منهم أكثر من 500 أستاذ. ومن أقطابها المعرفية الأربعة، ما تسميه الجامعة “نقل الثقافات وتبليغ المعارف”!

في المدة الأخيرة، ثارت ضجة كبيرة في فرنسا بعد أن تحدث مسؤولون فرنسيون عن ضرورة الاهتمام بالمؤشرات الأولية لدى المواطنين التي تبرز فيهم جوانب وطقوس دينية إسلامية متطرفة… لاسيما تلك التي تسمح بتصنيف المواطن داخل أو خارج خانة “المتطرف الديني”… وكان على رأس المطالبين بهذا التوجه الوزير الأول، إدوارد فيليب، يوم 8 أكتوبر الجاري. وقد اندرج كل ذلك في إطار “مجتمع اليقظة” الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهكذا ظهرت مطالبةٌ بالتبليغ والكشف عن هذا الصنف من المواطنين.

وكانت لهذه الدعوة ردود فعل قوية، معظمها تستنكر هذا الرأي الذي من شأنه أن يزيد الطين بلة في بلد تعددت أجناسه وأعراقه وثقافاته، وهو يريد تجسيد شعاره الشهير “أخوّة، مساواة، حرية” للنأي بفرنسا عن الفتن العرقية والدينية. وقد صار الموضوع حديث العام والخاص وسخر منه البعض حتى كتب أحد الفرنسيين متهكما : “في هذه الحالة، سأبلّغ بابني التلميذ في المتوسطة، بوصفه مشبوهًا لأنه يعشق الأرقام العربية”. وعقّب مواطن آخر بقوله إنه سيبلّغ بالوزير ذاته لأنه من الملتحين!

الجامعة تعتذر

لكن الأغرب من كل ذلك هو ما جرى يوم 14 أكتوبر في جامعة سيرجي-بونتواز حيث أرسل مسؤولها الأمني إلى كافة المستخدمين في المؤسسة (أساتذة وموظفين) برقية إلكترونية مرفقة باستبيان يطلب ملأه في حالة التبليغ عن شخص يشتمّ فيه أنه ينتمي إلى الفئة المستهدفة. والمطلوب في هذه الاستمارة الإجابة بنعم أم لا على كل سؤال. والتمعّن في هذه الأسئلة يبيّن أن الممارسات التي يعتبرها أي مسلم ممارسات طبيعية قد تتحوّل ضده في نظر مسؤولي الأمن الفرنسي ويصنفونه في فئة المتطرفين و/أو الإرهابيين.
ولم تمض ساعات يوم 14 أكتوبر حتى شعر مسؤولو هذه الجامعة بحرج كبير، وعلى رأسهم مدير الجامعة، وذلك بعد التنديد الواسع بهذه المبادرة. ولذا سارعت الجامعة إلى سحب الاستمارة وإلى تحرير رسالة اعتذار على شبكة التواصل الاجتماعي مُوجهة إلى جميع من مسّه هذا الاستبيان… مشيرة إلى أنها لم تقصد سوى تسهيل “مكافحة الإرهاب والوقاية منه”. وجاء في الاعتذار الذي أُرسل مساء نفس اليوم، أن الجامعة لم تكن تعلم أن الاستمارة سيكون لها هذا الوقع السلبي داخل الجامعة وخارجها. وقال المسؤولون إنهم لن يستعملوها ولن يضعوها في خدمة أيّ كان. كما تبرأ منها وزير التعليم العالي، موضحا أنها مبادرة داخلية من الجامعة المذكورة.

وماذا عن أسئلة الاستمارة؟!

الأسئلة جاءت مبوّبة تحت عناوين فرعية. فتَحْت عنوان “مظهر الشخص” (الهندام)، نجد الأسئلة التالية:

بالنسبة للمرأة: هل ظهرت بحجاب؟ هل ارتدت نقابا؟ وبالنسبة للرجال: هل غيّر (الشخص) نوع اللباس؟ هل ارتدى قميصا (“جلاّبة”)؟ هل ارتدى سروالا يصل إلى نصف الساق؟ هل أصبح بلحية بدون شنبات؟ وقد عقب أستاذ على السؤال الأخير بأن اللحية بدون شنبات تسمى في فرنسا “اللحية الاشتراكية” إذ كانت تميّز بعض الاشتراكيين من أمثال جون أورو (Jean Auroux) الذي كان وزيرا في عهد الرئيس ميتران! وتهكم آخر بقوله: يا للهول، فقد اكتشفت أني متطرف لأني أرتدي بنطلونا رثّا وقصيرا بسبب وضعي المالي!

وفي باب “التحوّل في الممارسة الدينية” طرح الاستبيان الأسئلة التالية: هل توقف (الشخص) عن تناول المشروبات الكحولية؟ هل توقف فجأة عن تناول الطعام الذي يحتوي على لحم الخنزير؟ هل شرع مؤخرا في تناول مأكولات بعلامة ‘حلال’؟ هل كفّ عن إقامة الحفلات؟ هل غيّر سلوكه إزاء المرأة؟ هل أصبح لا يقول ‘صباح الخير’؟ هل صار لا يُقَبّل ولا يصافح الآخرين؟ هل بات ممن لا يتكلم مع الآخرين؟ هل أصبح ممن لهم خطاب حول دور المرأة؟ هل يؤدي صلاته داخل الجامعة؟ ومن المتهكمين بهذا النوع من الأسئلة من قال إنه من الأفضل أن نُلزم هؤلاء المشتبهين بوضع نجمة وهلال على لباسهم كي نتعرّف عليهم بسرعة.

وتحت عنوان “الدفاع عن معتقدات جديدة” سُردت الأسئلة الموالية في الاستبيان: هل أصبح لهذا الشخص اهتمام مفاجئ بالأحداث الوطنية والدولية؟ أو الاهتمام المفاجئ بالدين؟ هل غيّر مضمون خطابه؟ هل له خطاب تبشيري؟ كما نجد في باب “التثاقف” هذه الأسئلة : هل أصبح هذا الشخص يعاشر المتطرفين؟ هل عكف على ممارسة طقوس دينية جديدة؟ هل يخفي أعراضا من هذا القبيل؟ هل يبرر العنف أو إيديولوجيا معينة؟ ونجد أيضا في موضوع “القطيعة في مجال الدراسة أو الوظيفة” : هل تكررت غياباته مؤخرا خلال أوقات الصلاة؟ وفي أيام الجمعة؟!

وفي هذا السياق، كتبت صحيفة “لبيراسيون” ساخرة من هذا الاستبيان قائلة : إذا أردت أن تعرف ما إذا كان طالب جامعي أو موظف سيتحول إلى إرهابي محتمل فما عليك إلا أن تتمعّن فيما إذا كان يتكرر غيابه خلال أوقات الصلاة، أو أيام الجمعة. ثم انظر أيضًا فيما إذا كان هذا الشخص يرفض “سلطة المرأة” أم لا. وتضيف أن من المؤشرات الأخرى تشكيكه في البرامج وفي محتويات المناهج التعليمية. وتختم الصحيفة سخريتها بإشارتها إلى أن كل ذلك قد لا يعني شيئا في نظر رجل الأمن في آخر المطاف : “قد لا تكون أيٌّ من هذه المؤشرات مرئية. في هذه الحالة، وبكل بساطة، قد يكون السبب هو إخفاء تلك المؤشرات”! وهذا في حدّ ذاته دليل كاف على تورط هذا الشخص.

أشار أحد أساتذة جامعة سيرجي-بونتواز إلى أنه تلقّى هذه البرقية من الجامعة مبرزًا بعض أسئلتها، ومعقبًا عليها بكلمتين : “أنا خَجِل!”. ذلك أقلّ ما يشعر به أستاذ يؤمن بحرية المعتقد وحرية التعبير غير المؤذي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • HOCINE HECHAICHI

    يا أستاذ هذا شأن فرنسي داخلي يتعلق بحقهم في ضمان أمن مواطنيهم .هذه المر ةجانبت الصواب عكس مقالاتك "الرياضية" الرائعة . لا تصب بعقدة "العدو الفرنسي" المتفشية عند المعربين ز

  • أحمد

    هي فرنسا. إنها دولة الحرية والمساواة وحقوق الانسان؟؟؟؟؟؟؟ فرنسا هي أسوء بلد أوروبي من جانب احترام الآخرين واحترام الحريات الشخصية وتنوع الثقافات. إنها بحق دولة العنصرية والتطرف وعدم المساواة. دولة الاحتلال وجرائم الحرب والتقتيل. إنها فرنسا التي يتملق ويصلي لها أبناء وأحفاد الزواف والحركى هنا في الجزائر. هذا الابتكار الأول، ولنا أن نرتقب ما ستجود به قريحة الفرنسيين مجرمي الحروب من ابتكارات أخرى.

  • صلاح الدين الايوبي

    الاسلام دين الرحمة والانسانية والاخلاق الراقية والعلم والتقدم والازدهار والبنيان والعمران .
    الاسلام ليس دين تطرف وتشدد كباقي الاديان الاخري
    الاسلام ليس سلفيا وهابيا همجيا يقتل ويسفك الدماء ويشرد ويدمر العمران ويهجر البشر
    الاسلام ملة ابراهين هو سماكم المسلمين من قبل
    الاسلام ليس حكرا علي احد وليس ملكا لاحد انه دين الله عز وجل الذي ارتضاه لكل البشر بلا استثناء بعد ان بلغه رسله وانبياءه عليه السلام

  • فاهم اولاقاري

    تجربة منقولة عن الجزائر

  • محمد

    قيل لنا إن فرنسا بلد الحرية والمساواة بين الجميع لأن الأخوة قد عهدناها منذ احتلالنا من طرف الاستعمار.لقد مضت علينا سنوات الغفلة والطغيان فلجأ المعوزون منا إلى بلاد سيطر عليهم الأمل بأن يلقوا في بلد الأوربيين حياة الرفاهية والاطمئنان.لما ظلوا خاضعين لإرادة أصحاب الأرض كالعبيد حشروا في مخيمات تنقصها ضرورات الحياة إلى أن ظهر من بينهم جيل تعلم وتغذى بمبادئ الحضارة الحديثة ومنح له حق التجنيس الممنوح لمن ولد في فرنسا بدأ يزاحم العنصريين والحاقدين على المسلمين والعرب.لم يجد هؤلاء الفرنسيون الجدد من يحميهم مثلما يفعل اليهود بإخوانهم.لقد تقبلت الدول العربية كل الإجراءات العنصرية ضد من يجب عليها حمايتهم

  • kabir hacina

    يخافون من الاسلام لانه الحق,