-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جامع الجزائر الأعظم.. آيا صوفيا الجزائر

محمد بوالروايح
  • 5248
  • 12
جامع الجزائر الأعظم.. آيا صوفيا الجزائر
ح.م

نسمع هنا وهناك من المرجفين في المدينة من يقول إن جزائر العهد الجديد مقبلة على انقلاب قيمي رهيب، شعاره التضييق على الحريات وتقزيم دور الدين في الحياة الاجتماعية انطلاقا من تقزيم دور المساجد. وقد اتسعت دائرة هذه الأراجيف مع الانتشار الرهيب لجائحة كورونا، إذ زعم بعض الرويبضة أن قرارات الغلق الاضطراري للمساجد بسبب هذه الجائحة إنما هي شكلٌ من أشكال المنع المتدرج للمساجد من أداء رسالتها التنويرية في المجتمع الجزائري خدمة لما سموه “اللوبي العلماني” الذي يوشك أن يتحكم بمفاصل الدولة والمجتمع. وازدادت حماقات هؤلاء وجهالاتهم بوصف من يسهرون على تطبيق إجراءات الحجر الصحي بأنهم يتخذونها مطية يستهدفون من ورائها الإسلام وكل رموز هذا الدين وبأنهم يشملهم قول الله تعالى: “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها”.

إن هذه الأراجيف لا أساس لها من الصحة، فليس بين الجزائريين أحفاد طارق بن زياد وعبد الحميد بن باديس والأمير عبد القادر من لا يعمل لصالح الإسلام ولرفعة هذه الدين وشموخ صرحه ورسوخ تعاليمه. إن الجزائر كانت وستبقى قلعة الإسلام الصامدة التي يتحصَّن بها الجزائريون ضد كل الدعوات المُغرضة والبدع المضللة والطوائف الدخيلة.

شعرتُ كغيري من الجزائريين بسعادة غامرة وأنا أشاهد جامع الجزائر الأعظم وقد لبس أبهى حلله وتهيأ لاستقبال رواده في الفاتح من نوفمبر، فلهذا التزامن رمزيةٌ تاريخية كبيرة لا يدركها من على شاكلة من وصفهم “إيليا أبو ماضي”: إن شرَّ الجناة في الأرض نفس.. تتوقى قبل الرحيل الرحيلا.. وترى الشوك في الورود وتعمى.. أن ترى الندى فوقها إكليلا”.

شهد العالم قبل أسابيع افتتاح مسجد “آيا صوفيا” في مدينة إسطنبول، حاضرة البحر، وفرح المسلمون -إلا من أبى- بهذا الحدث التاريخي الذي يوصلهم بماضيهم ويربطهم بتراثهم وحق لهؤلاء أن يفرحوا: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”. لقد عاش الجزائريون فرحة افتتاح مسجد آيا صوفيا كإخوانهم في العالم الإسلامي، وهم يتشوقون إلى فرحة أخرى بافتتاح جامع الجزائر الأعظم في يوم الجزائر الأغر “غرة أول نوفمبر”.

إن توقيت افتتاح الجامع الأعظم بيوم الاحتفال بالذكرى السادسة والستين لاندلاع الثورة الجزائرية المظفرة يحمل رسائل كثيرة، منها أن المرجفين الذين يراهنون على القطيعة بين الجزائر وعمقها وأصالتها الإسلامية واهمون وهم ضحايا الفكر الدخيل المعادي للقيم الإسلامية والوطنية، ومنها أن تزامن الافتتاح مع اقتراب نهاية كورونا رسالة إلى المشككين بأن المساجد ستعود كما كانت عامرة بالذِّكر، وبأنها ستظل معالم للهدى وأماكن للتقى لا يضرها عبث العابثين واستهتار المستهترين ما دام أن بها من أثنى الله عليهم بقوله: “في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، يسبَّح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب”.

لم يجد المرجفون الذين مردوا على السوداوية المقيتة من سبيل لإفساد فرحة الجزائريين باقتراب افتتاح جامع الجزائر الأعظم إلا صورة امرأة التقطتها الكاميرا فتشبَّثوا بها ونسجوا حولها أباطيل وأضاليل كثيرة تضاهي ما نسجوه بشأن كورونا. لم يجد هؤلاء المرجفون شيئا لافتا للنظر، يستحق الذكر إلا هذه الصورة التي لم نتأكد بعد من صحتها. إن الغيرة على الإسلام لا تكون بالصد عن السبيل وبلعن الظلام بل بإيقاد شمعة، تنير دروب السالكين وتشرح صدور العالمين، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول لبعض الصحابة الذين استشاطوا غضبا لمشهد الأعرابي الذي بال في المسجد وقد همّوا ليقعوا فيه: “دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”. إن تصرُّف بعض المرجفين -بمناسبة زيارة الرئيس للجامع الأعظم- حيال صورة عابرة والغفلة عن المشاهد الجميلة الأخرى المؤسرة، يشبه -مع اعتبار الفارق- صورة الطفل القتيل الذي لم يلفت نظر مصوره إلا صورة القلادة الذهبية التي يرتديها ولم يعر اهتمامه إلا السؤال عن حكمها في الشريعة الإسلامية ومآل من مات وفي عنقه مثل هذه القلادة، ولكن في المقابل لم تُثره ولم تهزّه ولم تلفت نظره صورة الطفل وقد مزقت رصاصة غادرة جسده كل ممزق.

جامع الجزائر الأعظم أو آيا صوفيا الجزائر -كما أحب أن أسميه- هو معلم إسلامي، يضاف إلى المعالم الإسلامية الكثيرة التي أقيمت في الجزائر منذ الفتح الإسلامي إلى الوجود العثماني إلى الاحتلال الفرنسي، فللمسجد الكبير في قلب الجزائر العاصمة الذي بُني سنة 1666 قصة جميلة تستهوي كل غيور على الإسلام، فقد أقيمت في هذا المسجد أول صلاة عيد فطر وأم المصلين آنذاك الشيخ الإمام “قارة باش أفندي”.

كل هذا معروف يعرفه العام والخاص، ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا المسجد كان عنوانا للتسامح الديني ونبذ ثقافة الكراهية، فقد تعاون على بنائه المسلمون واليهود والمسيحيون، وليس هذا بغريب، فقد كانت الجزائر العثمانية مثالا للتعايش المشترك أساسه حماية دور العبادة: المسجد والكنيسة والمعبد اليهودي، مع أن توجُّه الدولة توجُّهٌ إسلامي قائم على عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك.

يقول “سعد الله” المهتم بالتاريخ العثماني والأندلسي في الجزائر، عن قصة بناء الجامع الكبير: “ما لا يعرفه غالبية الجزائريين عن الجامع الجديد، أن أهم المهندسين المعماريين والمقاولين الذين أنجزوه عام 1666م هما: الأسير النصراني، الذي كان يلقب برمضان العلج ويوصَف رسميا في الوثائق بـ(معلم البِناء النصراني)، والحاج إبراهيم بن المهندس وخبير الري الأوسطي موسى الحميري الثغري الأندلسي”.

افتتح مسجد “آيا صوفيا” في تركيا ليكون منارة إسلامية شامخة في تركيا، وسيفتتح جامع الجزائر الأعظم ليكون آيا صوفيا الجزائر في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، واصلا الماضي بالحاضر، واسطة لالتقاء الأجيال والحضارات، جامعا للشمل، نبراسا للعلم، عنوانا للسموِّ الروحي وطاردا لكل أشكال الغلو الديني.

إن جامع الجزائر الأعظم بمرافقه الدينية والثقافية يعيد إلى الأذهان صورة المساجد التاريخية التي كانت مكانا للعبادة ومركزا للقيادة ورمزا للسيادة. إنه المعلم الإسلامي المتكامل الذي ستشهد الجزائر بافتتاحه نهضة فكرية وصحوة إسلامية تقوِّي الرابطة الدينية والوطنية، تعزز أواصر الأخوَّة وتقضي على كل مظاهر الفرقة. سيكون جامع الجزائر أو آيا صوفيا الجزائر نسخة مجددة للجامع الأخضر وجوامع الجزائر التي كانت حضنا للإسلام وحصنا للوطن ضد المتآمرين على عقيدة التوحيد ووحدة الوطن.

سيكون جامع الجزائر الأعظم أو آيا صوفيا الجزائر علاوة على دوره الوعظي قبلة للمهتمين بالتراث الإسلامي وفن العمارة الإسلامية، سيكون بالمختصر المفيد مدرسة إسلامية جامعة، يجد فيها كل من يرتادها المعين الذي لا ينضب الذي يروي ظمأه الروحي والثقافي.

لن أختتم هذا المقال من دون التعريج على مسألة على قدر كبير من الأهمية، وهي أنه ليس من المصادفة أن يتزامن يوم افتتاح جامع الجزائر الأعظم أو آيا صوفيا الجزائر مع يوم الجزائر الأغر (أول نوفمبر)، فبين قيم الإسلام وقيم نوفمبر عقدٌ لا ينفرط، عقدٌ صاغه الآباء والأجداد وينبغي أن يحافظ عليه الأحفاد، جيلا بعد جيل، فالإسلام أمانة الله والجزائر أمانة الشهداء فلنجعل شعارنا قول عبد الحميد بن باديس: “لمن أعيش؟ أعيش للإسلام والجزائر”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • مداني سي حاج

    تضييع المال العام

  • عباس الجزائري

    هل تعرف كم كلف بناء المسجد الاعظم؟ هل من المعقول أن تكزن التكلفة أكثر من مليار دولار؟
    لابد هناك من تظخيم الفاتورات وسرقات تحت الطاولة في هذا المشروع؟
    المسجد الذي بني في المغرب وهو أكبر مسجد في أفريقيا لم يكلف مليار دولار بل حوالي نصف هذا المبلغ.

  • Nacer برلين

    ما هذا التشبيه يا هاذا، وما بك مهوس بالاتراك لهدا الحد، لما هاته الثقة العمياء في الأتراك وهم نفسهم علمنيون اكثر من الفرنسيين. لهم من الإسلام إلا الإسم. لك الله يا وطني

  • العمري

    يحق لك أن تفتخر لو كانت الاحوال على ما يرام في الجزائر، يعني ان لا يلتهم البحر الحراقة الهاربين من جحيم البطالة، وأن لا يموت المريض في المستشفي نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وان لا ترمى عائلات في الشارع بدون مأوى،وأن لا تبعث ابنك الى مدرسة بأقسام مكتظة ومعلمين بؤساء والقائمة طويلة من المشاكل الاجتماعية الملحة والتي كان من الاجدر أن تكون لها الاولوية. ربما هذه المسائل لا تحرك فيك شيئا لأنك محظوظ لا تعاني منها فهنيئا لك بهذا الانجاز الاستفزاز.اما الغالبية العظمى من الجزائريين الذين يعانون فلا أظن ان ما تسميه ايا صوفيا تعنيه من قريب او من بعيد.استفزاز آخر هو تدشين هذا المسجد في نوفمبر

  • محمد

    كل الأفواه كانت مكممة بكمامة ثلاثية الألوان ،وسكتت عن المليارات التي بذرت على سيقان الماعز لبعض الأندية الكروية دون غيرها من الفرق الجزائرية والآن ذهبت هذه المليارات في مهب الريح ،وسكتت هذه الأفواه عندما رميت المليارات على الخلاغة والمجون من قبل خيرة الرڨاصة وزيرة الشقافة ،وسكتت هذه الأفواه عن كل شيطان ،و عندما تعلق الأمر ببيت من بيوت الله نزعت هذه الأفواه الساكتة عن الحق كمامتها وذرفت دموع النفاق وقالوا كلمة حق و أرادوا بها باطلا،وقالوا لماذا لا يبنوا بدله مستشفا عظيما ،نعم لو صرفت هذه الاموال المبذرة على الرقص وكرعين المعيز لبنيت مستشفيات عظيمة ،من لا يعظم شعائر الله فهو منافق مأجور.

  • المتمرس

    ان لم تستحيي قل ماشئت

  • مامون

    صرح وفخر اسلامي جزائري فاللهم بارك ووفق ولاة الامر لخير البلاد والعباد.

  • elarabi ahmed

    ( أيا صوفيا )كنيسة أرثودكسية قبل قيام الدولة العثمانية يعنى قبل قيام اي كيان من كيانان نهاية الحرب العالمية الاولى بسنين فكيف تستقيم المقارنة بين صرح تاريخى سياسي ثقافى دينى بامتياز مع العلم أننا لا ننكر الوظيفة والغاية التىأسس عليها مسجد الجزار ( والله وحده أعلم ) الجدير بالذكر هو كل عمل له أجر ولكل امرء مانوى واله الموفق ومبرك لأ شقائنا واخواننا المسلمين بالجزائر بهدا الصرح العظيم المبارك الدي به يتحقق الأمن الثقافى و الروحى .

  • ڨولها و ماتخافش

    هو مفخرة المستقبل لما تتحرر العقول ويصعد المنابر اهل الحق .اما اليوم صلي وارفد صباطك لا دروس و لا خطب في المستوى و من الصميم بل افواه تتحرك لا تغني و لا تسمن الشعب من جوع

  • واحد مودر

    أيا صوفيا اسم تاع نصارة ماشي عربي ، ما تشبهش جامعنا بيه

  • العنسي

    من أتيت بهذه المعلومات يا أستاذ أتقي الله كل مساجد المعمورة تم إغلاقها وأولها المسجدين الأكثر قدسية في العالمين المسجد الحرام و مسجد المدينة المنورة بسبب هذه الجائحة ، ثم ما علاقة مسجدنا بمسجد أيا صوفيا الذي كان كنيسة وحول إلى مسجد ، أعي علاقة حتى نقول عنه أيا صوفيا الجزائر؟؟؟

  • أعمر الشاوي

    يا ليته كان كما تصف يا سيدي, لكن بالنظر إلى شخصية من أمر ببنائه فالأمر أقرب إلى مسجد ضرار لا إلى مسجد أسس على التقوى,سيكتب التاريخ أن مؤسسه هو عبد العزيز بوتفليقة زعيم العصابة كما كتب التاريخ أن مسجد باريس الكبير بناه القايد بن غبريط الحركي , على كل ، الله من وراء القصد ,كنا سنحس بالغبطة لو تم تدشين أكبر مستشفى في العالم مثلا ، فالرئيس أردغان الذي ضربتم به المثل إسترجع مسجد أيا صوفيا بعد بنائه أكبر مدينة طبية في العالم يا سيدي و إنشاء أكبر شركة طيران في العالم و الأمثلة كثيرة , إلى متى سيظل تفكيركم بالمشاعر و الأحاسيس لا بالعقل و المنطق و الموضوعية يا سيدي إلى متى ؟؟؟