-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جرعة أوكسجين جزائرية لفلسطين

حسين لقرع
  • 1193
  • 3
جرعة أوكسجين جزائرية لفلسطين
ح.م

الارتياح الكبير الذي أبداه الفلسطينيون، بمختلف فصائلهم، تجاه الموقف الجزائري القويّ الرافض للهرولة والتطبيع والمؤكِّد لقداسة القضية الفلسطينية لدى الجزائريين، يعبّر من جانبٍ آخر عن الألم البالغ الذي باتوا يشعرون به وهم يرون الدول العربية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى وتستسلم ذليلة لإرادة أمريكا والاحتلال، وتصطفّ بخنوع في طابور التطبيع والانبطاح، حتى أضحى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحدّث بثقة كبيرة عن أنّ هناك ستّ دول عربية ستطبّع قريبا، وأنّ بعض قادتها يتصلون به هاتفياً باستمرار ليسألوه: متى يأتي دورُنا لتوقيع “اتفاق سلام”؟!

ترحيبُ الفلسطينيين بموقف الجزائر المشرِّف الذي عبَّر عنه الرئيس عبد المجيد تبّون، يأتي في وقتٍ يشتدّ فيه الخناقُ أكثر على هذا الشعب المستضعَف؛ فأمريكا لم تكتفِ بقطع مساعداتها المالية عنه، بل إنها دفعت الدولَ العربية، وفي مقدّمتها دول الخليج الثريّة، إلى أن تحذو حذوها، بهدف الضغط عليهم أكثر لإجبارهم على العودة إلى مائدة التفاوض مع الاحتلال على أساس “صفقة القرن” الأمريكية؛ أي إرغامهم على قبول تصفيةٍ نهائية لقضيّتهم والتخلي عن القدس واللاجئين والقبول بـ”دولةٍ” هزيلة مفكّكة إلى كانتونات، بلا جيش ولا سيادة على أجوائها وحدودها البرية والبحرية؛ أي “دولة أضحوكة” كما وصفتها يوماً إحدى الصحف العِبرية، وإذا واصلت السلطة الفلسطينية رفضها لهذا المشروع التصفوي الأمريكي – الصهيوني – الخليجي الخطير، فالبديل جاهزٌ ويتمثّل في إسقاطها وإيصال محمد دحلان، الذي يعيش في الإمارات، إلى الحكم لتنفيذه بحذافيره.

لذلك نقول إنّ السباق المُخزي الذي دخلت فيه عددٌ من الدول العربية للتطبيع مع الكيان الإجرامي والتحالف معه، يُضعِف القضية الفلسطينية أكثر، ويضعها أمام تحدّياتٍ بالغة الخطورة، فهو يُعطي الضوء الأخضر للاحتلال لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، ومواصلة قضم أراضيهم والتنكيل بهم والضغط عليهم للقبول بهذا الحلّ الاستسلامي الذليل، وقد كان الفلسطينيون يشعرون أنهم ليسوا وحدهم في المعركة وأنّ “أشقاءهم” العرب يحمون ظهرهم ويناصرونهم سياسيا وإعلاميا وماليا… أمّا الآن وقد بدأوا يتحوّلون تِباعا إلى الخندق الآخر من المعركة ويتحالفون مع العدوّ ضدّهم، ويستعدُّون للاشتراك في حصارهم وخنقهم ماليا إرضاءً لترامب وتصعيداً للضغط عليهم، فقد أضحى موقفُ الفلسطينيين بالغ الحرج، وبات الحصارُ يهدّد الضفة بدورها بعد 14 سنة من المعاناة المعيشية في غزة.

خلال الثورة التحريرية الجزائرية كان هناك إجماعٌ عربيٌّ على دعمها سياسيا وماليا وحتى تسليحيا، وكان ذلك أحدَ أسباب نجاحها في افتكاك الاستقلال عن فرنسا في 5 جويلية 1962، وإن كان الفضلُ الأكبر في الانتصار على الاستعمار يعود إلى صمود الشعب الجزائري، أمّا فلسطين فهي تفقد الدعم العربي بمرور الأيام، ونقصد هنا الدعم السياسي والمالي والإعلامي تحديدا، علما أنه ليست هناك دولةٌ عربية واحدة تمدّ المقاومة في غزة ببندقية صيدٍ واحدة لمواجهة الآلة العسكرية الجبّارة للاحتلال المدعوم أمريكياً، ولم يعُد هناك من يمدّها بما تيسّر من السلاح والمال سوى إيران.

وبرغم هذا الخذلان والتواطؤ وتزايد أعداد الخونة العرب، وبرغم حملات الشَّيْطنة التي تقودها نخبٌ خليجية متصهْينة يدعمها فقهاءُ السلطان بفتاويهم الضالة التي تبيح الخيانة وتبرّرها، يستمرّ الفلسطينيون في الصّمود وتحدّي جبروت العدوّ وخيانة الشقيق، مرابطين في أراضيهم، رايضهم،أصابرين قابضين على الجمر، يقاومون الاحتلال بما توفّر لهم من إمكانات، آملين أن تتغيّر الظروفُ والمعطيات يوماً لصالحهم، كما تغيّرت من قبل لصالح كل الشعوب المستعمَرة، وما ضاع حقّ وراءه طالب.

 

 

 

 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • د.عبد الحفيظ بوناب

    موقف الجزائر ليس جرعة اكسجين بالنسبة للقضية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني و للامة العربية بل هو صهريج و اكثر من ذلك .فهذا الموقف المشرف و الرائع و البطولي يبعث الامل في النفوس و وينعش القلوب و يبعث الامل من جديد في هذه الامة ،وقد يُحمل بعث القادة على التراجع عن مواقفهم المخزية اقتداءاً بالجزائر و هذا الموقف المشرف ما هو الا استمرار لتاريخ الجزائر المشرف تاريخ الثورة :قبلة الثوار

  • محمد

    أفتخر بموقف رئيس دولتنا ولو أننا نلاحظ بكل أسى ما آلت إليه الأمة العربية التي تربينا على أن ميزتها الشجاعة والأنفة والكرامة.مهما ذكرت من رأي الفلسطينيين نحو الجزائر فإن موقفنا يستند إلى الدفاع عن الحق أينما كان ولا نخاف في الله لومة لائم.ما لا أتحمله اليوم هو بقاؤنا عضوا في الجامعة العربية بؤرة الخيانة وتكتل الأذلاء عديمي الشرف.عروبتنا في دمنا وحضارتنا وصدقنا.أما مساعدة العرب لثورتنا فقد علق عنها الرئيس بن بلة ولا نحتاج إلى فضح الكثير من تلك الدول التي تنبطح لحكام الغرب والشرق وتفتخر بقمع شعوبها الممنوع عنها كل وسائل التقدم والتحضر.تواجدنا في لقاءاتهم يحط من شرفنا بين الأمم.إنهم يمثلون الخزي.

  • كلمة انصاف

    اخر الزمان الذئب و النعامة يولوا احباب, و كورونا تطرق الابواب, و النعاج يولوا سلاطن و اسياد, و الشجعان الجدعان في طريق الانقراض ...