-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جمعية العلماء من منظور الشيخ الرفاعي شرفي

حسن خليفة
  • 157
  • 0
جمعية العلماء من منظور الشيخ الرفاعي شرفي
ح.م

الانشغال والاهتمام بـ”جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” كهيئة دعوية ـ إصلاحية كان ولا يـزال وسيبقى همّا من الهموم الرسالية الجميلة النبيلة للكثيرين والكثيرات، من الذين تشرئبّ قلوبهم نحوَ النقلة التغييرية الإصلاحية الأحسنَ والأمثل، والذين يرون الجمعية أنسبَ أداة لتحقيق هذا التغيير، باعتبارها خيمة جامعة، وفضاء دعويا تغييريا صافيا رحيبا.

ولعله من هذا المنطلق ينبغي النظر إلى كثير من الملاحظات النقدية، والمقترحات، والكتابات الصادرة من كثير من الإخوة والأخوات، التي تدعو الجمعية إلى تحسين أدائها وتطوير أدواتها في العمل والنشاط، ينبغي النظر إليها بإيجابية، وهو ما يعني أن يُحمل كحبّ وتقدير للجمعية وغيرة على رصيدها ونظافة ونُبل أهدافها.

وأتصور أنه من المفيد ـ في هذا المقال المختصرـ الوقوف على رؤية واحد ممّن نعدّهم من مؤسسي الجمعية في انبعاثها الجديد (أوائل التسعينيات)، وهو الشيخ الدكتور أحمد الرفاعي شرفي رحمة الله عليه؛ فقد حمل همّ جمعية العلماء بين ضلوعه وفي نفسه وقلبه قائما ومرتحلا ـردحا طويلا من حياته ـ وصرّح، ودرّس، وكتب في ذلك مرات كثيرة ..

فما هي رؤيته؟

يمكن التأكيد في البداية على أن رؤية الشيخ أحمد الرفاعي للجمعية رؤية حضارية خاصة ومميزة، إذ كان يتمثلها فرصةً تاريخية للمجتمع الجزائري كله، وبالأخصّ لمن يحملون همّ الدعوة والإيمان والإصلاح، كما أنه ـ رحمة الله عليه ـ كان يراها أداة من أفضل الأدوات لتحقيق التنمية الحضارية بمعناها الواسع الشامل، بدءا من تنمية الإنسان في إيمانه وأخلاقه وعلمه وسموّ سلوكه… وصولا إلى كل ما تعنيه كلمة تنمية أو”نماء” من الازدهار، والتقدّم، والرقيّ، والاكتمال، والاستقلال والمنَعة والقوة…

كما كان ينظر إليها كخيمة جامعة لكل المكوّنات الإسلامية والوطنية المبرّأة من الحزبية الضيقة والطائفية والفئوية والمذهبية.. ومن ثم كانت نظرته الشاملة للجمعية على أنها: “جمعية العلماء واجبٌ وضرورة وحتمية ومصلحة، وهذه الاعتبارات يفرضها الواقع والتاريخ والمستقبل” (كتاب/ آلام الدعوة والصحوة ص37). وتأسيسا على هذه

الرؤية كان الشيخ الرفاعي يرنو إلى أن تتطور الجمعية باستمرار في أدائها، وذلك يعني أنها “تحتاج إلى إصلاحات جذرية شاملة وعميقة، تشمل هيكلتها، ومشروعها الدعوي والإيماني والعلمي؛ كما تشمل أيضا أعضاءها والمنتسبين إليها، والذين يرى أنهم لا بدّ لهم من برنامج إيماني تزكوي (تزكية) منتظم وصارم”… كما سنشير إليه في ختام هذه السطور.

ومقتضى ذلك أن يتم تحديث الجمعية وتطوير أدائها، بما توجبه متطلبات العصر في المجالات التنظيمية والإدارية، والثقافية، والإعلامية والتواصلية.. وأيضا بما يرسِّخ الشورى، ويجسِّد معاني التعاون على البر والتقوى، باستيعاب كل المكوّنات الدعوية في المجتمع الجزائري.

ومقتضى التحديث الذي يمسُّ هيكلتها وشؤونها في الإدارة والتسيير، يتبعه ما يتعلق بمشروعها الذي يقول عنه:

“وأما في ما يتَّصل بمشروعها وقضيتها فينبغي العمل على تحويل الجمعية إلى حركة علمية ثقافية تشمل كل التخصُّصات، وكل اللغات، قصد استقطاب القوى الحية والفاعلة في المجتمع الجزائري، وتوجيه نشاطها لتحقيق رسالة العلم والإيمان والثقافة، في الوقت نفسه إصلاح الخلل الدعوي المتمثل في تحزيب الدعوة وتسييسها وتوريطها في الصراعات المذهبية وغيرها، قصد بعث وإحياء العمل الدعوي القائم على وحدة الكيان، ونبذ الطائفية والمذهبية المسيّسة، وتفعيل ثقافة القرآن والسّنة القائمة على الأخوّة الإيمانية وتحرير الإيمان بالله عز وجلّ من الوصايات السياسية والحزبية والعرقية وغيرها من الاعتبارات المتناقضة مع ثقافة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (آلام في الدعوة ص38).

ومن الأمانة هنا أن نسجل أن الشيخ الرفاعي كثيرا ما صرّح وكتب فيما يتصل بشؤون الجمعية، منتقدا ومعبِّرا عن رأيه في ضرورة الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الدينية والأخلاقية في النهوض بعمل الجمعية، ومن ذلك ما صرّح به بشأن الجمعية (وقتئذ سنة 2013) إذ قال عن وضعية الجمعية بأنه “لا يبعث على التفاؤل، بقدر ما يوحي بالكثير من الأسف لما آل إليه أمرُها بعد عهود ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والميلي والتبسّي… فمعظم المكاتب (الشُّعَب) تعيش حالة مقلقة من السلبية والجمود وضعف الشعور بالمسؤولية، وانحسارُ مصداقية الجمعية، وتآكلُ رصيدها الاجتماعي في تزايد، وكل ذلك وغيره يجعل الجمعية بين الحياة والموت، فلا هي حية كما كانت في عهود الأئمة الرساليين فتُرجى ويُرجى نفعُها وفضلها ويُنتظر منها الصلاح والإصلاح والصلاح والخير والإيمان والعلم والعمل، ولا هي ميتة فتُنعى بمأتم يليق بمكانتها وفضلها وانجازاتها… ثم يطلق هذا التساؤل “ومرة أخيرة: هل

بإمكان الجمعية برئاسة الزميل والصديق الدكتور قسوم أن تنهض وتستعيد عافيتها وحيويتها، وتنعش الآمال المناطة بها؟.”(الشروق 28 جوان2013).

والموضوع ذو شجون، ولكنه يعبِّر في حقيقته عن “الحُرقة” المؤلمة القاسية، وفي ذات الوقت عن الطموح الكبير والآمال العريضة التي كان يحملها الشيخ الرفاعي ويتوقعها من الجمعية حين القيام بمسؤولياتها.

والحق أنه، في سياق فلسفته النقدية واجتهاده الثقافي والفكري، كان يرى الأمر متصلا ـ دائماـ بالإنسان.. فمتى وُجد إنسانُ القضية أمكن لنا أن نطمئن إلى الدعوة والإصلاح أو أي عمل أو مسؤولية، ولكن إن غاب إنسانُ القضية وحضر إنسانُ المصلحة أو الشهوة، فإننا لا يمكن أن ننتظر إلا الخراب والدمار والفشل إذ تسيطر الأنانية والجشع والمصلحة الشخصية، وقد أشار إلى ذلك في كثير من مقالاته عن الأحزاب والمؤسسات والوزارات وغيرها.

وعليه، فإن من مقترحات الأساسية بالنسبة لأعضاء الجمعية وعموم العاملين في الحقل العام التزامهم التام والدقيق بما سماه “البرنامج التربوي” أو التزكوي (تزكية النفس) وهو برنامج إيمان وتزكية وتربية للنفوس يقوم على عدد من المحاور تتصل أساسا بالتكوين الإيماني وتعهّد النفس والقلب بما يصلحهما. وذلك حديثٌ آخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!