-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جناية الإخوان على مستقبل الإسلام السياسي

حبيب راشدين
  • 3163
  • 15
جناية الإخوان على مستقبل الإسلام السياسي
ح.م

التدخل العسكري الليبي في الجارة ليبيا لم يعد يحمل فقط تهديدا عسكريا وأمنيا قاتلا لدول الجوار، ويمهد لتمدد جديد لحلف النيتو في الإقليم، بل بات يعرِّض المنطقة لنسخة مغاربية من الاحتراب الأهلي، الذي مزق دول وشعوب المشرق، بتجنيد تركي سافر لحركات “الإخوان المسلمون” الحالمة بموجة ثانية من الربيع العربي بقيادة تركية مباشرة، قد تنتهي بإقصاء “الإخوان”، وتقضي تبعا على فرص الإسلام السياسي، المطالَب اليوم مثله مثل التيار العلماني بإعلان البراء من التبعية للأجندات الأجنبية.

منذ التآمر على نظام صدام حسين، وإسقاط البوابة الشرقية للأمن القومي العربي، نجحت الولايات المتحدة في إعادة توجيه بوصلة الصراع مع الكيان الصهيوني، بتصنيع عدوٍّ بديل، عبر تشجيع التمدد الفارسي الصفوي الإيراني، مستعينا بمواليه من العرب الشيعة في لبنان، وسورية، والعراق واليمن، حتى صارت إيران الرسمية تتبجَّح باحتلالها أربع عواصم عربية.

وجاء الربيع العربي المدمِّر، الذي أبرِمت صفقته، وأعلِنت مرجعيته في إسطنبول، على لسان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وعرضت تفاصيله في خطابه الثاني بالقاهرة، وبدأ التصنيع لعدوّ بديل جديد للعرب، بتشجيع الإمبراطور العثماني الجديد أردوغان، على أخذ نصيبه من قسمة “سايكس بيكو” الجديدة للعالم العربي، بدأت من سورية باستباحة الأتراك لسيادة دولةٍ عربية، هي اليوم محل تقسيم بين الكيان الصهيوني بضم الجولان، واحتلال تركي لشمال سورية.

وبالنظر إلى طبيعة موازين القوى في منطقة شمال إفريقيا، مع وجود جيشين قويين: مصري وجزائري، يفوقان حجم القوة العسكرية التركية، مع تمتعهما بأفضلية الأرض والقرب، لم يكن أردوغان ليغامر بهذا التدخل السافر في الجارة ليبيا، لولا اطمئنانه لدعم أمريكي صريح، ويقينه من انضواء مجاميع “الإخوان المسلمون” في ليبيا، ومصر، وتونس، والجزائر، والمغرب، نراها اليوم تجاهر دون خجل بولاء تام للإمبراطور العثماني، ولا تمانع أن تنخرط في “انكشارية” عسكرية وإعلامية، تقاول لمشروع أردوغان الحالم باستعادة “أيالاته” التي فقدها – دون قتال – منذ قرنين لصالح الاستعمار الغربي.

مبدئيا، ليس لأحد الحق في معارضة حق “الإخوان” أو أي حركة إسلامية في التنافس السلمي الديمقراطي على السلطة، ورهانها المشروع على الفوز بتفويض شعبي، مثلها مثل بقية القوى السياسية، من أقصى اليمين إلى أقص اليسار، كما لا نملك الحق في إقصاء القوى العلمانية، ما دامت تحترم قواعد اللعبة، وتنخرط بكل مسؤولية في المشروع الوطني، الذي لا يقبل الولاء والتبعية لأي أجندة أجنبية: سياسية دينية عقائدية، طائفية، أو مذهبية، وهو الاختبار الذي فشلت فيه أغلب مكونات الإسلام السياسي والقوى العلمانية، التي أخفقت حتى الآن في صياغة مشاريع حكم وطنية، يطمئن المواطن على إخلاصها لمصالح الوطن، وعلى منسوب تحررها من التبعية لمرجعيات سياسية وعقائدية وافدة من الخارج، غربا وشرقا.

ويأتي التدخل العسكري التركي بهذه الأجندة الاستعمارية التوسُّعية المفتوحة، تحت مظلة حلف النيتو، وبتشجيع أمريكي معلن، ليفتح على دول وشعوب شمال إفريقيا بوابات الفتنة التي مزقت المشرق العربي تحت راية كاذبة، تعد بإعادة بناء “الخلافة الإسلامية” بقيادة أحفاد العثمانيين، وبمباركة وحماية حلف النيتو، لا تختلف كثيرا في مآلاتها عن رايات “داعش” الكاذبة، إن لم تكن تمهِّد لنفس الخراب حال فشل تثبيت المشروع التركي في ليبيا، وقد استبق ركبان الفشل بجلب قرابة عشرين ألف مرتزق من المجاميع المسلحة السورية إلى

المنطقة، مرشحة للتواصل مستقبلا مع المجاميع المسلحة في الساحل.

انخراط أرخبيل تنظيمات “الإخوان” في دول شمال إفريقيا دون روية في هذا المشروع الاستعماري التركي، المقاول من الباطن للكيان الصهيوني، وتبعا للمشروع الإمبراطوري الأمريكي، مثله مثل المشروع الصفوي الإيراني في المشرق، سوف ينتهي لا محالة بحمل حكومات وشعوب دول شمال إفريقيا إلى إقصاء هذا التيار من حق المشاركة في الحياة السياسية، وقد يغلق عل بقية مكونات الإسلام السياسي فرص التنافس الديمقراطي على السلطة، حتى يعلن البراء من التبعية للمرشد الأعلى، سواء كان اسمه خامنائي أو أردوغان، تماما كما يفترض أن نطالب التيار العلماني وبنفس القوة والجدية بإعلان براء مماثل من مرشده الأعلى بباريس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
15
  • نوار خليفة

    حركة الإخوان المسلمين من بين أقدم التنظيمات الدعوية و السياسية في العالم الإسلامي تكاد تلامس مدة قرن من وجودها و هي فترة أكثر من كافية لتشبع قياداتها و أعضائها بالخبرة و بعد النظر و القدرة على إدراك عواقب القرارات المصيرية لكن ما يسمى بالربيع العربي كشف عن قصور كبير في تكتيكات الحركة بل و سذاجة و سطحية عجيبة في تفكير قادتها و سهولة استدراجهم للكمائن من طرف الخصوم بدليل إن الربيع العربي الذي تحول إلى خراب أول من فجره هم المنظمات العلمانية و النقابية في تونس و مصر و سوريا و غيرها و استعانوا بالإخوان لتحقيق أهدافهم ثم سحبوا البساط من تحت أرجلهم و يبدو أنهم في طريق تكرار نفس السيناريو دون اعتبار

  • محمد قذيفه

    بالرأي والرأي الآخر تبنى الآوطان

  • محمد طه - مصر

    أفضل مقال جامع عن الأزمة الليبية ....منذ تعرض ليبيا للضعف هل طمع الجيران العرب فى ليبيا؟ من قال أن ليبيا هى إرث عثمانى ؟ من قال أن تلركيا ستبقى فى ليبيا الى الأبد؟ ماذا تريد كمواطن عربى؟ أن يحتل التركى دولة عربية طمعا فى ثروتها؟

  • محمد المجاجي

    ليبيا دولة مغاربية عربية أولا وقبل كل شيء.ولا دخل لتركيا أو لفرنسا أو أمريكا أو غيرهما في شؤوننا ونحن أحرار ومستقلون، ومن أراد أن يكون عبدا للسلطان أردوغان أو لفرنسا فليكن عبدا لهما في بلادهما وليرحل عنا، لأننا استعدنا بلادنا الجزائر بدمائنا وكذلك أشقاؤنا في ليبيا بقيادة قوم البطل الليبي والشهيد عمر المختار. نحن مغاربة وعرب ولسنا فرنسيين ولا أتراك... ونحن من حقنا حل مشاكلنا المغاربية بأنفسنا. تحياتي الأستاذ راشدين

  • محمد المجاجي

    السلام عليكم الأستاذ راشدين.لقد كنت متألقا في تحليلك السهل الممتنع. هذه الحركة الإسلاموية خنجر مسموم تغرسه القوى الإستعمارية في خصر كل مقاوم عربي غيور ابتداء بالتجربة الناصرية الطموحة وفي السودان حيث تسببت في تقسيمه وحرمانه من جنوبه، وفي العراق تآمر الحزب الإسلامي العراقي الإخواني على الدولة العراقية مع المليشيات الشيعية التابعة لإيران الصفوية، وهم في سوريا وليبيا أدوات السلطان التركي أردوغان. ففي أي دولة عربية يتقوى فيها هؤلاء يحل الدمار والفتن والكوارث. بارك الله فيكم أستاذنا الكريم

  • رضوان

    منذ استدعاء الاخوان المتأسلمون للناتو في ليبيا برعاية شيخهم القرضاوي ودعوتهم للجهاد في سوريا سقط مشروعهم لغير رجعة، فقد سمحوا باختراقهم من طرف تركيا وقطر وجعلهم أداة طيعة في يد الصهيونية العالمية، لكنهم مازالوا لحد اليوم يمارسون دور الضحية ولم أسمع أي واحد منهم قام بمراجعات لما حدث في المنطقة منذ ٢٠١١، فمهما كانت الشعارات والأدبيات التي يدافعون عنها فانها سقطت بمجرد موالاة المستعمرين أعداء الدين والوطن، ومن يتولهم فانه منهم.

  • العاتري

    مغالطات كثيرة سببها فقدان الهوية والتّيه الذي أصاب المفكرين في كثير من العالم الاسلام ..وإلا بماذا نفسر الاتهام المسعور لتركيا بأنها تبحث عن إعادة الخلافة وهي قد استجابث لنصرة حكومة دولة معترف بها عالميا وفعلت ذلك مثلما استجابت لنجدة الجزائر في الماضي ...

  • عبد القادر

    الا تعلم ان التدخل التركي كان اخر المتدخلين قبله التدخل الروسي مع مليشيات الاسد الشيعية و التدخل الفرنسي ما لكم كيف تحكمون ثم مادخل الاخوان المسلمين هل اردوغان ياتمر بامر الاخوان ام ان اردوغان بحاجة للاخوان ام هو اظمار موقف من الاسلام السني غير السعودي الاماراتي تحت ذريعة مهاجمة فصيل الاخوان المسلمين

  • Ahmed

    لماذا لا يتعض بعض مجاميع الاخوان مما جرى لهم طيلة قرن من الزمان, حيث كل مرة يقدمون ككبش فداء ثم ينكل بهم. لولا الاخوان لما استطاع الضباط الاحرار الاطاحة بالملك فاروق, وسيد قطب كان مستشار الضباط الاحرار وفيلسوف الثورة كما لقبوه, قبل ان ينقلب عليهم عبد الناصر وينكل بهم. وراينا نفس الشيئ مع ما يسمى ثورة يناير .فلولا الاخوان لمااستطاع ثورجية اتبور الاطاحة بمبارك, رغم انهم كانو لاباس عليهم في عهد مبارك والسادات. قبل ان يقوم نفس ثورجية اتبور بدفع السيسي للتنكيل بهم. الاولى بالاخوان النفرغ للتربية والدعوة بدل اضاعة جهودهم في السياسة اللتي كل مرة يضحون بهم.

  • Karim

    تحليل اكثر من رائع... بوركت

  • محمد

    إنكم بالتركيز على عيوب الإخوان المسلمين عامة تمدون أعداء الإسلام في الشرق والغرب بدعم مجاني لتقويض الحضارة العربية الإسلامية.ما فعله دكتاتور مصر السيسي حين أطاح بحكم نال أغلبية واضحة لم تترك أبواق الفساد لمرسي أكثر من سنة لينقلبوا عليه بقوة السلاح مهما كانت أخطاؤه ثم فتك بعزل آمنوا بحريتهم.كما استنجد العرب بكل قوى الشر بما فيها إسرائيل للقضاء على صدام والقذافي بينما هم اليوم يسكتون عن التدخل الفرنسي وغيره من القوى الاستعمارية بل تتصدرهم كتلة شيوخ الخليج الفاسدة ليقفوا إلى جانب عميل أمريكا حفتر بالسلاح الفتاك ضد شعب كان يقصف ليل نهار مثلما فعل المجرم بشار.فعينوا تركيا عدوة وإسرائيل صديقة حميمة

  • عمران

    الاخوان في الجزائر كانوا يرفعون شعار الاسلام هو الحل .ووصلو الى البرلمان والى الحكومة وماشفنا لااسلام ولاهم يحزنون وأحد وزرائهم انخرط في حزب العصابة وهو الان في سجن الحراش كان وزير الطريق شرق غرب.
    حبيت نقول انهم بالشعار الذي رفعوه وصلو الى مايتمتعون به من مناصب وخيرات الان. والاسلام اتخذوه مطية ووسيلة ليس إلا حتى ينالو ثقة الجماهير ولكنهم في الاخير خانوا الاسلام وخانوا الجماهير

  • عروبتاه كونتري

    تبا للجميع :
    تبا للاخوان والمداخلة والغلاة والخوارج ومدعوا المشيخات والعلمانيون الاعراب والعلمانيون الفرانكو بربريست والعمانيون المتطرفون والاسلاماويين المتعلمنون والاسلامويين المتحزبون وحلفاء تركيا وحلفاء السيسي وحلفاء بن زايد وحلفاء الامارات وحلفاء بن سلمان وحلفاء الجامعة العربية وسوريا بشار وسوريا المعارضة المتلاعبون بالالفاظ واعداء الدين...
    تبا لجميع هؤلاء الدين اساؤوا للاسلام والمسلمين والاسلام والمسلمون منهم براء ....

    دعوا الاسلام وشانه
    اقيموا دولة الاسلام في قلوبكم تقم لكم دولة الاسلام في ارضكم ....

  • عبدين من تبسة (الجزائر)

    لله درك أستاذ راشدين ولا فض فو قلمك
    إنه المقال الذي يجمع بين المعرفة العميقة و المباشرة في الطرح و الفحولية الأدبية ( لا أقول شجاعة لأنها أصبحت مبتذلة و لأنني أحبذ كلمة جزائرية تؤدي المعنى الذي أقصد).
    كفانا مقالات تتوارى زيفا و حيفا وراء الثقافة و التعقل و الرصانة.

  • عزالدين الامازيغي

    يبدو ان الكاتب يحتاج الى الدولار السعودي الاماراتي و الا كيف يفسر سكوته على التدخل الاماراتي السعودي المصري الروسي الفرنسي حتى كادت الحكومة المعترف بها من الامم المتحدة ان تسقط لولا الاتفاق مع الحكومة التركية على دعم الحكومة الشرعية في ليبيا