-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بلغاريا وسلوفينيا وروسيا بلدان أوروبا الشرقية

جنة أم منطقة عبور للحراڤة

فاروق كداش
  • 1939
  • 5
جنة أم منطقة عبور للحراڤة
ح.م

شبابنا على كف عفريت، يبحرون في عرض البحر، على قوارب الموت، يمشون أميالا في أدغال الألب وجبال كرواتيا الثلجية، ويغامرون بحياتهم، عبر حدود ملغومة بالكراهية، للوصول إلى جنة عرضها الأوهام وحدودها جثث الحراڤة… الشروق العربي، تذيب الثلوج من الجزائر إلى أوروبا ستالين وشاوشيسكو، بحثا عن شباب غيّر خارطة الهجرة.

بعد باريس ولندن وروما، التي اكتظت بالمهاجرين، غيّر الكثير من الشباب وجهته إلى بعض بلدان أوروبا الشرقية، بنية الزواج بالدرجة الأولى، وتحسين النسل، كما يمازحنا البعض… وأحيانا، يبيّت هؤلاء نية شيطانية، ويستغلون سذاجة هذه البنات، للاستقرار في بلدان أكثر رفاهية، مثل بلاد الرايخ ألمانيا.

وللوصول إلى هناك، يقطع الجزائريون مئات الأميال، من سراييفو بالبوسنة ومن ثم يشدون الرحال إلى فليكا كلادوشا في الحدود الكراوتية… ويمشي الحراڤة نحو تسعين كيلومترا، مشيا على الأقدام، مزودين بخرائط ڤوڤل ومشروبات الطاقة ومجموعة الأصدقاء… ويحرص هؤلاء على المشي ليلا، رغم درجات الحرارة المتدنية، التي راح ضحيتها العديد من الشباب الجزائري، كي لا يتم اكتشاف أمرهم من طرف السكان العنصريين في أغلبهم، بالإضافة إلى التناوب على النوم كي يحرس بعضهم بعضا… من كرواتيا، تأخذهم الطريق الموحشة إلى سلوفينيا، ويدخلون فاتحين الأذرع إلى النمسا، على أنغام شوبار ويوهان ستروس، وإن حالفهم الحظ يتسلقون حائط برلين التاريخي.

بولونيا… شقراوات على مد البصر

بينما أنا أتصفح فايسبوك، جذبني بوست لأحد الشباب، يشجع أقرانه على الزواج ببولونيات، “هل تدرون أن في بولونيا مليون فتاة جميلة عانسا… لماذا لا نرسل بعض الحراڤة لفك الأزمة؟”. وأرفق الخبر بفيديو لأحد الجزائريين في العاصمة فارسوفيا، وهو يعزف على آلة القيثار، بينما تحوم حوله الفتيات، وبعض الفضوليين من الجنس الخشن… ولن تصدقوا الكم الهائل من التعليقات، التي تدافع عن فكرة الهجرة حتى إلى بلدان ليست بالألدورادو المزعوم…

قضية عالجتها المحكمة مؤخرا، تدل على أن بولونيا أضحت مزارا للجزائريين، مفادها وقوع عدد من المواطنين يبحثون عن السفر إلى بولونيا، في يد محتال، سلموه مبالغ معتبرة، مقابل تسهيل الحصول على الفيزا.. وبعد إيداع الملفات أمام القنصلية، تفاجؤوا برفض ملفاتهم لأسباب متعددة… لا تهم القضية بقدر ما يهمنا هذا الاهتمام الجديد للشباب، ببلدان اشتهرت بأنها الأفقر في أوروبا… والتفسير الوحيد، الذي وجدته، ليس طلب هؤلاء للاستقرار، بل هو ضرب عصفورين بفيزا واحدة، الزواج ببولونيات وأوكرانيات وسلوفينيات ومن ثم الدخول إلى بلدان أوروبا الغنية.

جزائريون في جبال الثلج

لم أقدّر هذه الظاهرة حق قدرها، إلا بعد مشاهدتي فيديو انتشر مؤخرا على وسائط التواصل الاجتماعي، يظهر مأساة حراقة جزائريين حاصرتهم الثلوج في جبال سلوفينيا، وهم يسيرون ببطء وسط الثلوج، وتبدو عليهم ملامح التعب والإرهاق وتأثرهم ببرودة الطقس، وخاطب “يوسف”، وهو أحد الحراڤة الذي يبدو من لهجته أنه ينحدر من الجزائر العاصمة، الشباب بالقول: “أياكم والحرقة يا إخوتي، فهي صعبة جدا”، مضيفا: “لقد أضعنا اثنين من زملائنا، وأتمنى أن ينجوا من الموت”.. هذه الصور، تشعرك بوهن شديد، كيف لأم أن ترى ابنها وهو يمشي متعثرا بين الثلوج، يوشك في أي لحظة أن يصبح طعاما للذئاب الإسكندنافية… سيترك لها صورة فقط ومقطع أغنية يرددها في الملاعب: “امسحي دموعك يما ما تبكيش المعيشة هادي من بكري مطلقها”.

 اليوتيوب… دروس الحرڤة بالمجان

 يبث الكثير من الشباب الناجي من رحلات الموت، فيديوهات على اليوتيوب، لإرشاد الحراڤة ودلهم على أحسن طرق الحرڤة من بلد إلى آخر، وإطلاعهم على المدن التي يجدون فيها سهولة للتنقل… “الروجي”، حراق مستقر في روسيا، بث فيديو بعنوان “كيف تعيش حراڤا في روسيا.. وبعض النصائح للتأقلم”، وكانت أول نصيحة يسديها إلى أقرانه، أن يكون مطلعا على تقنيات الدراڤاج، ويؤكد أن الروسيات ليس من السهل إغواؤهن، لكن اللسان المعطر بالرومانسية يأتي أكله… ونصح بالارتباط بروسية بالفاتحة، وأكد “الروجي” أن أقل مبلغ للاستقرار في روسيا هو 1000 أورو، ونوه بالعقلية الروسية التي لا تفرض على الرجل أن يدفع إلى المرأة أي شيء، سواء في المطاعم وقاعات الشاي، وحتى تكاليف الكراء… ونصح أيضا بالعمل في مطاعم الشاورما، في الليل فقط، وأنهى نصائحه بعدم ركوب المترو حتى لا يفضح أمره مع الشرطة.

عماد، حراق آخر، اختار الاستقرار في رومانيا، ويشتغل في الفلاحة مقابل ٥ أورو في اليوم، يقول في قناته المتواضعة إنه، قبل هذا العمل، كان يحترف السرقة في شوارع بوخارست، ونصح بدوره الشباب بالإيقاع بالفتيات كي يخرجوا من وحل الفقر أو “الغرقة”.

وينشر الكثير من الشباب رحلتهم العويصة داخل أدغال غابات كرواتيا وسلوفينيا، والخوف يملؤهم من المجهول، فلا حدود ستستقبلهم، ولا طبيعة سترحمهم، يحملون أحلامهم في كف، وكفنهم في كف آخر… فيديو آخر، لحراق جرائري، يروي يومياته للدخول من روسيا للوصول إلى فنلندا، وكيف أنه عبر غابات بأكملها، متحملا المشقة وعناء السير الطويل.

 جزائري يخون بلغارية

عبدو، يروي حكاية هجرته من تركيا إلى بلغاريا… وعند دخوله قبض عليه بعد شهر فقط، وسجن مدة سنتين، بتهمة الهجرة غير القانونية في مركز للعبور… يقول إنه تعرف على فتاة عبر فايسبوك داخل المركز، لأن الإنترنت كان مسموحا بها… وبقي على اتصال بها مدة سبعة أشهر، بعد إطلاق سراحه، انتقل من مدينة هاسكوفو إلى بلوفديف، للقاء هذه الفتاة البلغارية، وعاشا معا.. وبينما كانت تخطط للزواج، كان يعتبرها هو محطة عبور إلى ألمانيا، فتركها بنذالة لم نعهدها في الجزائريين، وسافر إلى العاصمة صوفيا ثم إلى صربيا، ومن ثم إلى هنغاريا ثم بعد أسبوعين راسلته معاتبة، غير أنه اعتذر إليها، متعللا بسوء ظروفه المعيشية في بلغاريا… من فرط حبها، سافرت هذه البلغارية إلى نوربرغ بألمانيا للم الشمل، ودفعت 100 ليفة، أي 100 يورو عبر الحافلة، لكن، بعد أن كانت استقبلته في بلغاريا رفض هو استقبالها في ألمانيا، والسبب، أنه التقى ألمانية بعد عشر أيام من وصوله، مطبقا فلسفة “اخدم غربتك”.

في النهاية، خلصت إلى أن الغربة وهم، والحرڤة هي شيميرا، ذاك الوحش الأسطوري بوجه أسد وجسد تنين وذيل ثعبان… قد لا يلتهمك الأسد ولا تحرقك نيران التنين، لكنك في الأخير تموت بلسعة ثعبان طائشة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • قريب حراق ضاع

    سياسة عصابات النهب والتجهيل والتهجير والنفاق الديني المعتمدة منذ 1962 هي أساس كل المآسي (( هم بالنهب يعيشون النعيم في الدنيا وبالتجهيل والتهميش والدجل جعلوا الشباب يعيش جحيم الهجرة والبطة في الدنيا وحلم جنة النعيم في الآخرة

  • مقبرة المواهب

    السكان الاصليين اكتشفوا امريكا قبل كولومبوس الي يظلوا يبلبلوا عليه, و هناك بحارة مسلمون وصلوا الى امريكا قبله بالحجة الاثر و البرهان.

  • كيف تركتك التبسيات لم افهم

    كيفاش خلاوك التبسيات الزين والحطة والهمة

  • احمد عيساوي

    استغرق بفكري مع كندا التي اكتشفها كريستوف كولمبوس عندما كان ...يسوق في قاربه الخشبي فوجد كاناري فقال اواصل البحث هناك قارة يابسة
    اخي يحيى
    معلم ابتدائي تقاعد

  • احمد عيساوي

    كم من الوقت مضى ونحن هكذا