-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“حارس البوابة” المانع لتفكيك الدولة الوطنية

حبيب راشدين
  • 1564
  • 5
“حارس البوابة” المانع لتفكيك الدولة الوطنية
ح.م

نفس العائلة العلمانية الحداثية المرتهنة للغرب، والإسلامية الإخوانية المرتمية في ما يشبه “ولاية الفقيه” العثمانية الطورانية التي راودتنا في الشهور الثمانية المنصرمة من الأزمة على مغامرة الدخول في مرحلة انتقالية عادمة للاستقرار، منتجة للفوضى، هي التي قادت الجارة تونس إلى طريق مسدود، بمؤسسات حكم هشَّة فاشلة، ووضع اقتصادي اجتماعي وأمني كارثي، هو في طريقه إلى صناعة بؤرة جديدة حاضنة للفوضى، تضاف إلى بقية البؤر الساخنة المتفجِّرة المحيطة بالجزائر.

لسنا اليوم بحاجة إلى استحضار نماذج مُحبطة فاشلة لما يسمى بـ”الانتقال الديمقراطي” من المشرق أو حتى من أوروبا الشرقية، وبين أيدينا تجربة الأشقاء في تونس، وقد اختارت النخبة فيها مغامرة المسار الانتقالي بجميع أدواته التقليدية، بدءا بالهيأة الرئاسية وحكم الترويكا، والمجلس التأسيسي، وصياغة دستور جديد، والدخول في توافقات ضد الطبيعة بين عائلات سياسية من الهامش، هي على طرفي نقيض، مع انفتاح سريع على رموزٍ من النظام الساقط، أعيد تدويرُها تحت عباءة “نداء تونس”، قبل أن يعاد رسكلتُها في حزب “قلب تونس”.

خروج التونسيين في آخر استحقاق رئاسي وتشريعي بمجلس نيابي مفكك، غير قادر على تصدير حكومة متماسكة، مؤهلة لإدارة أزمة مركَّبة متنامية، ورئاسة قد تؤول غدا إلى شخصية نكرة بلا قاعدة اجتماعية، أو إلى رجل كان قبل يومين في السجن تحت مساءلة قضائية بالفساد وبتهم تبييض الأموال، وبمنظومة حكم ما تزال عاجزة عن استكمال بناء بقية مؤسساتها وعلى رأسها المحكمة الدستورية المغيَّبة، بل هي اليوم في ظل التوليفة النيابية الجديدة، أعجز ما تكون حتى في بناء توافقات مرحلية لإصدار تشريعات تحتاج إلى أغلبية الثلثين، وقد تفشل حتى في التوافق على الميزانية القادمة.

وبقدر ما كان هدمُ نظام الحكم الاستبدادي عملية سهلة ميسَّرة، لم تكن بحاجة لا إلى تدخل عسكري أجنبي، كما حصل في العراق وليبيا، ولا حتى إلى ثورة شعبية عنيفة أو إلى حرب أهلية، فإنَّ إعادة بناء الدولة التونسية صار مرتهنا اليوم لحسابات كيانات حزبية قادمة من الوعاء الليبرالي العلماني المتوحِّل في أساطير الحداثة الغربية، وقوى إسلامية اخوانية مرتهنة لمشروع عابر للقوميات والأقطار، قد اختطفت قيادته الإقليمية تركيا الطورانية، الحالمة باستعادة المجد العثماني على حساب الشعوب العربية في المشرق وفي أيالاتها السابقة في المغرب الكبير.

وربما تكون التجربة الانتقالية التونسية التي غابت عنها القوى الوطنية المستضعَفة أصلا زمن حكم النظام البورقيبي منذ الاستقلال، هي التي أغرت نفس العائلة العلمانية والإسلامية في الجزائر على الرهان على مرحلةٍ انتقالية تمنحها فرصة الإجهاز على القوى الوطنية التي أضعفتها العشريةُ الاستئصالية، وأنهكتها السنوات العجاف من حكم العصابة المختطِفة لموقع الرئاسة، وتسلل عصابة الأوليغارك لقلب السلطة ومؤسساتها في الواجهة.

سقوط واجهة الحكم بعد ترحيل الرئيس بالمادة 102 لم يتبعه في الحالة الجزائرية سقوط الدولة كما حصل في تونس، وقبلها ما نُفذ بيسر في ليبيا والعراق، لوجود حارس بوابة اسمه “الشعب وجيشه” الحاضن للفكر الوطني الغالب، سواء في الذاكرة الجمعية لشعب قد أعادت توليده ثورة التحرير المجيدة، وجيشٌ وطني شعبي اشتغلت قيادته في العقدين الأخيرين على تطهير صفوفه من بقايا ضباط فرنسا، قبل أن تستعيد دورها التاريخي كقوَّة حامية للفكر الوطني النوفمبري المستضعَف في المشهد السياسي السلطوي المختطَف، معادلة غُيِّبت في حسابات القوى التي أرادت تسخير الحَراك الشعبي لصالح مغامرة الانتقال خارج الدستور، والهروب من استحقاق الصندوق الممرّ الوحيد المتاح في أيِّ مسار ديمقراطي لتجسيد السلطة التأسيسية للشعب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • jalil

    c'est bien résumé Monsieur Rachedine. Kalam fi SSamime. ne vous arretez pas d'écrire Monsieurcar le peuple a besoin de lumière pour bien tracer et bien voir se qui lui convient. Je demande au journal Echourouk de vous consacrer plus d'éspace pour écrire et que ca soit sur la PREMIERE PAGE. il n y a pas plus beau que la VERITE qui illumine notre cerveau. Merci Echourouk et Merci encore Monsieur RACHDINE!!!

  • محمد

    تحوير أي استحقاق سهل على من يريد طمس الواقع.ثقافتنا منذ سقوط العباسيين غاب عنها العقل والإنصاف وصرنا نتقبل الأفكار الخاطئة وإن كنا واعين بفسادها.لم تتكون لدينا في الجزائر خاصة طبقة سياسية وطنية نتيجة جهلنا وتخلفنا ولم تتكفل الدولة الفتية بتربية المواطنين على حماية الوطن وتوحيد المجتمع إنما اكتفت بتخطي الأزمات وشراء السلم المدني لذلك لم نترب على العيش في اطمئنان وعقلانية بل اكتفينا بالحلول الآنية وترك الأزمات تشتعل تحت الرماد.بهذه الطريقة استمر تاريخنا ملغما بأسباب التفكك.شخصيا لست ضد حكم العسكر لمدة لازمة لإعادة تكوين الدولة على أسس ديمقراطية وفق مبادئ حضارتنا في انسجام مع الحداثة لكن بشفافية

  • محمد

    مقال نوفمبري في القمة احسنت ايها الكاتب الكبير مقال غير منحاز وغير مؤدلج وضع النقاط على الحروف

  • عبدالله FreeThink

    أما العلمانيون الليبراليون، يظنون أو يرددون أن الحل أن نستورد فكرا غربيا ونطبقه على مجتمعاتنا دون تكييف وتعديل، حيث نسلخها سلخا (بصفة ديكتاتورية) من كل قيمها وأسس دينها، ويظنون أن ذلك كفيل أن يجعلنا متطورين، متناسين أن تلك الدول نمت بالديون التي أعطيت لها مقابل تخليها عن قيم دينها لصالح دين عبادة المال ،ثم بعشرات أو مئات الأعوام من نهب المستعمرات والذي يتواصل إلى هذه اللحظة، ففرنسا كما فضحتها إيطاليا لا تزال تمول دينها العام بإصدار فرنك المستعمرات لحوالي 12 دولة إفريقية، ولا ننسى المستعمرات في الجزر واتفاقيات النهب.
    بالإضافة إلى عامل القوة العسكرية والتدخل بعملاء التخريب لإفشال دولنا.

  • عبدالله FreeThink

    لا أظن أن الكثير من تيار الإخوان يعلمون بمشروع الإمبراطورية الطورانية، فقد انعدم الفكر الحر لديهم وأصبحوا مثل الكثير يهيمون وراء قياداتهم وشخصيات إعلامية ميكيافيلية.
    ولا أظنهم كذلك يعلمون بصلة القرابة بين الأوغوز (الأتراك السلاجقة) وبين الخزر (الأشكيناز الصهاينة). وذلك ما يفسر العلاقات الاقتصادية والسياسية على أعلى مستوى بين كل بلدان الترك (تركيا، كازاخستان، أذربيجان، أوزبكستان، تركمانستان، الإيغور، قرغيزستان، منغوليا) وبين الكيان الصهيوني (الدولة الخزرية الجديدة).
    هذا لا يعني بالطبع أن كل الأتراك والترك يؤمنون بتلك الفكرة الطورانية وبالقومية التركية. لكن من يمسك سياستهم واقتصادهم يفعل.