-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حب الفهم وحبة الفهامة

عمار يزلي
  • 880
  • 1
حب الفهم وحبة الفهامة
ح.م

العالم يسير بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.. نحن في الواقع أمام تسارع حركية وديناميكية الفكر والعقل، وبالتالي “الفهم”، ذلك أننا قد دخلنا بداية من القرن الواحد والعشرين، ضمن وتيرة لم يعرف لها التاريخ مثيلا في السرعة والتسارع. هذا السراع، يشمل كل المنظومات ويؤثر وتتأثر بها كل الفضاءات بدءاً من الفرد وانتهاء بالدول وأنماط الفكر والسلوكيات، خاصة لدى الشعوب التابعة المقلدة غير المنتجة وغير الفاعلة!

الانتشار المتسارع للوسائط المتعدِّدة خلال فترة قياسية، بالنظر إلى “تاريخية” هذا “السراع”، خلق نوعا من اللاشعور بالزمن واللا توافق، بين منظومة الفكر التقليدي والمنظومة الجديدة التي تتشكل في وعي الجيل الجديد من شباب القرن الواحد والعشرين:

الفكر والوعي والثقافة والمثقف، هي مُنتَجاتٌ تاريخية، يشكلها الزمن والمكان، أي الفضاء الإنساني، بيد أن “السراع” الرهيب الذي يشهده العالم خلال الفترة الزمنية القصيرة الأخيرة، من شأنه أن يجعل المثقف التقليدي المرتبط ذهنيا بسرعة الحراك التاريخي، مثقفا تقليديا، لا يتماشى مع سرعة العصر، ليس لأنه يرفض أن يسابق الزمن وأن يتماشى مع الواقع من خلال عملية تحيين ينبغي أن لا تتعثر ولو للحظة، ولكن لأنه  قد لا يستطيع دائما أن يكون على نفس وتيرة سرعة هذا التحول وهذا التطور المخيف!

هذا ما يمكن أن نصفه بعدم “القابلية للتماهي مع اللحظة” السبب في ذلك يخضع لطبيعة التركيبة البنيوية لذهنية المثقف نفسه ناهيك عن ذهنية أي مواطن عادي متعلما كان أو دون ذلك؛ فالمثقف ليس نموذجا نمطيا، وعلى هذا الأساس، نلاحظ أن المثقفين مهما كانت صفاتهم ودرجاتهم العلمية وتخصصاتهم، ليسوا مبرمجين دائما على نفس معدل سرعة التطور والتغير والمواكبة.. لكن مع ذلك، فلن يكون بإمكان مثقف الجيل الأول أن يفكر أو أن يتصرف أو أن ينظر إلى الأمور والأشياء ويتعامل معها بنفس الطريقة التي يراها ويتعامل معها مثقف الجيل الثاني: إذن، نحن أمام معادلة من مجهولين أو أكثر، الجيل والزمن، غير أن المشكلة تكمن في أن “زمن الجيل الأول”، ليس هو “زمن الجيل الثاني”، كما أنَّ زمن الجيل الثاني ليس هو زمن الجيل الذي يليه، وهكذا!

بالنظر إلى ما قلت، ونظراً لأنَّ سرعة الزمن في تسارع مضطرد، وأن الزمن يسير بوتيرة نكاد معها لا نعرف للزمن معنى. نلاحظ ذلك من خلال عبارات: “راني مقلق”، “ماعنديش الوقت” وأيضا من خلال سلوكيات انفعالية: نرفزة، السير بسرعة والقيادة بشكل جنوني من دون داع، إنكار الأشياء وهي موجودة مثل حالة كورونا، التظاهر بالفهم في كل الأشياء من الرياضة إلى الدين إلى السياسة إلى الطب.. مما تنجر عنه مواقف معارضة أحيانا مهما فعلت الدولة لأجل المواطن فهو لا يرضى بغير ما يراه ولو كان على خطأ.. يسحب هذا على النقاش الحالي حول الاستفتاء على الدستور مثلا وما قبله في لحظة الفارقة بين الماضي والحاضر والجديد..

صحيحٌ أنَّنا الآن كمثقفين أمام عصر افتراضي، وبالتالي فنحن أمام نشوء وتكوُّن كيانات جديدة افتراضية لا تخضع لمقاسات وقواطع الكيانات التقليدية. هناك تقاطعاتٌ مذهلة ومتعددة ومتشعبة، تجعل السياسي التقليدي لا يفهم ما يفهمه الآخر من الجيل الجديد، فما يراه المثقف، وما يراه السياسي، أيضا، لا يراه بالضرورة الشاب، أيا كان مستواه العلمي، وبالتالي، فليس الأمر في طبيعة اللون الذي نراه وإنما طبيعة الطريقة والكيفية التي نرى بها هذا اللون أو ذاك!

 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مجرد راي

    للاسف معلومات مدسوسة داخل مقال يتكلم عن سرعة الزمن و غياب البركة منه هي أن المواطن متطلب كثيرا و كأن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو المجد. لا داعي لاغلاط الرأي فالمثقف الذي تتحدثون عنه قد يكون عالما أو خبيرا في تكنولوجيات العصر الحالي و هو من الجيل السابق، مهما تطورنا فدستورنا الإسلام الصالح لكل مكان و زمان فلا داعي لضرب الهوية بحجة السرعة فالاهداف السامية تبقى دوما الاهداف بعيدة المدى و الدين، العلاقة مع الإله و الأصالة هي الثوابت التي تحرك اللعبة في زمن المتغيرات