-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا نغرق في الدَّوامة السياسية

حتى لا نغرق في الدَّوامة السياسية
ح.م

المُشكلة التي نعيشها اليوم هي أن مشروع البناء الوطني في حاجة إلى بلورة أكثر وإلى توضيح، وإلى أن يَخرُجَ في أقرب الأوقات من المرحلة الرَّمادية التي هو فيها. لقد تم وضع بعض اللَّبِنات في المجال السياسي، ويبدو أن خارطة الطريق في هذا المجال تكاد تكون واضحة، اتفقنا أو اختلفنا معها. إلا أنّ الضبابية في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي مازالت هي سيدة الموقف.

بكل تأكيد، الظرف الذي يمرّ به العالم وتَمُرّ به البلاد لا يسهِّل الشروع في طرح وتنفيذ مشروع اقتصادي واجتماعي خوفا من عدم القدرة على الالتزام، إلا أن هذا لا يمنع من خلق ديناميكية نقاش حوله بدل ديناميكية النقاش السياسي التي استنفدت جدواها، ويبدو أنها لم تعد تستطيع الإسهام في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

لقد أصبح من الضروري اليوم، الانتقال إلى مستوى آخر من التفكير. إنه مستوى المشروع الاقتصادي والاجتماعي. ويُمكن لهذا المستوى أن يستقطب الكفاءات الوطنية ويَفتح باب الأمل للكثير من الفئات، كما يُمكِنه أن يوضِّح الخيارات الاقتصادية للبلاد في المستقبل المباشر، ويوضح تحالفاتها المستقبلية على هذ الصعيد، بل سيكون له تأثيرٌ واضح على الجانب السياسي.

إن مثل هذا المنحى سيُخرجنا تدريجيا من حالة التشبُّع في مجال النقاش السياسي، إذ انكفأ كلٌّ على نفسه وأَصَرَّ على موقفه إصرارا، وبدا وكأنه غير قابل للاتفاق مع الآخر، بل إن مثل هذا التوجُّه سيؤدي إلى تغيير الرهانات بدل الغرق في متاهة التحدِّيات السياسية وانغلاق كل طرف على نفسه وضمن أفكاره، متحدِّيا وأحيانا مُصارعا الآخر بلا جدوى.

 لقد أثبتت تجارب دول عدة، على خلاف الشائع، أن التوافقات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية مُمكِنة حتى وإن كانت هناك اختلافاتٌ في الطروحات السياسية، بل إن مثل هذه التوافقات قادرة على امتصاص وتجميد الخلافات السياسية ما دام الأمر يتعلَّق بحل مسألتين أساسيتين: العوز الاقتصادي والأمن الأمني اللذين يعودان بالفائدة والخير على للجميع، خاصة في مجالي إعادة توزيع الثروة بعدالة وتحصين الأمن الوطني. تماما مثلما يقع للأمّ والشعوب في حالات الأزمة الاقتصادية الحادة أو حالة الحرب؛ إذ يسارع المتخاصمون في الداخل إلى تجميد خلافاتهم للتصدِّي إلى ما هو أخطر: الجوع والخوف.

ولعلَّنا اليوم نعيش هذه الوضعية.

إنَّه من باب الوطنية أن نُفكِّر في كيفية تعزيز أمننا الاقتصادي وأمننا الأمني قبل أن نفتح النقاش حول ما نختلف فيه بشأن الأجندة السياسية. ذلك أن هناك الكثير من الفئات الشعبية اليومية هي على حافة الانهيار، كما أن التهديدات الخارجية ما فتئت تزداد.. بل إنه بالإمكان الإبقاء على الأجندة السياسية كما هي مطروحة الآن وتجميد النقاش بشأنها، شريطة الانطلاق في بناء توافقات اقتصادية واجتماعية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة وتمكين الناس من العيش الكريم عبر حلِّ الكثير من الإشكالات العالقة في مجالات حيوية، كالشغل والغذاء والسكن والصحة والتعليم…

أقول هذا لأني أتصوَّر أن الغرق في الدوامة السياسية وفي محاولة ليِّ ذراع هذا الطرف لذاك، من شأنه أن يزيد الأوضاع الهشة سوءاً، مما سيُفاقم من حدة الصراع ويُغذّي عدم الاتفاق أكثر، في حين أن الإسراع ببلورة وتنفيذ المشروع الاقتصادي والاجتماعي والتركيز عليه، من شأنه أن يَحُلَّ عدة إشكالات لها علاقة بالعدالة الاجتماعية والشعور بالظلم واللاّمساواة، ويمنع الانتقال إلى درجات أعلى من القنوط واليأس، عادة ما تُغذِّي الحالة الانفجارية للوضع السياسي.

لِنسارع إذن إلى نَقْلِ النقاش من الحلبة السياسية إلى الحلبة الاقتصادية الاجتماعية، وبلا شك سيجد الجميع مُتَنفَّسا، وتبدأ حالة الاحتقان في الزوال مع كل خطوة نتقدم فيها في هذا المجال، إلى أن تَطمئن الأنفس على أمنها الاقتصادي والاجتماعي والأمني وتستعيد اطمئناناها النفسي، وبعدها من السهل العودة إلى ورشة الإصلاح السياسي والإصلاح العميق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بريش عيسى

    نعم؛ كلام صواب و في محله في هذا الظرف الذي لا نحسد عليه، بالعكس هناك أطراف خارجية تنتظر الفرصة للتدخل و لي الذراع باعاز من بني جلدتنا. هنا يتوجب بل يتحتم علينا كوطنيين أن نفوت الفرصة على المتكالبين و ذلك بلم الشمل بعيدا عن المساومات التي لا تخدم سوى الانتهازيين.

  • لزهر

    الدوامة السياسية هي العمل الفوضوي
    خلط الأوراق و تداخل المشاريع في بعضها البعض و الفساد و في ظروف مرضية مزرية زاد من حدة الأزمة الأقتصادية.
    إعادة ترتيب هذه الأوراق و المشاريع و تنظيمها و تطهيرها من أيدي فاسدة تسهل عملية الأقلاع الأقتصادي.
    و كثرة المشاريع في بعض الأحيان لا تأتي بنتيجة.
    من المستحسن الأقلاع بثلاثة مشاريع كبرى على المدى الطويل عوض الأقلاع بمشاريع عدة مبعثرة هنا وهناك و يصعب التحكم فيها
    التعليم و الرعاية الصحية و الغذاء و السكن من المشاريع التي يجب الأقلاع بها مرة أخرى لضمان العيش الكريم للمواطن .
    و أقترح جهاز أمن جديد من خبراء يقوم بمراقبة وتنظيم هذه المشاريع

  • خالد

    لم تتح فرصة ثمينة لبلد مثل بلدنا أكثر من 1000 مليار دولار و خيرات لا تعد و لا تحصى تحت الأرض و فوق الأرض ..أراض شاسعة تكفينا للزراعة و للصناعة و للسكن و للسياحة و للمرح و طاقة شبانية هائلة و كفاءات عالية في كل التخصصات و لكن اقتصادنا لم يقلع !!! ما الأمر الذي تغير الآن حتى ننجح فيما خسرناه بالأمس !؟ حتى و إن انتقلنا بالنقاش يا أستاذ إلى الاقتصاد علينا أن نبدأ من البداية أي لماذا خسرنا رغم أننا نملك كل شيء !؟ سؤال يعيدنا رغما عنا إلى السياسة.