-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا ينتقم التعليم من السياسة مرة أخرى!

حتى لا ينتقم التعليم من السياسة مرة أخرى!
ح.م

التعليم خَرَّبَتْهُ السياسة فانتقم منها. واليوم مازالت غير مُبالية به وسَينتقم منها أكثر إذا لم تَستقم.

مَا مِن شك في أن الجيل الذي ينتفض ضد السلطة حاليا هو ذلك الذي أهملته ذات السلطة عقوداً من الزمن. لم تعتن بمُعلِّمَه ولا ببرامجه ولا بما ستكون عليه تربيتُه بعد حين. كان التلميذ والمعلم هما آخر ما تُفكِّر فيه… فأصبح دعم السلطة والوقوف إلى جانبها هو آخر ما يُفكِّر فيه أيضا بعد حين، ومَن زَرَعَ حَصَد.

يذكرون أن الذي أعاد الرئيس الماليزي “محمد مهاتير” إلى السلطة وعمره 93 عاما، بعد أن تركها طواعية وجاء المفسدون بعده، هو ذلك الجيل الذي اعتنى به تعليمًا وتربيةً عندما كان رئيسا للوزراء أزيد من 20 سنة. كبر ذلك الجيل ورَدَّ الجميل إلى من اعتنى به (كان مهاتير وزيرا للتعليم)… وعلينا أن نَذكر أن الجيل الذي خرج طاردا السلطة السابقة من الحكم عندنا هو ذلك الذي تلاعبت به تلك السلطة ولم تُحسِن تكوينه وتربيته لمدة زادت عن العشرين سنة، وكما تدين تدان.

المعادلة هي هكذا ببساطة: لن تحميك الدساتير المُعدَّلة، ولا القوانين المضبوطة على المقاس، ولا القوة المهيأة لحالات الطوارئ، ولا الأموال المخزَّنة في بنوك الداخل والخارج، ولا الحاشية الخاضعة والخانعة، ولا القوى السياسية الداخلية والخارجية الدولية المؤيِّدة… إنما يحميك بعد الله تعالى، أمرٌ واحد، لا تخشى عواقبه مهما اشتدت الظروف والمِحن: جيل تُربِّيه وتُحسِن تربيته، وتعتني به فتُحسِن الاعتناء.

هل ما نراه اليوم يسير في هذا الاتجاه؟ هل كانت أولى أولوياتنا هي التلميذ والمعلم والمدرسة؟ أم اتجهنا وجهة أخرى؟
هل شرعنا في استباق المشكلات والمِحن، بمعلم وتلميذ نولِهما كل العناية، أم بمعلم وتلميذ يعيشان كل المحن؟
لنرى الصورة ونستشف من خلالها المستقبل:

المشهد الأول: أجر المعلم أدنى حتى من أجر العامل اليومي غير المؤهَّل (أقل من 1200 دينار في اليوم)، ساعات عمل ضاغطة (30 ساعة 8 مواد + 3 نشاطات)، ومذكرات تتبدل بتبدل الوزراء، وأعمال مكمِّلة تبدأ من توفير حصص الدعم الرسمية (دون تلقي أجرها في الغالب) وحراسة في ساحات اللعب، والإشراف على الإطعام (دون الحق قانونا في مشاركة التلاميذ الطعام)، وتنتهي بمرافقة صغارهم عند الحاجة حتى إلى دورات المياه!

المشهد الثاني: برامج تكوينية مليئة بالأخطاء، مقاربات تعليمية لا يفهمها حتى المفتشون، منشآت متآكلة تحت مسؤولية بلدية لم تُنقِذ نفسها، طموح وهمي نحو الرقمنة، حلم غير قابل للتحقق في الحصول على سكن، وأخيرا أولياء لا ترضيهم سوى العلامة الكاملة…

هل هذان المشهدان أولى بالمعالجة، أم الحديث عن الإصلاح السياسي والانتخابات القادمة وتوزيع الكوطات وإرضاء المعارضة أو زيد أو عبيد؟

يبدو بحق، أننا في حاجة إلى مراجعة الأولويات.. إذا كُنَّا بالفعل لا نريد للتعليم أن ينتقم من السياسة مرة أخرى. ونريد للأمل أن يعود من حيث ينبغي أن يعود: المدرسة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابن الجبل

    بل نقلب العبارة ،ونقول: حتى لا تنتقم السياسة من التعليم ، فمهما كانت السياسات السابقة في التعليم الا أن الجيل الحالي ليس جيلنا . فنحن مازلنا نستعمل القلم والورقة ... أما هذا الجيل هو جيل " الفيسبوك " مايقع في أي بقعة من العالم يعلم به في حينه ... اذن لا بد أن يحكم هذا الجيل نفسه بنفسه ، ولا يمكن ارغامه على اتباع سياستنا وبرامجنا التي فشلت خلال ستة عقود من الزمن ... هذا هو المنطق أحببنا أم كرهنا !!!!

  • محمد

    نقول بمنطقتنا"صافو بغى يسلم على ولده اعماه"لا تكفي النوايا الحسنة لتصحيح الأوضاع في التعليم عندنا.صحيح أن الدولة وحتى المجتمع أهمل التعليم عموما والمدرسة خصوصا حتى أصبح المعلم متخلفا علميا وحضاريا بل مكن إهمال المنظومة التربوية من جعل الفكر عدوا لكل من يبتغي حياة الرفاهية.لكن الذي أضر أكثر بهذا القطاع هم أولئك الذين يفتون في ميدان يجهلون كنهه فيطعنون في قواعده وأسسه مما سمح لكل مفتر أن يدلو بدلوه دون وعي بما تفرضه القوانين الكونية لبناء مجتمع راسخ لا تهزه الكوارث والهزات الاجتماعية.صحيح أن المفتشين أصبحوا لا يتقنون ما تقرره التعليمات لأن التكوين الأساسي اللازم للمعلمين تخلت عنه وزارة التربية