حرروا الفكر لينتهي مشكل المهر!

نشر في صفحة فايسبوكية صورة – مصممة خصيصا لمضمونها الساخر- جاء فيها : ” يا معشر الشباب العربي تعالوا إلى الجزائر ففيها بنات لا يطلبن سوى الهنا ” ثم ذيل العبارة باسم مسيلمة الكذاب!

إشارة واضحة لما بات يؤرّق ملايين الشباب ويقض مضاجعهم، فليس من السهل أن يصبح إكمال نصف الدين في أوانه المناسب فقط لمن استطاع إليه سبيلا، بينما يقضي من لا يستطيع إليه سبيلا سنوات من عمره في دوامة من التيه واللااستقرار، تارة تنازعه نفسه اليائسة إلى رهان الحرقة  للوصول إلى فردوس الضفة الأخرى، والظفر بحسناء شقراء بلا عناء، وطورا  يعود إلى واقعه المؤسف فتندلع في نفسه ثورات النقمة، ويستغل أي فضاء بمناسبة أو بدونها ليعلن حربا ضروسا على نساء بلده، محملا إياهن أوزار كل مشاكل الوطن من بطالة وعنوسة وتردّي أخلاق النشء وهلم جرا ..

عندما نخوض في أي مشكل اِجتماعي وجب علينا أن ندرسه بعمق، وننظر في أسبابه بموضوعية لنعرف كيف نقارب بين مختلف الرؤى ونصل إلى العلاج الجذري المناسب، و ظاهرة ارتفاع تكاليف الزواج في مجتمعنا واحدة من المسائل الشائكة المحفوفة بثقل التقاليد من جهة وإملاءات العصر من جهة أخرى، لذلك نجدها رغم كل الأصوات الداعية لتسقيف المهور وتقليص الشروط والمتطلبات، ورغم التهويل و نواقيس الخطر التي تدق حول مشكلة ارتفاع عدد العزاب من الجنسين ممن بلغوا سن الزواج المناسبة وتجاوزوها. مازالت تتفاقم وتظهر في كل مرة ببدعة جديدة في عصر طغت فيه المظاهر والشكليات.

فلو نظرنا إلى طبيعة الزيجات في بلادنا سنجدها مازالت تتجاذبها العادات والتقاليد في الكثير من التفاصيل التي يعتبر تجاهلها تعدٍّ على الأصول، ومساس بالإرث المعنوي للأجداد خصوصا في بعض المناطق من الوطن. وفي الوقت ذاته يفرض العصر نفسه بسلاسة فتتسلل بدع أخرى يستحدثها الأثرياء في البداية، قبل أن تتحوّل بمرور الزمن إلى سنّة عصرية مؤكدة يتبعها الكثير من الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية حتى لو لجؤوا لاستلاف الأموال من غيرهم في سبيل تطبيقها.

ومن تلك الفتاة التي مازالت تفتخر بقيمة مهرها، وعدد الهدايا التي تحصلت عليها من خطيبها سوى ابنة تلك البيئة التي مازالت تفرض على العروس استعراض جهازها أمام الحاضرين، وعلى أساسه يتم تقييمها، وربّما تتعرض بسببه للمعايرات فيما بعد !

 وهي نفسها ابنة البيئة التي يجتمع فيها ولي أمر الفتاة مع رجال من أهل العريس لتحديد المهر وبقية الشروط ولا كلمة لها بعد كلمة الجماعة، وهي خطيبة ذلك الشاب الذي لن يحيي حفل زواجه دون مأدبة مكلفة وموكب سيارات وفرقة غنائية حتى لو كانت إنشادية بالمدائح إلا من رحم ربّك!

وهي واحدة من مجتمع يعيش فيه الفرد بذهنية التبعية للغير فيما يجب فيه الاستقلالية، فكيف نلوم الفتاة وهي الحلقة الأضعف في سلسلة المستهلكين للموروثات أو المتبعين لبدع العصر؛ التي لا طائل يرجى منها غالبا سوى التفاخر والسير مع التيار !؟

مسألة المهر فصل فيها القرآن الكريم في قوله تعالى { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } سورة النساء (20)  وهي الآية التي استدل بها الفقهاء على أنّ المهر في شريعة الإسلام لا يحدد بقيمة معينة، إنما هو اتفاق بين الرجل وولي أمر خطيبته أو بينه وبين خطيبته، حسب مقدرته المالية، أما بقية الشروط فهي إما سنن غير ملزمة أو مبتدعات تقليدية أو عصرية لا وجود لها في التشريع الإلهي.

المشكل إذن لا يكمن في الفتاة أو في الشاب، وتبادل التهم المبتورة من سياقها الزمني، والمتجاهلة لأسبابها المختلفة، ما هو سوى ضرب في حديد بارد، لأن القضية تتعلق بالفكر الجمعي الذي تستهلكه وتعيد إنتاجه نسبة كبيرة من الناس، أما القلة التي تتميز بالشجاعة المطلوبة، والاستقلالية المشروعة وتتحرّر من القيود والأعراف الاجتماعية الاعتباطية، فغالبا ما تتعرض للنقد اللاذع والاستهجان من طرف الغير.