-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرية التعبير.. والمكيال المزدوج

سلطان بركاني
  • 1011
  • 0
حرية التعبير.. والمكيال المزدوج
أرشيف
الرئيس الفرنسي

لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تضجّ، وقلوب المسلمين في العالم تغلي، بسبب إصرار “السفيهة” الفرنسية المدلّلة “شارلي إيبدو” على تكرار الإساءة إلى خليل الرّحمن وحبيب المؤمنين محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ولا يزال النّظام الفرنسيّ ممثّلا في رئيسه ماكرون مصرًّا على شدّ عضد سفهاء الصحيفة الساقطة ليرفعوا من منسوب جرأتهم وتفاهاتهم التي ينشرونها في حقّ خاتم الأنبياء عليه الصّلاة والسّلام، بذريعة حرية التعبير.

لا يزال عقلاء العالم من جهتهم يشجبون الإصرار الفرنسيّ على الدّفاع عن السفاهة والسّفالة، وعلى الكيل بمكيالين في قضية حرية التعبير؛ حيث استغربوا أن يدافع الرئيس الفرنسيّ عن حرية التعبير ويزعم بأنْ لا سقف لها، عندما يتعلّق الأمر بنيّ الإسلام، بينما تتحوّل هذه الحرية إلى سبب للامتعاض والغضب وربّما تستوجب العقاب، عندما يتعلّق الأمر بمصلحة البلد، وفي هذا الصّدد تداول النّاشطون في الأيام الماضية مقطعا يظهر فيه الرئيس الفرنسيّ “إيمانويل ماكرون” وهو يوبّخ صحفيا فرنسيا يكتب لصالح صحيفة “لوفيغارو”، بعد أن نشر الأخير خبرا يتعلّق بلقاءٍ جمع الرئيس الفرنسيّ برئيس الكتلة البرلمانية لحزب الله “محمّد رعد”، خلال زيارة ماكرون إلى لبنان مطلع سبتمبر الماضي، وكان لافتا كيف أنّ عراب حرية التعبير “ماكرون” يتكلّم بكلّ حدّة ويصرخ في وجه الصحفيّ قائلا: “نشرُ الخبر يعتبر لا مبالاة بحساسية الموضوع، وعدم مسؤولية تجاه فرنسا والسياسيين اللبنانيين، كما أنه يتعارض مع أخلاق العمل الصحفي”، بل بلغ الأمر بماكرون أن قال مخاطبا صحفيِي “لوفيغارو”: “أحدّثكم بصراحة، ما فعلتموه خطير وغير مهني ووضيع”.

إذا كان هذا “الماكرون” يرى أنّ نقل خبر اجتماعٍ -انعقد فعلا- قد يكون وضاعة عندما لا يكون في مصلحة بلاده، فإنّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يؤمنون بأنّ تجسيد حبيبهم المصطفى –صلّى الله عليه وسلّم- في رسوم كاذبة خاطئة تنافي تمام المنافاة سيرته العطرة، يعدّ وضاعة وسفالة، تستدعي التوبيخ وإيقاع العقوبة المناسبة، والمسلمون لا يدافعون عن خاتم الأنبياء وحده، بل يدافعون عن الأنبياء جميعا، ويرفضون أيّ تجسيد لهم، فضلا عن الإساءة إليهم بالشّكل الذي يفعله سفهاء الصّحيفة الملحدة “شارلي إيبدو”، بل ويرفضون السفاهة في حقّ أديانٍ يؤمنون بأنّ جلّ ما فيها محرّف وليس من عند الله.

ماكرون وغيره من المدافعين عن السفالة وحرية السفاهة يعلمون جيّدا أنّه لا توجد في هذا العالم كلّه حرية تعبير مطلقة من دون سقف؛ فهناك خطوط حمراء ترسم للصحفيين والكتّاب والإعلاميين في أعرق ديمقراطيات العالم، وهناك قوانين تعاقب على النشر في قضايا معيّنة تمسّ بمصالح البلدان وبأمنها واستقرارها، بل إنّ كثيرا من دول العالم التي تتغنى بالديمقراطية، تعاقب على النشر في قضايا هي في أحسن أحوالها محلّ شكّ وجدل، مثل قضية الهولوكوست وأفران الغاز التي أصبح التشكيك في الرواية اليهودية لها معاداة للسامية وجريمة تستحقّ العقاب! في كثير من الدول الغربية التي تتغنى بحرية التعبير وتدافع عن سفاهات بعض الكتّاب والرسامين عندما يتعلّق الأمر بالإسلام وبالأنبياء، في الوقت الذي تخنق فيه أصوات بعض المؤرخين والباحثين الذين ينادون بالفصل بين الحقيقة والأسطورة في قضية مثل قضية الهولوكوست.

فرنسا التي أخذت رئيسَها العزّةُ بإثم الإساءة إلى خاتم الأنبياء وجعَل الدفاع عن السفاهة أمّ قضاياه في حملته الانتخابية المسبقة، كانت من أوائل الدول التي تحمّست لتجريم التشكيك في الهولوكوست، وسنّت لهذا الغرض قانون “غيسو” في العام 1990م، وبموجبه حوكم الكاتب الفرنسي “روجيه جارودي” في العام 1998م، بتهمة معاداة السامية! هذه التّهمة التي يجري الآن تعميمها لتتحوّل إلى تهمة تسمّى “معاداة إسرائيل”، توجّه إلى كلّ من يستنكر سياسة الكيان الصهيونيّ في الأرض المحتلّة وفي كلّ العالم! وكلّ متابع لتدرّج موقع فايسبوك في خطوطه الحمراء يدرك أنّ الأمور تتّجه في هذا المنحى!

في مقابل هذا، نرى أنّ دول العالم الغربيّ، وحتى دول العالم الإسلاميّ! لا تبدي أيّ اهتمام لتفعيل قرار الأمم المتّحدة رقم 224/ 65 المتعلّق بـ”مناهضة تشويه صورة الأديان” الذي صدر عن الدورة 65 للجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 11 أفريل 2011م، خاصة التوصية 16 منه التي “تحث جميع الدول على القيام، في إطار نظمها القانونية والدستورية، بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحط من شأن الأديان وعن التحريض على الكراهية الدينية عموما”!

إنّه لأمر مؤسف للغاية، أن يُلجَم حكّام الدّول العربية والإسلاميّة عن الردّ على الرّئيس الفرنسيّ ماكرون، وعن شجب استماتته في الدفاع عن سفالة “شارلي إيبدو” وإذنه ببثّ رسوماتها التافهة على البنايات وفي الصّحف والمجلاّت، في الوقت الذي أبدى كثير من عقلاء العالم الغربيّ امتعاضهم بل وإدانتهم لتمادي الصحيفة سيّئة الذّكر في سفاهتها، واستهجانهم لسياسة الكيل بمكيالين التي يصرّ عليها كثير من السّاسة والزّعماء الغربيين؛ فهذا مثلا وزير الخارجية الفنلنديّ “بيكا هافيستو” يقول: “لم أعد أفهم أيّ شيء؛ عندما نسخر من السّود نسمّي ذلك عنصرية، وعندما نسخر من اليهود نسمّي ذلك معاداة السامية، وعندما نسخر من النّساء نسمّي ذلك ظلما للمرأة. لكن عندما نسخر من المسلمين نسمّي ذلك حرية تعبير!”.. هذه الكلمات يفترض أن تكون محرجة لمسؤولي الدّول العربية والإسلاميّة الذين صمتوا صمت القبور، باستثناء تركيا المسلمة التي ردّ رئيسها بقوة على ماكرون وجعل الأخير يستدعي سفيره لدى أنقرة للتّشاور!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!