-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“حرّاقة” برّ جو بحر!

جمال لعلامي
  • 863
  • 0
“حرّاقة” برّ جو بحر!
أرشيف

العودة الملفتة والاستعراضية لظاهرة “الحراقة”، تستدعي توقفا طويلا وهادفا، من أجل وضع النقاط على الحروف، وقراءة الموضوع قراءة صحيحة، بلا لفّ ولا دوران، ومن غير استخدام الممحاة والقلم الماسح، ولعلّ أخطر ما في الحكاية، أن “الحراقة” يكاد يتحوّل من الظاهرة إلى العدوى إلى الوباء، وهو ما تبيّنه مشاهد ركوب نساء وأطفال في قوارب الموت من عدّة ولايات ساحلية، أمام صمت رسمي مريب، ربما لأن الحكومة لم تعثر بعد على مفتاح الحل!
تأجيل الحلول أو اختفاؤها أو غيابها، يدفع متشائمين إلى الاعتقاد بأن الوزراء “الحراقة”، و”النواب” الحراقة”، والولاة “الحراقة”، والأميار “الحراقة”، والمستثمرين “الحراقة”، هم أحد الأسباب المباشرة في تنامي قوافل الشباب والشيّاب، من الرجال والنساء “الحراقة”!
نعم، لا يجب دسّ المشاكل الاجتماعية والمهنية والاقتصادية والأسرية، ولا يمكن التغطية على “الحقرة” في الإدارات وسوء التعامل من المواطنين في أكثر من جهة، كما لا ينبغي أيضا التستّر على سوء العلاقات داخل الأسرة، وتلاشي القيّم ومفاهيم الأخلاق، وكلّ هذه العوامل، أنتجت منذ عدّة سنوات، “اختراعا” جديدا سميّ “الحرقة” التي ترفع يافطة “ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود”!
المجازفة بقوارب الموت في البحار، نحو إسبانيا أو إيطاليا، وغيرهما من الوجهات المفضلة لشبكات “تهريب المقنوطين”، لا تختلف كثيرا في معناها، عن التزاحم أمام قنصليات وسفارات أجنبية في طوابير الحصول على “الفيزا”، كما لا تتناقض في هدفها عما يسمى منذ القدم بهجرة الأدمغة و”فرار” الكوادر والكفاءات نحول ملذات يرون أنها آمنة لمستقبلهم المهني والشخصي!
لقد “خرس” كبار الدوار، وفشلت الحكومة، وفقد الأئمة ألسنتهم في القدرة على إقناع جيل جديد والتأثير على أفكاره وأهدافه بلغة دينية كانت تقول للشيء كن فيكون، كما أضحت وسائل الإعلام عاجزة عن توقيف النزيف بالتحسيس ونشر الأخبار المؤلمة والصادمة ومآسي المهاجرين في مراكز التجميع والترويع، ولم تفلح الوزارات والإدارات والمصانع في إعادة اليد العاملة الهاربة، والكفاءات “المطرودة” بالضغط والتهميش والتتفيه، في وقت تحوّلت الأسرة كذلك إلى عامل يشجّع على الهجرة بأيّ طريقة وبمختلف الوسائل من باب “بدّل المراح تستراح”، رغم أنها تعلم بأن “ما يحسّ بالجمرة غير الـّي كواتو”!
لن تتوقّف عدوى “الحراقة” ما لم يتم استعجال الدواء المناسب، ولن يكون ذلك إلاّ بتشخيص دقيق من طرف أطباء أكفاء، لا يعالجون التهاب الكولون بالأسبيرين، والحمى بالشيح والزعتر والدوّار بالضرو والفيجل، فلماذا لا يُبادر المعنيون سواء في الحكومة أم البرلمان أم المجالس “المخلية” بجلسات عمل، علّ وعسى تحدث المعجزة وتتوقف المأساة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!