-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حصاد عامٍ رحل

سلطان بركاني
  • 4215
  • 1
حصاد عامٍ رحل
الأرشيف

مع غروب شمس يوم الخميس الماضي، انقضت أيام شهر ذي الحجّة، ومع انقضائها رحل العام الثامن والثلاثون بعد الأربعمائة والألف، للهجرة.. رحل يحمل بين طياته مزيدا من المحن والنّكبات التي حلّت بالمسلمين وأمّة الإسلام.. هكذا أصبحنا في نهاية كلّ عام، نحصي نكباتنا التي تزداد عاما بعد عام.. أمّة الإسلام أصبحت تنزل في دركات الذلّ والهوان مع مرور الأعوام، بسبب رضا جُلّ قادتها وحكّامها بالدّون، وإخلاد أكثر أبنائها إلى الفانية ورضاهم بالحياة الدنيا من الباقية، وهي الحال التي حذّر منها الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما قال: “إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَة، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَر، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْع، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَاد، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ”.

خلال العام الذي رحل، تعاظمت محنة إخواننا المسلمين في فلسطين، حيث بدأت أجنحة المكر في الكيد لقطاع غزّة لأجل إخضاعه للعلمانيين والمخادنين، بعد أن عجز الحصار الجائر عن كسر إرادة أهله.. بدأت خيوط المؤامرة تتبدّى، وأخذت التهديدات تتصاعد والضّغوط تتوالى، على أهلينا هناك. ليس من المحتلّ الصّهيونيّ الغاصب فحسب، ولكن أيضا من بعض من يفترض أنّهم إخوان العقيدة واللّغة، ولا يستبعد أن نفجع في الأسابيع أو الأشهر القادمة، بأن تتوّج المؤامرة على قطاع غزّة بإعلانه “قطاعا متمرّدا”، ليتطوّع بعض العرب بعدها بإعلان الحرب عليه، بالتّزامن مع حملات الاعتقال والمتابعة التي تعلن في الضفّة الغربية على الشرّفاء والأحرار الذين يرابطون لحماية المسجد الأقصى من التّهويد.

في سوريا، وفي أواخر العام المنصرم، استقرّ قرار ما يسمّى “المجتمع الدوليّ” بعربه وعجمه، وبعد مناورات ومفاوضات ومسرحيات جرى تمثيلها أمام العالم؛ استقرّ رأيه على تسليم رقاب السوريين إلى جلاّدهم وجزّارهم الذي جرّب عليهم كافّة أنواع الأسلحة من البراميل المتفجّرة إلى الأسلحة الكيماوية، وتسبّب في قتل أكثر من 320 ألف وتهجير ما لا يقلّ عن 5 ملايين منهم، بدعم مباشر من الروس وتواطؤ ونفاق من الأمريكان.

ولا يختلف الأمر في العراق، حيث تفاقمت محنة إخواننا المسلمين هناك، بعد أن مُنح الضّوء الأخضر من طرف أمريكا وروسيا وبعض العرب لمليشيات إيران الصفويّة، لتُغِير وتزحف على مدن أهل السنّة، يؤزّها الحقد الطّائفيّ الأسود، لتُعيد العراق إلى الحضن الصّفويّ، ويتحوّل إلى حديقة خلفية لإيران.. المليشيات الطائفية تتحرّك الآن في ظلّ طيران التّحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتزحف على مناطق أهل السنّة، لتُعمل آلات القتل في العزّل والأبرياء، من الشّيوخ والأطفال والنّساء؛ لقد بَقر الطائفيون البطون وانتهكوا الحرمات وسفكوا الدماء، وهجّروا أهل السنّة من بيوتهم ودنّسوا بيوت الله وسوّوا كثيرا منها بالأرض.. وربّما لن تمرّ سوى أشهر معدودات حتّى يتحوّل عراق الحضارة، عراق الإباء، عراق صدّام، إلى بلد شيعيّ خالص، ويعيش أهل السنّة على ترابه ما يعيشه المسلمون الروهينجا في ميانمار (بورما).

في ميانمار، تفاقمت محنة أصحاب الأخدود خلال العام المنصرم، حيث ازداد الإرهاب البوذيّ المحميّ من طرف السّلطات العسكرية والمسكوت عنه من قبل العالم أجمع، وتعرّضت أقلية الروهينغا المسلمة إلى أبشع صنوف التقتيل والتقطيع والحرق، وازدادت عمليات التهجير، ليتحوّل المسلمون الروهينغا إلى لاجئين في دول الجوار، يكابدون الجوع والأمراض، ويُطردون من مكان إلى مكان، والله المستعان.. حتى قوافل المساعدات على شحّها وقلّتها، تتعرّض لهجمات متواصلة ومنظّمة من قبل العصابات البوذيّة التي يقودها الرّهبان البوذيون الذين لا يفكّر ولا ينوي ولا يجرؤ المجتمع الدوليّ على تصنيفهم ضمن قوائم الإرهاب!.

ليس هذا أكثر ما يدمي القلوب في محنة إخواننا المسلمين الروهينغا في ميانمار، إنّما المحزن أكثر أنّه وباستثناء دولتين أو ثلاث، فإنّ جلّ دول المسلمين تتغاضى عن هذه المأساة المروّعة، بل وتبخل عن بذل المساعدات الإنسانية لطرد شبح الجوع عن الجوعى، بل إنّ بعض دول المسلمين تبذل ملايين ومليارات الدولارات لأمريكا الصليبية الباغية كمساعدات وصفقات خاسرة، ولا تبذل أيّ شيء للمسلمين المنكوبين!.. وضعٌ تألّم له أحرار الأمّة، بل وتألّم له بعض الأطفال الأبرياء..

في الأيام القليلة الماضية، تناقلت بعض المواقع خبر أطفال سوريين أيتام مقيمين في تركيا، قرّروا التبرّع بمصروفهم لمسلمي الروهينغا في بورما. هؤلاء الأطفال السوريون الأيتام الذين فرّوا إلى تركيا من جحيم الحرب في بلادهم، لا يملكون من هذه الدّنيا قليلا ولا كثيرا، كيف وهم يعيشون تحت كفالة بعض الجمعيات الخيريّة، ومع ذلك قرّروا التبرّع بمصروفهم لصالح أطفال المسلمين في بورما.. وبعد جهد جهيد تمكّنوا من جمع 50 ليرة تركية، أي ما يعادل 1680 دينار جزائري. لكنْ يكفيهم أنّ هذا المبلغ القليل، هو عند الله صدقة وقربة يضاعف أجرها لهم ولوالديهم، في مقابل الأوزار التي ينالها بعض حكام المسلمين لقاء ملايين الدولارات التي بذلوها كمساعدات مجزلة لأمريكا في أعقاب الأعاصير المدمّرة التي حلّت ببعض ولاياتها أواخر العام الهجريّ المنصرم.. أعاصير لم تنفع معها وسائل التنبّؤ ولا التحصينات ولا التكنولوجيا المتطوّرة ولا الطائرات. ذكّرت كلّ من كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد بعظمة العليّ الكبير وقدرته على إهلاك الظّالمين في رمشة عين. ((وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُ  قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد)).

في أواخر العام الهجريّ المنصرم أيضا، شهدت أمّة الإسلام مرحلة جديدة من مراحل الحملة العلمانية التي بدأت منذ عقود على ثوابت الدين وعناصر الهوية في كثير من دول المسلمين، مرحلة جديدة تتّسم بالجرأة الواضحة والتحدّي السّافر والجهر بما كان العلمانيون قبل سنوات قليلة يُضمرونه ويستخفون به في مجالسهم الخاصّة.. هذه الحملة لم يكد يسلم منها بلد من البلدان العربيّة والإسلاميّة، في المغرب والجزائر وتونس ومصر والإمارات والبحرين، وحتى في السعودية.. بل إنّ الحملة العلمانية في السّعودية ربّما تكون أقوى وأكثر تركيزا، لتحويل بلاد الحرمين إلى دولة علمانية أو شبه علمانية يكون الدّين فيها شأنا شخصيا لا علاقة له بسياسة الدّولة ولا باقتصادها ولا بثقافتها. بل ربّما يراد للدّين أن يكون وسيلة لتبرير المواقف الخائنة والمتخاذلة، ولمَ لا إيجاد مبرّرات شرعية للتّحالف والتعاون مع الأعداء المحاربين.

لقد انتهى العام الهجريّ المنصرم، بنكبة حقيقية عاشتها الأمّة في بلاد الحرمين وعلى ثرى الأرض التي نزل فيها الوحي على خاتم النبيين.. فبعد أن بذلت الأموال والأعطيات والتّعويضات المجزلة لأمريكا، وبعد أن شُنّت حملة اعتقالات واسعة استهدفت الدّعاة والمصلحين، فُجعت الأمّة بقمّة تعاون إسلاميّ أمريكيّ عُقدت في أمريكا بعد تلك التي عقدت في بلاد الحرمين، وحضرها خطيب أهمّ منبر في العالم الإسلاميّ، منبر المسجد الحرام، ليشهد لأمريكا بأنّها تقود العالم، وبالتعاون مع السعودية، إلى مرافئ الأمن والسّلام والاستقرار والرّخاء!!!. أمريكا التي قتلت ما لا يقلّ عن 4 ملايين مسلم منذ العام 1991م، وأمدّت الصّهاينة على أرض فلسطين بشتى أنواع الأسلحة ودافعت عنهم في مجلس الأمن، وقدّمت العراق إلى إيران على طبق من ذهب، وها هي تمضي قدما لتضيف إليها سوريا.. أمريكا التي يصرّ قادتها هذه الأيام على أنّ الإرهاب هو وصف خاصّ بالمسلمين وحدهم؛ أمريكا هذه، يقول عنها خطيب المسجد الحرام إنّها تقود العالم إلى مرافئ السلم والأمان!.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • hamza

    و يبقى ربك ذو الجلال و الاكرام.