-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حيرة “عقلة الأصبع” الفرنسي

حبيب راشدين
  • 1884
  • 6
حيرة “عقلة الأصبع” الفرنسي
ح.م

الظاهر أن الضربات الموجعة التي تضامن في توجيهها الحَراكُ ومؤسستي الجيش والعدالة لبؤر “الاستيطان الفرنسي” بالدولة الجزائرية، وفي جزءٍ من المشهد السياسي والجمعوي والإعلامي، أنها باتت تؤتي أكلها، ويضيق بها صدر فرنسا التي لم يتردد رئيسها، على هامش “لقاء الخمسة زائد خمسة” في توصيف الوضع القائم بالجزائر على أنه “أزمة سياسية لا ينبغي أن نخفيها خلف أصبعنا” على حدِّ تعبيره، ولعله يعني الأزمة البنيوية التي نشأت مع الحَراك في مستقبل العلاقات بين الجزائر وفرنسا، ومصير الأذرع التي كانت توظَّف في تأمين المصالح الفرنسية، وتؤثر في مختلف القرارات السيادية: في الاقتصاد، والمال، والتعليم، والثقافة، وحتى في إدارة الرأي العام.

للأمانة وجب تفهُّم حسرة الرئيس الفرنسي وتقديره المحبِط للموقف، لأن نتائج الحَراك الشعبي قد جاءت حتى الآن بما لا تشتهيه سفن “فافا” وحزبُها العتيد، الذي كان قد أعاد الاستيطان والتموقع على هامش “المرحلة الانتقالية” بعد توقيف المسار الانتخابي في تسعينيات القرن الماضي، والتي سمحت له بإعادة انتشار أدوات النفوذ في كثير من مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الجيش، ونشوء إمبراطوريات “كامبرادورية” نافذة بدأت بمجمَّع الخليفة، ولم تكن لتتوقف عند ربراب، وحداد، وكونيناف، وطحكوت…

حتى صدور آخر خطاب لرئيس الأركان من بشار، وصدور فتوى المجلس الدستوري التي مرَّرت التمديد بيسر للمرحلة الانتقالية الدستورية، كان الموقف الفرنسي حذرا جدا، وقد امتنع الساسة الفرنسيون عن التعليق على الأحداث، خشية تفويت الفرصة على من يقاول بضراوة لمرحلةٍ انتقالية خارج الدستور، تضمن لأذرع حزب فرنسا ومشتقَّاته في المجتمع المدني والإعلامي فرصة إنقاذ ما يمكن إنقاذُه، وهي تعلم أن الذهاب إلى انتخابات رئاسية، ليس فيها نصيبٌ لموالاتها في الحزيبات العلمانية، سوف يمنح الفرصة لتصفية البؤر الاستيطانية الفرنسية في ما هو ـ في العرف الفرنسي ـ أهمّ من المال والأعمال، بتطهير مؤسسات الحكم من أعوانها الذين حّولوا الجزائر إلى أوّل بلد فرنكفوني بعد فرنسا بتمويل جزائري صرف.

ليس من السهل على فرنسا أن تتحمّل حصول مراجعة في المنظومة التعليمية تسمح غدا لـ”شيكسبير” بطرد “فولتير” من مدرّجات الجامعة، حتى وإن كان ما صدر عن وزارة التعليم العالي هو حتى الآن مجرّد بالون اختبار وجسّ لنبض الشارع، لكن الرسالة تكون قد استقبِلت بقدر من الجدية والاستنفار في قصر الإليزي، الذي يرى في المسار السياسي المفتوح اليوم في الجزائر تهديداتٍ قاتلة للنفوذ الفرنسي في حظيرتها الخلفية بالمغرب العربي، ومن ورائها لما بقي من لها من نفوذ في القارة السمراء، وتخشى أن يعيد التاريخُ ما نتج عن ثورة التحرير من هدم للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، قد حرمها من بناء علاقات نِدِّية مع الجزائر المستقلة إلى يومنا هذا.

ولنفس الأسباب ينبغي “تفهُّم” الهجمات المركزة على مؤسسة الجيش من قبل أذرع النفوذ الفرنسي في المشهد السياسي والجمعوي والإعلامي، لأنّ مؤسسة الجيش كانت قد أنهت عملية تطهير صفوفها من بقايا “دفعة لاكوست” وتحرير وحداتها من أعين جهاز الدولة العميقة بمديرية الأمن والاستعلامات المُحلة منذ 2015، ويأتي تحرير مؤسسة القضاء بحبل من الحَراك وحبل من مؤسسة الجيش، ليحوِّلها إلى منجل يحصد بالجملة رموز حزب فرنسا في واجهة السلطة، وفي مؤسَّسات الدولة، وفي الاقتصاد والمال، قد بدأ بالرؤوس بالمركز ويشي بمطاردةٍ قادمة لأذرع الإخطبوط على المستوى المحلي.

بهذا المعنى، يمكن إعادة قراءة التصريح الأخير لماكرون على أن “الوجود الفرنسي في الجزائر يعيش أزمة لا يمكن التستُّر عليها خلف الأصبع” وقد حوَّله الحَراك الجزائري إلى “عقلة الأصبع”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • محمد

    الإنشغال بالهوامش يصرف النظر عن حقيقة أهداف الحراك إن لم يثر الإنقسام في صفوف قواه .

  • hayar

    فافا راهي حايرة فالبخور و الجاوي في رئاسة الجمهورية
    و حايرة في لا شان الي ما يخلاصش في ابواب السفارة
    و حايرة فالدراهم الي تسرقوا و عاطوهملها هدية لانعاش اقتصادها
    و حايرة فالعباد الي يعبدوها و يضربوا عليها و على لغتها و ثقافتها قلب و رب
    و فافا راهي حايرة في عقلية ما نحبك ما نصبر عليك
    و راهي حايرة في بلاد قارة طاحت في يد البقارة الي دارو دارة و حلفوا على الجزائر ما يطلعلها علام
    و راهي حايرة فالمزطولين على العام ضرابين الشيتة بايعين شرفهم على دينار شيفونة
    حايرة في شعب جميل حاكمينوا المزاعيق
    و شعب سعيد حاكمينوا التعساء
    صافا ولا نزيدلك قوش دروات
    حتى انا راك محيرني

  • عبد الكريم السائحي

    مشكلة الجزائر و غيرها من الدول المحتلة بالوكالة هي عدم تمكينها من اختيار حكامها بحرية وإبقاء التسيير من وراء حجاب و بالتلفون مما يترتب عليه الاحساب واللاعقاب الذان هما جرثومة الفساد. إذا كان ما حدث بعدالانقلاب خيانة وعمالة لفرنسا فلماذا لا يحسب مخططوه و منفذوه

  • مواطن

    يجب أن لا ننشغل بتصريحات المسؤولين الفرنسيين فينتهي بهم الحال أن يفمهوا أن الأمر لا يخصهم و لا ينبغي أن يخصهم . يجب أن نركز على إصلاح حالنا و البداية تكون بانتخاب رئيس للجمهورية و مواصلة محاربة الفساد و المفسدين.

  • ياسين

    و الغريب هو هذا الاتفاق غير المرئي بين ما تتعرض له مؤسسة الجيش من حملات تشويه من طرف "رأس الأخطبوط "فرنسا" و من "أذرع الأخطبوط" "في الجزائر"؟؟؟؟ و الأغرب من ذلك أن جزء من الرأي العام سقط في "الفخ" و راح يردد ما تمليه مراصد الصراع الفكري ضد قيادة الجيش؟ و إن دل على شيء إنما يدل على الضعف الفكري الفظيع الذي يسيطر على غالبية الناس و خاصة من يدعون أنهم "عباقرة السياسة و التحليل"؟

  • صالح بوقدير

    الحراك يريد أن تكون الجزائر حرة مستقلة ارادتها نابعة من ذاتهالاتستظل بمظلة فرنسا ولا أمريكا ولا غيرهما ولا يهمة صراع الاجنحة في أعلى الهرم فأهدافه في غاية الوضوح وهو مصمم على تحقيقها وولايأبه بالصوارف