-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حين يتباكى ماكرون على الإسلام!

محمد بوالروايح
  • 1478
  • 4
حين يتباكى ماكرون على الإسلام!
ح.م

لم يكن إيمانويل ماكرون قبل اعتلائه كرسي الإليزيه شيئا مذكورا في ميزان السياسة، بل كان شخصية مغمورة على خلاف من سبقوه من رؤساء فرنسا المخضرمين الذين عايشوا الجمهورية الخامسة التي أسسها شارل ديغول واتخذوها فيما بعد مرجعية لهم في العمل السياسي.لا تختلف تجربة ماكرون السياسية القصيرة التي تقترب من العدمية عن تجربة سلفيه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي فهؤلاء مع مراعاة الفارق الزمني بينهم ينتميان إلى جيل سياسي متأخر مقارنة بسابقيهم.

لكن ما يميز ماكرون هو قدرته على الظهور والبروز على الساحة السياسية سريعا بفضل الشعبية العريضة التي اكتسبها بعد تأسيسه لحزب “الجمهورية إلى الأمام” الذي مكّنه من الارتقاء من القاعدة إلى القمة، من خريج المدرسة الوطنية للإدارة إلى رجل الإليزي الأول الذي يتطلع إلى عهدة رئاسية ثانية ليست مستبعدة بحسب استطلاعات الرأي، ولو أن بعض مناوئيه يرونها بعيدة في ظل الأزمات التي واجهها منذ البدايات الأولى لحكمه والتي اشتدَّت بعد اندلاع ما يسمى بانتفاضة أصحاب “السترات الصفراء”.

لقد مكن حزب “الجمهورية إلى الأمام” حديث النشأة ماكرون حديث العهد بالسياسة من الهيمنة على المشهد السياسي الفرنسي، ويرجع المحللون ذلك إلى أربعة أسباب رئيسة: أولها إعلان ماكرون في برنامجه الانتخابي القطيعة مع تقاليد العمل السياسي السابقة التي اعتبرها متجاوزة وغير صالحة لقيادة فرنسا في الألفية الثالثة، وثانيها إعلانه ما يمكن تسميته “الوسطية السياسية” التي لا تدور في فلك اليمين ولا اليسار، وثالثها اعتماده على الفئة الشبابية التي لها بالتأكيد توجهات وقناعات بعيدة كل البعد عما كان متداولا من قبل الحرس السياسي القديم، ورابعها طبيعة الفكر السياسي الانفتاحي لماكرون وخاصة على الثقافات والقناعات الدينية للجاليات الذي مكّنه من كسب ثقة هذه الأخيرة التي كان لها دور بارز في فوزه في الانتخابات الرئاسية.

لم يكن تصويت الجاليات الإسلامية على وجه الخصوص لصالح ماكرون في انتخابات الرئاسة مبنيا على أسس إيديولوجية بل على أساس المواطنة ومبدأ احترام قيم الجمهورية التي منها احترام ثقافة الآخر وعقيدة الآخر، وهو ما التزم ماكرون بتحقيقه بحذافيره من أجل الحفاظ –كما قال- على النسيج المجتمعي وعلى الطابع الجهوري والديمقراطي لفرنسا الذي وضعته الثورة الفرنسية وسار على منواله شارل ديغول ومن جاء بعده من القادة الجمهوريين الذين اتخذ منهم ماكرون قدوة تاريخية مع اختلافه معهم في وسائل تحقيق القيم الجمهورية بانتهاج وسيلة التغيير والتجديد السياسي.

إن معرفة الخلفية السياسية لماكرون مهمة لمعرفة موقفه من الإسلام الذي عبَّر عنه في مناسبات كثيرة، آخرها تصريحه المثير للجدل بأن “الإسلام يواجه اليوم أزمة في كل العالم؟!” و”على فرنسا مواجهة الأصولية”، فهذا التصريح هو امتداد لتصريحات سابقة لماكرون حول ما سماه “الإسلام السياسي” الذي أكد بأنه “لا مكان له في فرنسا”، وهو امتدادٌ أيضا لمقاربته السياسية القائمة على رفض الوصل بين الإسلام والإرهاب.

يجب أن لا نتعامل مع تصريحات ماكرون بسطحية ظاهرة أو سذاجة سياسية أو أن نعتقد أنها جاءت عفوية، فهذه التصريحات إنما هي ترجمة للتحركات السياسية التي يقوم بها ماكرون في المنطقة العربية والتي حملت رسائل سياسية موجَّهة إلى حلفائه التقليديين وكذلك إلى القوة الإسلامية الناعمة والتنويرية –حسب تعبيره- التي يعول عليها لرأب الصدع والشرخ التاريخي بين الإسلام والغرب وخاصة في ظل توترات عالمية على أكثر من صعيد يمكن أن تؤثر في الدور الاستراتيجي للسياسة الفرنسية في الداخل والخارج.

لقد تعامل إيمانويل ماكرون بدبلوماسية عالية ولغة سياسية هادئة عند حديثه عن الإسلام وذلك بفضل المحفزات الإقليمية والدولية، ومنها زيارته المثمرة –حسب تقديره وتقدير إدارته- إلى لبنان والتي حولته على الأقل في نظر بعض اللبنانيين إلى زعيم مخلِّص يمكنه أن يخلّص لبنان من أزمتها وخاصة بعد حادثة مرفأ لبنان التي زادت الطين بلة، ومنها أيضا رسائل السلام التي يبادر بها ويباركها البيت الأبيض بين إسرائيل والدول العربية ولو أن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي لم تتحمس لها إلا في نطاق محدود يتلخص في تشجيع قيم العيش المشترك ونبذ ثقافة الكراهية، ومنها وهذا ما لم يرد ماكرون الإفصاح عنه، أن العالم الإسلامي يواجه ضعفا غير مسبوق وهذا يمثل فرصة ذهبية لفرنسا وحلفائها لدفعه إلى قبول مبدأ التكيف مع التوجهات العالمية أو التلاشي المحتوم، وبقائه وحيدا من غير سند ولا مدد في معركته ضد الجماعات المتشددة.

إن تصريح ماكرون بأن “الإسلام اليوم يواجه أزمة في كل العالم؟!” مبنيٌّ على قناعته بأن من يمثلون الإسلام على كل المستويات لم يعد لهم أكثر من أي وقت مضى قبولٌ لدى الغرب لتمثيل العالم الإسلامي، وهذا يمثل فرصة ذهبية لفرنسا لتقدم نفسها على أنها البديل الذي لا مناص منه.

لقد تعرَّض الإسلام في تاريخه الطويل إلى هجمات كثيرة ووقع أتباعه في أزمات خانقة، ولكنه ظل طودا شامخا عصيا على خصومه وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولعل الإسلام الذي يتحدث عنه ماكرون ويدّعي أنه “يواجه أزمة في كل العالم؟!” هو الإسلام السياسوي الذي صُنع في مخابر الغرب وليس الإسلام الحقيقي الذي يحمل في طياته قيم البقاء والارتقاء، الإسلام الذي خذله أهله ولكنه سيبقى بحفظ الله وإخلاص البقية الباقية من العلماء العاملين عصيا على الاختراق، مهيمنا على الآفاق.

لنفترض جدلا أن مقولة ماكرون بأن “الإسلام يواجه اليوم أزمة في كل العالم؟!” صحيحة، لكن ماذا عن المسيحية واليهودية؟. إن العارفين بشؤون الأديان يقولون إن المسيحية واليهودية تعيشان أسوأ أيامهما وأنه لم يعد لهما دورٌ في المجتمع الأوروبي والمجتمع العالمي، فقد توقف دور المسيحية على سبيل المثال في إفريقيا، ودخل الفاتيكان في مرحلة السبات العميق الذي لن يفيق منه إلا على وقع ارتدادات كثيرة عن المسيحية التي فقدت هيبتها وقدسيتها ولم تعد تمثل بالنسبة لكثير من الأوروبيين شيئا مذكورا بعد أن كانت في عهد سابق مناطا للتقديس.
حينما يقول ماكرون إن الإسلام يواجه أزمة في العالم كله فيحب أن لا يهلل لذلك المسلمون لأن الإسلام الذي يتباكى عليه ماكرون هو الإسلام التنويري الذي تمثله مؤسسة إسلام فرنسا التي يرأسها غالب بن الشيخ والتي من أهدافها إيجاد إسلام فرنسي قائم على مبادئ الجمهورية الفرنسية، لا يلتقي مع الإسلام الحقيقي إلا في الشعائر الظاهرة أما السياسات والتوجهات فمختلفة تماما وتحدَّد وفق الاجتهادات المعاصرة التي يدعي التنويريون أن المسلمين بحاجة إلى أن يستأنسوا بها ويؤسسوا عليها إذا أرادوا حماية كينونتهم الدينية والاجتماعية من الزوال في ظل عولمة طاغية وعلمانية مهيمنة.

يجب أن لا يستغرب المسلمون تصريح ماكرون بأن “الإسلام يواجه أزمة في كل العالم؟!” لأنه ما كان لماكرون ولا لغيره أن يقول ذلك لو أننا نحن المسلمين قمنا بواجبنا في الدفاع عن الإسلام فالطبيعة لا تقبل الفراغ. لذا، فإن رسالتي إلى كل الدعاة في العالم أن يرتقوا بخطابهم الدعوي وأن يكشفوا للعالم عن الدرر الثمينة والقيم الإنسانية النبيلة التي جاء بها الإسلام، القيم التي تدعو إلى تعارف الحضارات وإلى السلم العالمي وتنبذ ثقافة التعصب للجنس والعرق. إن دعاتنا -إلا من رحم ربّك- لا يزالون يدورون في حلقة مفرغة، يركزون على الفروع ويهجرون الأصول، يستهدفون بدعوتهم الدائرة الضيقة في العالم الإسلامي ويغفلون أو يتغافلون عن الدائرة الواسعة وهو المجتمع الإنساني مع أن قرآنهم يأمرهم بذلك: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”. والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هنا الشامل الذي يشمل الإسهام في عمارة الأرض وتأمينها من كل شرٍّ محتمَل أو خطر منتظر من قبيل الحروب المدمرة التي يفرضها الأقوياء على الضعفاء تحت ذريعة تأمين البشرية ومحاربة ما يسمونه زورا وبهتانا “الإرهاب الإسلامي” في المقام الأول.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • شاوي حر

    انه مغرور فنضراته الصبيانية تدل علىعجرفته وجهله بما يحيط به كما وصفه العملاق اردوغان فخرنسا اصبحت لاوزن لها والدليل فشلها في كل الملفات الدولية والاقليمية بدا بسوريا وليبا ومالي وشرق المتوسط الذي تلاقت فيه صفعة مجلجلة من قبل تركيا اردوغان ان عواء الصبي مكرون لا يسمعه الا العملاء ام العمالقة فهم ماضون القافلة تمشي والكلاب تنبح

  • شخص

    الكل يعلم أن هذا (الطفل) دمية في يد اللوبي الصهيوني يحركه كيفما شاء. و أفضل رد عليه هو تجاهله لأن فرنسا لم يعد لها أي وزن في النظام الدولي الحالي.

  • محمد

    خطأنا نحن الجزائريون أننا دفعنا جالينا إلى انتخاب ماكرون كما عملنا في اختيار هولاند وشيراك معتبرين أن فرنسا تخلت عن أفكارها العنصرية والصليبية واتبعنا سياستها لما عينت الإسلاميين إرهابيين فأصبحت تحاربنا بسلاحنا بل أكثر من ذلك فإن دولتنا تؤتمر كل لحظة من الإيليزي واقتصادنا مكمل لاقتصادها.لا تهمني سياسة العالم العربي الذي تهزأ به المعمورة لسذاجته وانحطاطه إلى درجة أصبح يتكفل بأبخس الأعمال القذرة للفتك بشعوبه.لا أستثني من ذلك من نصبوا أنفسهم الطبقة المثقفة التي ليس لها من الفكر إلا العبودية والانحلال الخلقي حيث أنها لا تستحيي من تحسين صورة إسرائيل التي فتكت بالفلسطينيين.الإسلام برجاله المجاهدين,

  • سهيل

    قولك ''من أهدافها إيجاد إسلام فرنسي قائم على مبادئ الجمهورية الفرنسية، لا يلتقي مع الإسلام الحقيقي إلا في الشعائر الظاهرة أما السياسات والتوجهات فمختلفة تماما وتحدَّد وفق الاجتهادات المعاصرة التي يدعي التنويريون أن المسلمين بحاجة إلى أن يستأنسوا بها ''
    هو بالظبط ما اصبح عليه الاسلام في الجزائر منذ سنوات والان في زمن الكورونا فقد الجزائريون حتي صلاة الجمعة و ما كانت تمثله في وجدان وقلوب الجزائريين حيث اصبحت كل ايامنا متشابهة و لم نعد نختلف عن الاوروبيين في شيء لذلك فلاسلام في ومن الكورونا اصبح في ازمة حقيقية وهي ازمة وجود ونحن نري كيف اصبح الدين رهينة قرارات البيروقراطي من وراء مكتبه ...