-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دروس وعبر من نتائج بكالوريا 2020م

سلطان بركاني
  • 593
  • 1
دروس وعبر من نتائج بكالوريا 2020م
أرشيف
نتائج شهادة البكالوريا

أُعلنت نتائج امتحان شهادة البكالوريا، ففرح من فرح، وحزن من حزن.. كان لافتا أنّ الفرح بلغ بالناجحين –مع تباين معدّلات نجاحهم- مداه، وكذا بلغ الحزن بكثير من المخفقين والراسبين.. في كلّ عام تثبت البكالوريا أنّها تظلّ تحتفظ بمكانتها بين الطّلبة، حتى المستهترين منهم، فكم من طالب كان يتظاهر بأنّه غير مهتمّ بالنتائج ولا بالشهادة لكنّه ذرف دموع الحسرة حينما علم برسوبه ونجاح بعض خلاّنه! وكم من طالب امتلأ قلبه فرحا حينما زفّ إليه خبر نجاحه، وامتلأت نفسه أملا، بعد أن كاد يفقد كلّ أمل.

ككلّ عام، حمل إعلان نتائج امتحان شهادة البكالوريا، عبرا ودروسا ورسائل مهمّة ينبغي أن يقرأها الطّلبة والأولياء، ويقف عندها كلّ مهتمّ بالعلاقة بين التعليم وهوية الأمّة، سواءٌ كان من هذا الطّرف أو ذاك.

من مواقف بكالوريا هذا العام المؤثّرة أنّ أمًّا فاضلة من ولاية ورقلة، نالت شهادة البكالوريا وهي في الخمسينات من عمرها، والمفارقة ليست في نجاحها وهي في هذا العمر، إنّما في كونها تحدّت مرض السرطان الذي ابتليت به، ولم تثنها مشاغل البيت وشواغل الزّوج والأبناء وجلسات العلاج المرهقة نفسيا وبدنيا، عن الظّفر بهذه الشّهادة المهمّة.. عندما سئلت هذه الأمّ التي لا تتضجّر ممّا ابتليت به ولا تتألّم ولا تشكو بلاءها إلى أحد سوى الله، عن سرّ نجاحها، قالت إنّ أملها في الله كان كبيرا، وإنّها اعتصمت به –سبحانه- ودعته، وأحسنت استغلال وقتها، وتضيف إنّها عندما سمعت خبر نجاحها، سجدت شكرا لله، أما عن أمنيتها فتقول إنّها تتمنّى أن تدرس علوم الشريعة في الجامعة، وأمّا عن وصيتها فإنّها توصي المرضى والمبتلين بأن يكونوا على يقين بأنْ لا مستحيل مع الله، وأنّه لا بد من اليقين بالله، والتمسك بحبله للوصول إلى المبتغى.

ومن المواقف أيضا أنّ شابًّا كفيفا لا يبصر، نجح في امتحان البكالوريا بمعدّل 14.. استعان بالله ورفع التحدّي فنجح، وفرح وأفرح والديه.. يوجّه رسالة إلى إخوانه الطلبة يقول: “لا بدّ من الإرادة، فلا حياة من دون إرادة”.. اللافت أنّ هذا الشابّ الكفيف يبدأ كلامه بذكر الله وحمده، ولا ينسى شكر المنعم سبحانه.. وعلى منواله كانت الطالبة الكفيفة شيماء من ولاية مسيلة، التي رفعت بدورها لواء التحدّي، ليس لأجل النجاح في البكالوريا فحسب، إنّما لأجل التفوّق، فكان لها بإذن الله وتوفيقه ما أمّلت، حيث نجحت في الامتحان البكالوريا بمعدّل 15.17. نسأل الله لها التوفيق.

هؤلاء، وغيرهم كثير، أثبتوا بمواقفهم وكلماتهم أنّ الله سبحانه ما يحرم عبدا من عباده نعمة من نعمه إلا ويغدق عليه نعما أخرى مكانها، وما على العبد إلا أن يستعين بالله ويبحث عن البدائل، ويثابر ولا يستسلم.. إذا كان التوفيق والتفوّق مبذولا لمن حرم بعض النّعم، فهما أقرب وأسهل لمن أغدقت عليه كلّ النعم. إذا كان الكفيف ينال شهادة البكالوريا، فنيلها أسهل على البصير، وإذا كانت ربّة البيت المريضة بالسرطان تنال البكالوريا بفضل الله، فإنّ نيلها أسهل للطالبة السليمة المعافاة المتفرّغة.

من جانبهم قدّم التلاميذ المتفوّقون في بكالوريا هذا العام، كما فعل نظراؤهم في الأعوام السابقة، درسا حُقّ له أن يسطر بماء الذّهب، حيث كان لافتا وواضحا للغاية كيف أنّ المتفوّقين الأوائل تجمعهم قواسم مشتركة، هي التمسّك بالدين، والاهتمام بالقرآن والأخلاق، وحسن السّمت والمظهر، يقول أحد الصحفيين الجزائريين متحدّثا عن المتفوّقين الثلاثة في بكالوريا هذا العام: “تواصلت مع الأوائل الثلاثة في البكالوريا لنقل قصص نجاحهم، فوجدت أنّ القاسم المشترك بينهم ليس معدل 19/20 فقط، وإنّما وجدت أنّ الثلاثي يداوم على قراءة ورد من القرآن بعد تأدية صلاة العشاء، والقاسم الآخر أنّ الثلاثي يتكلم العربية بفصاحة من دون الحاجة إلى استعمال لغة أخرى”.

أوّل الفرسان الثلاثة: التلميذ عبد الصمد صديقي، من ولاية تلمسان، صاحب المرتبة الأولى وطنيا، بمعدّل: 19.20، ما شاء الله لا قوة إلا بالله، شابّ قدوة في أخلاقه وتدينه وسمته، وكلماته التي تنضح بحمد الله وشكره والثّناء عليه، وقدوة في اهتمامه باللغة العربية لغة القرآن، نسأل الله أن يوفّقه ويجعله قدوة لأبنائنا.

وهكذا صاحبة المرتبة الثانية، رحمة عون، من ولاية الوادي، الحاصلة على معدّل 19.16، هي أيضا قدوة لبناتنا وفتياتنا في لباسها الواسع المحتشم، وفي سمتها وأخلاقها وفي كلامها، تتحدّث هي الأخرى عن فضل الله عليها في نجاحها وتوفيقه لها. تحمد الله في كلماتها، وتظهر اهتماما بالغا بلغة القرآن.

وعلى ذات النّسق كانت صاحبة المرتبة الثالثة وطنيا، رشا بدر الدين، من ولاية قسنطينة، الحاصلة على معدّل 19.10؛ فهي الأخرى طالبة محجّبة ومتخلقة، وكلماتها تنضح بحمد الله والثناء عليه وشكره.

هي إذن غصص جديدة يتجرّعها العلمانيون وأعداء هوية الأمّة الذين يبغونها عوجا ويتمنّون لأبنائنا أن يبتعدوا عن دينهم ويتنكّروا لقيمهم، وردود مفحمة بالمواقف والكلمات يصوغها أبناؤنا المتفوّقون لإفحام الأفاكين الذين يزعم زاعمهم أنّ التديّن يورث التلاميذ والطلبة عقدا تحول بينهم وبين النجاح وأنّ الاهتمام بالقرآن يأخذ من أبنائنا أوقاتا هم في أمسّ الحاجة إليها، حتى قالت قائلتهم ذات عام: “إنّ تلاميذ المدارس القرآنية معرّبون وضعيفو المستوى”، وها هو الردّ يأتي كلّ عام على رأس قائمة المتفوّقين في البكالوريا، بأنّ أبناءنا المهتمّين بالقرآن والدّين واللغة العربية هم من أرسخ الطّلبة عقولا وأكثرهم ذكاءً وتفوّقا.. نعم، إنّها بركات الاهتمام بالقرآن الكريم الذي وصفه المولى سبحانه بأنّه كتاب مبارك: ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب)).. يقول التابعي الكوفي عبد الملك بن عمير رحمه الله: “كان يُقال إنّ أنقى الناس عقولا قراء القرآن”، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله: “من قرأ القرآن مُتع بعقله وإن بلغ مائة”. ونُقل عن الإمام إبراهيم المقدسي أنّه أوصى تلميذه عباس بن عبد الدايم -رحمهما الله- فقال: “أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه، فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ”، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ما رأيت شيئاً يغذّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله”، وكان بعض المفسرين يقول: “اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا”، ويقول أحد الصّالحين: “ما خالط القرآن شيئا إلا باركه، وما ذكر اسم الله في شيء إلا وكثّره، وما استأنس به مستوحش إلا وآنسه”.

هذه أقوال العلماء والصّالحين، أمّا على صعيد ما أثبته العلم التجريبي، فقد أحصى بعض المهتمّين أكثر من 70 دراسة غربية وإسلامية تؤكد أهمية الدين في رفع العامل النفسي للإنسان وتحقيق الطمأنينة. كما توصلت دراسات أجريت في بلدان إسلامية إلى نتائج تؤكد دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى طلاب المرحلة الابتدائية، وترصد الأثر الإيجابي لحفظ القرآن الكريم في التحصيل الدراسي لطلاب الجامعة.. تقول إحدى الطّالبات: “كنت -بحمد الله وتوفيقه- من المتفوقات في الدراسة، وقلّما يكون هناك تكريم لا يكون اسمي ضمن قائمة المكرمات. السبب يرجع إلى القرآن، كنت في ذلك الوقت لا أحفظ إلا اليسير، ولكنّي كنت أعاهد نفسي على قراءتهِ قبل أن أبدأ بالمذاكرة، فأجد لذلك تأثيراً”.

نعم، ليس الاهتمام بالدّين وتزكيةُ الأخلاق والحرصُ على السّمت الحسن، هي وحدها العوامل التي تصنع التفوّق، لكنّها من العوامل المهمّة في شحذ الهمم وتقوية العزائم وتحصيل البركة في الأعمار والأوقات والأفهام، وما يعنينا هنا أنّ أبناءنا المتفوّقين أجهضوا دعاوى العلمانيين بأنّ التديّن يورث العُقد ويُعطّل العقول ويضيّع الأوقات.

من دروس بكالوريا هذا العامّ التي ينبغي أن ترصد وتسجّل –كذلك- أنّ الاهتمام بامتحان البكالوريا ينبغي أن يذكّرنا بامتحان أهمّ هو امتحان الحياة الذي نخوضه جميعا على اختلاف أعمارنا ومستوياتنا التعليمية، وهو امتحان يمكن أن ينتهي في أيّ لحظة لتعلن نتيجته في ساعة الرّحيل عن هذه الدّنيا.. تَذكُّر هذا الامتحان ينبغي ألا يزهّدنا في خوض امتحانات الحياة الأخرى، إنّما ينبغي أن يجعلنا نهتمّ بكلّ الامتحانات لنجعلها خادمة لهذا الامتحان الأهمّ الذي يمكن أن تسبق نتيجتُه نتيجةَ أيّ امتحان آخر نتقدّم له.

تناقلت وسائل الإعلام المختلفة يوم إعلان نتائج امتحان شهادة البكالوريا، خبر وفاة إحدى الطّالبات من ولاية عين تموشنت، صبيحة إعلان النتائج ومواراتها الثرى –رحمها الله- سويعات قليلة قبل أن يزفّ إلى عائلتها خبر نجاحها في شهادة البكالوريا بمعدّل 13.34. هي لم تتلقّ خبر نجاحها، لكنْ لعلّها تكون قد سمعت بشرى أهمّ وأفضل، فقيل لروحها: “يا أيتها النفس الطيبة”، ولعلّ الله يتداركها برحمته فتسمع بشرى نجاحها في الآخرة، والآخرة خير وأبقى.. طالب آخر من ولاية معسكر، ظهر في قائمة الناجحين بمعدّل 14.02، لكنّه كان قبل ذلك في قائمة الراحلين عن هذه الدنيا، حيث توفي أسبوعين قبل إعلان النتائج، في حادث مرور، تغمّده الله بواسع رحمته.

مثل هذه الوقائع تتكرّر مع ظهور نتائج امتحان البكالوريا كلّ عام، وكأنّها رسالة وسلوى لأولئك الذين اجتهدوا لتحصيل النّجاح أو على الأقلّ تمنّوه لكنّ أملهم خاب؛ رسالة تقول لهم: ليس الإخفاق في البكالوريا هو النّهاية؛ ففُرص النّجاح وميادينه كثيرة ما دام في العمر بقية، والعمر إن طال لا يضرّ صاحبَه الإخفاق مرّة أو مرّتين، ما دام يحمل في قلبه أملا يصدّقه العمل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    فضيحة بكل المقاييس، الامتحان على فصلين فقط و النجاح بمعدل 9 ؟