-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دلالات حادث أليم…

دلالات حادث أليم…
ح.م
الطائرة العسكرية في بوفاريك

لا أظنُّ أن هناك جزائريا واحدا لم يشعر أول أمس بأن الذين استشهدوا في كارثة سقوط الطائرة العسكرية ببوفاريك لم يكونوا جزءا منه، من عائلته الصغيرة أو الكبيرة ابنا أو أخا أو زوجا أو أما أو أختا أو ابنة. شعر الجميع بأنهم معنيون بالمأساة التي حَلَّت بِنا، بَكوا وتألموا، وانقبضت قلوبهم، وتضامنوا مع بعضهم البعض وكأنهم عائلة واحدة. أليست هذه هي الوطنية الحَقَّة؟ أين ذلك الحديث الذي كثيرا ما شاع بيننا من أن الأنانية انتصرت وأن زَمن الوطنية التي كانت عنوان بلدنا الأول والأخير قد ولّى إلى غير رجعة؟
هل بقيت جهة من جهات الوطن دون هذا الشعور؟ جنوبا وشمالا شرقا وغربا؟ ألم نعش جميعا نفس الإحساس وتتوقف أنفاسُنا أمام شاشات التلفزيون ونحن نتابع الحدث عن كثب؟ ألم تكن بيوتنا حزينة في هذه الأيام ونحن نستمع إلى عائلات الشهداء وهي تتذكر أبناءها، أو نشاهد صور من انتقلوا إلى بارئهم وهم في مقتبل العمر؟
لقد كان ذلك بالفعل، رغم المسافات الجغرافية التي بيننا، ورغم اختلاف الظروف الاجتماعية لكل مِنَّا، ورغم كل تلك المشكلات اليومية التي نعيشها… في لحظة واحدة تبدَّدت كل تلك الفروق وتصرَّفنا بطبيعتنا كشعبٍ واحد متضامن، صهرته المِحن والتجارب ومَكَّنته من تحقيق الانتصار على الشدائد، وها هو السلوك ذاته يتكرر لديه اليوم.
مَن مِنَّا لم يفتخر بذلك القرار البطولي الذي اتخذه قائد الطائرة المُقدّم دوسن إسماعيل حين فكَّر وهو على مسافة ثوان من الارتطام بالأرض في الآخرين وحَوَّل اتجاه الطائرة إلى مكان خالٍ من السكان لتنفجر فيه؟ ألا يستحقُّ هو ومن معه وِسام البطولة من الدرجة الأولى ليبقى رمزا للفداء من أجل سلامة هذا الوطن وشعبه، ورمزا لتضحيات أفراد الجيش الوطني الشعبي لأجل حماية كل ربوعه وكل ساكنيه؟
لقد كانت بالفعل أياما عصيبة تلك التي مرَّت بنا على إثر هذا الحادث الأليم، ولكنها بقدر ما كانت كذلك حملت لنا معها دلالات ما كُنَّا لننتبه إليها من غير تلك الصدمة الكبيرة. مَكَّنتنا من معرفة أننا مازلنا نمتلك وحدة الشعور الوطني، وما زلنا نُقدِّر قيمة التضحية، ومازلنا نتألم لمصائب بعضنا البعض ومستعدون لتبادل التضحيات.
كما مكنتنا في المقابل أيضا من معرفة أن في هذا العالم لا يوجد فقط إنسانيون وإخوة وجيران وأصدقاء، بل هناك من يبتهج لمآسينا، ومن يُهرِّج لأجل تشكيكنا في قدراتنا، ومَن يسعى للاستثمار في آلامنا ودموعنا..
وعليه، ليس أمامنا إلا أن نقف لحظة تأمُّل ووعي في هذه الظرف الأليم، وبقدر ما نفتخر بتضحيات أبنائنا وندعو لهم بالرحمة، علينا أن نُدرِك أن هناك أيضا من يفرح لمآسينا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • Chemimet Imane

    مقال قمة في الروعة

  • ابن الشهيد

    واسفاه على القنوات التي استغلت مصيبتنا ووزعت المأسات على ربوع الوطن ،هل من الأحترافية أم من العدل والأنصاف أم أم أم....لمادا لا تعمل على نقل المعانات اليومية للمواطن المغبون يادكتور؟ انها تتاجر بمأساتنا وفقط؟

  • ليس على المجنون حرج

    السلام عليكم :
    ذم رجل الدنيا عند علي بن ابي طالب رضي الله عنه فقال علي : الدار دار صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها ومهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد انبيائه ومتجر اوليائه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة فمن ذا الذي يذمها وقد اذنت ببينها ونادت بفراقها وشبهت بسرورها السرور وببلائها البلاء ترغيبا وترهيبا ? فيا ايها الذام للدنيا المعلل نفسه متى خدعتك الدنيا ? ام متى استذمت اليك ابمصارع ابائك في البلى ام بمضاجع امهاتك في الثرى,? كم مرضت بيديك ? وكم عللت بكفيك تطلب له الشفاء وتستوصف له الاطباء غداة لا يغني عنه دواؤك ولا ينعه بكاؤك ?

  • الطيب / الجزائر

    نعم للفاجعة دلالات يا أستاذ ....منها أننا أضعف مما نتصور و لا منجى و لا ملجأ لنا إلا إلى الذي خلقنا ..نحن كلنا إخوة علينا باستثمار أخوتنا و لحمتنا الواحدة بالاهتمام ببعضنا و الاهتمام بوطننا ...لا حول و لا قوة إلا بالله إنا لله و إنا إليه راجعون.