-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ديوان حسن حمّوتن

ديوان حسن حمّوتن
الأرشيف

من أحسن ما يدل على ما في الإنسان من معان أن يهدي لأصدقائه ومعارفه كتبا تزيدهم علما إلى ما يعلمونه، وتعلّمهم مالم يكونوا يعلمون، وتغرس أو تعمّق فيهم قيم الخير والحق والجمال، ولا أعني هنا كثيرا مما يسمى “كتبا”، لأنها لا تعني فكرا، ولا تزكي نفسا، ولا ترهف حسا، ولا تحرّك شعورا، ولا توقظ ضميرا، بل إن كثيرا مما يسمّى “كتبا” “ينشر الجهل”، كما يقول المرحوم الحبيب اللمسي، ويبلّد الإحساس، ويقبر الفضيلة، ويحيي الرذيلة، ويشيع الفواحش، كهذا “اللاّ أدب” الذي يكتبه المخنّثّون والمسترجلات، ويتهافت عليه “الذباب البشريّ، كما تتهافت الحيوانات المفترسة على جيف حيوانات أخر.

ومما أتحفني به الأخ الأديب اللبيب الدكتور مبروك زيد الخير، مع كلمة تقطر لطفا، وتسيل ظرفا، “ديوان حسن حمّوتن”، حيث” اعتنى به، ونسقه، وعلّق عليه” تعليقات كثيرة مفيدة، سواء ما تعلّق بشرح معاني الكلمات، أو بالتعريف ببعض الأعلام أو الأماكن التي وردت في قصائد الديوان، وكل أولئك مما يزيد في قيمة الديوان وفوائده.

وقد أضاف إلى ذلك كله تلك المقدمة الضافية التي قدم بها الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لهذا الديوان الذي هو “جندي” في كتائب جمعية العلماء، التي أعدّت الجيل الزاحف بالمصاحف، وقد اعتبر الأستاذ المقدم هذا الديوان: “قيثارة شعب شجية، وسمفونية وطن ندية، عذبة الألحان، جزائرية الأشجان، عربية اللسان، إسلامية الفكر، وإنسانية الروح والحنان”.

مما علّمه لنا أشياخنا النجب وأساتذتنا الأفاضل – لهم الكرامة وعليهم الرضوان- أن الشعر – الشعر هو ذكرى وعاطفة، ذكرى لإحياء قيم، ومبادئ، ورجال، ووطن، وعاطفة تربط الإنسان بكل أولئك، فإن لم يكنهما – الشعر- فهو تقطيع وأوزان، لا يحرّك نفسا، ولا يذكي شعورا، ولا يلهب حماسا..

والشعراء الذين لا يملكون هذه القيم الغالية ولا يؤمنون بالمبادئ السامية، ولا يدعون إليها، ويخلدون إلى الأرض، ويعيشون البطن وما حوى، هم الذين شنع عليهم القرآن الكريم في قوله عز وجل: “والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كلّ واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون”.

لقد ارتويت وانتشيت مما جاء في هذا الديوان من مبادئ دينية ووطنية، وقيم إنسانية نبيلة، تكاد تصبح جميعها في هذا الزمان الأردإ “حديث خرافة”، لأن الدين غطى عليه الجهل، واكتنفته البدع والخرافات، والوطنية الحقة صارت “بوليتيك”، “وكل شيء مبدأه السياسة فنهايته التجارة” كما يقول الإمام محمد البشير الإبراهيمي، وها نحن نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا كيف “يتاجر” أراذل السياسيين وحثالتهم بالمبادئ الدينية والقيم الوطنية، ومعلوم أن شعار “التجّار الفجّار” هو “في النهار أكذب، وفي الليل احسب”.

تدور أشعار هذا الديوان حول المبادئ الإسلامية، والوطنية، واللسان العربي، والإشادة بأبطال، والتغني بجهات، والحث على الوحدة، والعلم، والأخوة..

ومن هنا فإن شاعرنا – ككل شعراء جمعية العلماء- “صدّاح غير مدّاح”، وإن مدح شخصا فهو لا يمدحه لشخصه، ولكن لما تجسد فيه من مثل، ليكون قدوة للقادم من الأجيال.. وهذا ما أشار إليه المشرف على هذا الديوان بقوله: “والواقع أن هذا الديوان يحمل رمزية كبيرة، ذلك أنه مكرّس في مجمله للدفاع عن اللغة العربية الأصيلة، وعن القيم الثابتة الأثيلة، وهو ينافح عن الأعراف النبيلة، ويستهجن التفسخ والانحلال، ويجمع بين توخّي الأعمال وترجّي الآمال، فهو صدى للنهضة الإصلاحية الوارفة، التي قادها علماء ربانيون، أعادوا للأمة الأمل، وربطوها بتراثها الذي أوشك أن يضمحل”.

وقد كان حسن حمّوتن ذا بصر حديد، فقد نبّه إلى ما سيصيبنا إن لم نتدارك الأمر بإصلاح حقيقي، على يد مصلحين حقيقيين.. لا بهذا الجمع المؤنث المسمى “إصلاحات”، التي أتت على كل ما كان جميلا وحسنا، وقد أصابنا ما حذّر منه، ونبّه إليه بقوله:

         عمّ الشقا، والأذى والمكر، والكذب                   والفسق، والخطف، والتدليس، والرّعب.

ومن القصائد التي استوقفتني في هذا الديوان، قصيدته المسماة “نهاية التبشير في الجزائر، آخر مبشر يغادر توريث عبد الله”.

والملاحظة هي في استعمال كلمتي “تبشير” و”مبشر”، وما هو إلا منصر وتنصير.. وتفريق بين الإخوة الأمازيغ والعرب.. ومما جاء في هذه القصيدة:

         هنّئت توريث زانت عنك صلبان             لم يبق فيك نواقيس ورهبان

         صبرت قرنا على جهل ومخمصة              وما اشتمالك “للإنجيل” قسّان

         كم حاولوا المسخ والتنصير وما قدروا                   فما تنصّر في توريين غفلان

         فالكردنال كذا أوصى فقال لهم                        خصما الكنيسة إسلام وقرآن

         وحاربوا لغة القرآن ما ظهرت                           حتى تزلزل للإسلام أركان

         قالوا: القبائل بربر لا عرب                    قلنا: القبائل والعربان إخوان

         فسبّحي سبحي توريت حامدة                         لله منّته، فالله منّان

         وهلّلي، هلّلي بونوح شاكرة                   أن زال عنك نواقيس وصلبان

         بالله عزتنا، بالدين وحدتنا                     بالعلم قوتنا، والكل إخوان.

ويقصد بكلمة “الكردنال” من سموه “المعمّر الأول” وما هو إلا “مخرب” للعقول والنفوس، أعنى شارل لافيجري، مؤسس “شرّ جمعية” وهي المسماة “الآباء البيض”..

بقي أن يعرف القارئ لمحة قصيرة عن هذا “البلبل الصداح”.

ولد حسن حمّوتن في تيزي وزو في سنة 1913، وتعلم كما تعلم معاصروه في كتاتيب المنطقة، التي اشتهرت بالحفظ الجيد للقرآن الكريم، ويرجّح الأستاذ محمد الصالح الصديق في الجزء الثاني من كتابه “رحلتي مع الزمان” (ص 191) أن حسن حمّوتن “درس في زاوية سيدي عبد الرحمن آليلوي”.

وفي العشرين من عمره بلغته أصداء الحركة الباديسية التي عمت الجزائر سهلها وحزنها، وشمالها وجنوبها، بفضل من تتلمذوا مباشرة للإمام ابن باديس من جميع أنحاء الجزائر، وبفضل مجلة “الشهاب” للإمام، التي أثارت العقول، وأضاءت النفوس، وأحرقت الدجالين والظالمين.

التحق حسن حموتن بحلقات الإمام ابن باديس في قسنطينة، حتى اندلعت حرب “الفجار” الكبرى، بين لصوص العالم، فعاد إلى المنطقة، وانخرط في معرفة الدفاع عن دين الجزائر، ولسانها، ولقي ما لقيه أمثاله على يد الفرنسيين، وتولى أمر التعليم والإدارة في “مدرسة الشبيبة” التابعة لجمعية العلماء في مدينة تيزي وزو، كما تولى منصب المرشد العام للكشافة الإسلامية في تيزي وزو.

وبعد طرد الفرنسيين من الجزائر واصل حسن حموتن “جهاده” بتعليم أبناء الجزائر الذين عملت فرنسا على تجهيلهم أو فرنستهم وتنصيرهم.. ثم صار مفتشا ينقل تجاربه إلى الجيل الجديد من المعلمين ويرشد العامة ويعظمهم، ويعلمهم أمر دينهم إلى رجعت نفسه المطمئنة بما قدمت إلى ربها في سنة 1982.

رحم الله شاعرنا الأصيل حسن حمّوتن، وشكر عمل أخينا الدكتور مبروك زيد الخير، وجعله مباركا، وندعوه إلى أن يزيدنا من مثل هذه الأعمال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • Dawud al-Antaki

    العشق فضيلة تنتج الحيلة ، و تشجع الجبان - و تسخي كف البخيل ، و تصفي ذهن الغبي ، و تنطق بالشعر لسان الأعجم , و تبعث حزم العاجز الضعيف
    - داود الأنطاكي

  • merghenis

    الرد على صاحب تعليق رقم 4 - جاء في التعليق :"ولا نسمع ولا شيء على هذا الفاضل المحترم " . ليكن في علمك أن اسم الشاعر حسن حموتن جاء 6 مرات (قبل اليوم) في مقلات الأستاذ الحسني . العناوين من غير ترتيب:1 - يا جبال أوّبي; 2- "مؤلف الرجال" (2010) ;3-رمز ابن باديس في الشعر الجزائري الحديث; 4- كان فنا في الرجولة; 5-تجرثم; 6- Collègue . كما يذكر الحسني أحيانا أبياتا من أشعار حسن حموتن. رحم الله الشاعر حسن حموتن وشكرا للأستاذ الحسني.

  • ساسي

    علماء الجزائر نشروا الفضيلة والعلم والمعرفة والدين بين افراد الامة وزرعوا الخير والصلح بين المسلمين كابن باديس رحمه الله والابراهيمي والتبسي والعقبي وكل شيوخ جمعية العلماء المسلمين .
    اما علماء السعودية -انا لا اقصد المساجين منهم في سجون الطغيان السعودي - الوهابيون السلفيون فزرعوا الفتن والقتل والرذيلة -قتل ودمار باليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس وبالجزائر من قبل
    حسبنا الله ونعم الوكيل

  • هشيمالهاشمي

    شوف شوف لما ؟! نتكلم عن الشيخ علجت وغيره ... ؟! ولا نسمع ولا شيء على هذا الفاضل المحترم الذي صدع بما يوحد ويلم الشمل " الله الله على زمن الأمانة المحبة والأخلاص ؟؟؟؟؟ وتبا لزمننا هذا الذي يمتلئو بالخبث والخبائث والرداءة والسفاهة والسفهاء والمنافقون نعوذ بالله من شرور خلقه وكيدهم المستديم

  • محمد

    قيل لأحد الضيوف ما رأيك في الذي أقيمت من أجله الوليمة فرد عليه متأسفا الطعام ثري بأنواع اللذائذ يملأ البطون المتعطشة إلى أحسن المأكولات لكن ربطت على المائدة كلبا أفسد الحلال ودنس المقام.العبرة التي لا مفر من استنباطها من هذا التقرير أن المروءة تقتضي من صاحبها البداية بما تنشرح به النفس المتعطشة إلى التعبير الشجي وتأخير ما نكن للمجتمع من سلبيات (أو بالأحرى من احتقار) ونقدم ما به يرغب القارئ في اقتباسه ليفوز بالفضائل والنصائح والأخلاق ونترك لوقت وجيز ذكر رذائل السلوكات حتى ننهي الكلام بما يترك في النفس البشرية بحسن التعبير ما يجب استخلاصه من معان تدفع إلى التفكير وحسن التدبير لما تواجهنا قضايانا

  • متسائل

    النية القلب الصافي و المحبة فالله رحمه الله و جميع من شابهه ... زيدلهم فطنة موهبة صقلتهم تجارب ... شكرا لك استاذنا على هذا المقال .

  • Slim

    رحم الله الشيخ حسن حموتن و أسكنه فسيح جناته ، حبث كان متشبعا بالوطنية و محبا للغة العر بة و للاسلام حبا جما ، أتذكر محاضراته التي يلقيها علينا في ثانوية علب ملاح بذراع الميزان سنة 1974 /1975 حيث منا تلاميذ