-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ذكريات مع الراحل

محمد عباس
  • 553
  • 0
ذكريات مع الراحل
ح.م

منذ سنة خلت نُكبت الأسرة الإعلامية في الصديق والزميل علي فضيل، أحد رواد الإعلام الخاص. رحل الفقيد في ذروة التألق في مهنة المتاعب وهو في أقصى درجات الحيوية والاستعداد لمزيد من العطاء، على رأس مجمع إعلامي، الذي كان الأقرب لصوت الشعب وروح الجزائر العميقة. عندما التحق علي فضيل بمهنة المتاعب، كنت في رئاسة تحرير الشعب. استلمت المؤسسة طلبه في 15 نوفمبر 1981، وتم توظيفه بقرار في 14 ديسمبر الموالي ابتداء من فاتح يناير من العام الجديد “على أساس مستواه الثقافي”.

من ذكرياتي العابرة عنه في صحيفة الشعب:

اعتقاله نفس السنة في حادثة بن عكنون خلال خصومة سياسية بين الطلبة، اعتقال يكشف عن التزام مبكر بقضية: لم يكن على الهامش”حشيشة طالبة معيشة”. ولحسن الحظ أفرج عنه بعد حين إثر تدخل إدارة المؤسسة.

في نوفمبر من نفس السنة خضنا – صفا واحدا- انتخابات اتحاد الصحافيين في مؤتمره الرابع – والأخير، فكان لمندوبي الشعب شرف الفوز بالأمانة العامة للاتحاد.

أجرى في مناسبة تاريخية تحقيقا حول معركة زمرة، لم يكن الموضوع نمطيا حسب الممارسة السائدة، هذه المعركة خاضها جيش بن لونيس، لا جيش التحرير الوطني. ولم تكن هناك رقابة صارمة، فنشر التحقيق. وكان الرد فوريا من منظمة المجاهدين، ومن الولاية السادسة خاصة. وقد تحملت رئاسة التحرير المسؤولية، ولم يتعرض المحقق الشاب لأي أذى. وفي غضون 1990 قرر النظام القائم فتح المجال الإعلامي، فوضع صحافيو الإعلام الواحد أمام خيارات ثلاثة، إما البقاء في القطاع العمومي، أو خوض تجربة الإعلام الخاص، أو الالتحاق بعنوان حزبي. وخلال فترة قصيرة أسس علي فضيل دورية بالتعاون مع جمعية سياسية، لكن ما لبث أن اختار تأسيس أسبوعية الشروق العربي الرائدة.

ونحن أيضا اخترنا في البداية تجربة الإعلام الخاص، وكونا فريقا من نحو 10 صحافيين، واخترنا لمشروعنا عنوان “الأمة”. لكن لم نجد متسعا لهذه اليومية، لأن حكومة حمروش -آنذاك- كانت اختارت تجربتها “النموذجية “– المدعومة- بعناوينها الثلاثة: الوطن، لوصوار، الخبر. وقد عرفنا بعد ذلك أنه كان هناك سبب آخر، هو التحفظ على الفريق الذي كان من بين عناصره سعد بوعقبة، وبشير حمادي، ومحمد عباس.. وآخرون.

هكذا وجدنا أنفسنا في عنوان عمومي باسم “السلام”، في دار الصحافة -الثانية – بالقبة ؛ بعد أن سارعت عناوين التجربة “النموذجية” باحتلال الدار- الأولى- في ساحة أول مايو. وأصبحنا جيران الشروق العربي. اقتنت يوميتنا تجهيزات حديثة متكاملة، فوضعت جهاز النحت الضوئي خاصة في خدمة جارتها الأسبوعية، بمقابل أخوي على أن تدفع متى استطاعت.

وعاشت السلام – مثل الشروق- محنة توقيف، دامت سنة كاملة، إذ كان قرارا تعسفيا من حكومة رضا مالك الذي وضع هذا الإجراء –العبثي- على رأس أولوياته. وفي هذه المحنة وجدنا مدير الشروق إلى جانبنا، لم يكتف بتوقيع لوائح التنديد معنا، بل فتح لنا صدر أسبوعيته للدفاع عن قضيتنا، واستنكار التعسف في حقنا.

وأثناء مرحلة التفكير في إصدار يومية الشروق سنة 2000 عرض علي الفريق المؤسس مشكورا أن انضم إليه، فاعتذرت – آسفا – لأسباب مادية. وقد استكتبني الإخوان في العدد الأول حول إشكالية إصدار عنوان جديد، فعبرت عن رأيي باختصار قائلا “إن الساحة الإعلامية – التي تعج بكل ما هبّ ودبّ ما تزال بحاجة إلى منبر، يعبر عن الأغلبية المغمومة بإيمان وصدق”، ومن خلال ركن التاريخ واكبنا اليومية الجديدة منذ البداية، وكانت انطلاقة قوية، جعلتها تحتل مكانة متميزة في وقت قياسي. لقد ساهمنا أيضا في تنشيط ركن “أقلام الخميس”، ثم زاوية “نيشان”.

وبعد إطلاق تلفزيون “الشروق” ورغم معرفة مجمع “الشروق” بمواقفي وجرأة التعبير عنها منحني فرصة إعداد وتقديم حصة يومية بعنوان “التاريخ يتحدث” على مدى سنة كاملة.

كنت بالخارج عند سماع فاجعة وفاة علي فضيل في مدينة كان… تألمت وتأسفت لأن الراحل كان لا يزال في أوج الاستعداد لمزيد من العطاء المفيد، ولأن جدارا أساسيا اهتز في المنظومة الإعلامية الوطنية… أملي في هذه الذكرى الحزينة ذكرى رحيل صديق عزيز وإعلامي بارز، أن تحرص أسرته وإخوته على صيانة هذا الجدار الأساسي، ليبقى مجمّع “الشروق” منارة لصوت الشعب، صوت الجزائر العميقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!