-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رئيسٌ يريد التحرُّر من البرج العالي

حبيب راشدين
  • 1658
  • 7
رئيسٌ يريد التحرُّر من البرج العالي

بضعة أسابيع من ممارسة الرئيس لصلاحياتِه قد لا تكون كافية للإحاطة بالخطوات التنفيذية لما وعد به من تغيير في إدارة الشأن العام، وإصلاح اضطراري لمؤسسات الدولة، والتكفل العاجل باقتصاد معطل، يقتات على عوائد النفط، وقبل ذلك حاجة البلد إلى حماية الجبهة الداخلية من الفتن والفرقة والانقسام، لكننا نلمس بصدق أسلوبا جديدا في سلوك الرئيس، وانفتاحا بيِّنا على ما يشغل الرأي العام، سواء من جهة الانفتاح على الخصوم قبل إرضاء الموالين والأنصار، أو من جهة الانفتاح على جمهور واسع عبر وسائل الإعلام الوطنية، بتنظيم أول لقاءٍ إعلامي للرئيس “الصانع الأول للقرار” مع من وصفهم بـ”صناع الرأي”.

بجميع المقاييس، كان لقاء الرئيس مع نخبة من الإعلاميين بدعة حميدة، لم يسبقه أليها أيُّ رئيس منذ الاستقلال، بل كانت غائبة في سلوك أغلب قادة مراكز صناعة القرار في الدولة، تشي باحتقارهم للرأي العام الوطني، وبالوسائط الوطنية التقليدية لمخاطبته، أو كانت في الحدِّ الأدنى بدافع الخوف من خوض اختبارٍ حقيقي للمساءلة، الغائبة ابتداءً في المؤسسات الرقابية الدستورية.

ولأنها كانت أولَ تجربة، وأول اختبار للرئيس كما للإعلام الوطني، فلن نتوقف كثيرا عند بعض النقائص في الأداء من الطرفين، نراهن أنها سوف تتحسَّن بتكرار مثل هذه اللقاءات، فإنه من المهم أن نغتنمها كفرصة سانحة للتعرُّف على شخصية الرئيس أكثر منها فرصة لاستشراف سياساته وبرامجه وخطواته القادمة، حتى وإن كان اللقاء قد أحاط بكثير مما يشغل الرأي العام.

السيد عبد المجيد تبون “الرئيس” لم يختلف في هذا اللقاء عن عبد المجيد تبون “الوزير” في الهيأة كما في التعاطي الإيجابي مع الأسئلة، من دون اللجوء إلى حيل وتقنيات المراوغة التقليدية في مثل هذه اللقاءات، وقد استطاع في الدقائق الأولى من اللقاء رفع الحرج والكلفة عن محاوريه، وصاغ ردوده بلغة مبسَّطة مفهومة لشريحة واسعة من المواطنين، حتى حين كانت بعض الأسئلة تستدعي بالضرورة أجوبة تقنية مركَّبة تنتظرها النُّخب ولا يفقهها العامة.

إلى جانب هذه البساطة المحمودة في الخطاب أسلوبا ومضمونا، استوقفني ذلك القدر من التواضع عند رئيس لا يدَّعي امتلاك الحقيقة أو التعصب للرأي الشخصي، وقد ميز في أكثر من ملف، بين رأيه الشخصي وتقديره للموقف، والرأي الآخر المخالف، ليعلن انحيازَه في النهاية إلى الرأي الغالب في المجتمع، كان واضحا عند استعراض المحاور المقترَحة لتعديل الدستور، كما في كثير من الملفات التي تناولها اللقاء، وفي الجملة حيال ما تحتاجه البلاد من إصلاحات لن تكون مقيَّدة بخيارات شخصية، أو بمرجعيةٍ عقائدية صمَّاء منغلقة، بقدر ما هي مرتهنة لما تختاره وترتضيه الأغلبية ونخبُها التمثيلية والعالمة.

محطاتٌ قليلة في هذا اللقاء أظهر فيها الرئيس الكثير من الرفض الحازم للمساومة بشأنها، بدت واضحة حيال إعادة فتح ملفات الهوية الوطنية المرفوض في التعديل الدستوري القادم، وملفات السيادة الوطنية، التي لا تقبل أي مساومة أو تفريط، وأخيرا ما تردد على لسانه حيال “الأخْلَقة” كسلوك يلزم الجميع: أخْلَقة الحياة السياسية وأداء مؤسسات الدولة في جميع مستوياتها، وأخْلَقه السلوك والممارسات الاقتصادية للمؤسسات، وأخْلقة المعاملات التجارية، كبيرها وصغيرها، بالخضوع التامّ لقوانين الجمهورية.

يقيناً لم نخرج من هذا اللقاء بصورة واضحة مكتملة، لا عن خيارات الرئيس بشأن بناء الجمهورية الجديدة، وقد اعتبرها ورشة مفتوحة تحتاج إلى توليد متدرِّج لمشهدٍ سياسي جديد من الجيل الشاب، ولا عن الخيارات الإستراتيجية لبناء اقتصاد جديد، باستثناء إلحاحه على الحاجة إلى قدر من الواقعية، مع تفضيل استثمار موارد الدولة والمجتمع في بناء اقتصادٍ متوازن، ملزَم بخلق الثروة والتحرُّر من التبعية للمحروقات، وبتوفير متنام لفرص العمل، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.

وفي الجملة نحن أمام رئيسٍ يريد أن يفي بما وعد، مع انفتاح غير مشروط على الرأي المخالِف المعارض، والاحتكام في جميع الخيارات إلى إرادة الأغلبية في كنف الدستور والقانون، في دولة لا تتنكَّر في جميع الأحوال للعهد النوفمبري وخيار بناء دولةٍ ديمقراطية اجتماعية لبلدٍ مسلم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • نمام

    ما نخشاه نظرتنا بان الديمقرطية حكر على النظام اي الدولة وان لم تكن كذلك لا للمغارضة و لا لفصيل وانماوجودها لحكم افضل ولا اختلاف كلبر على اخطائها واي نظام اخر جمع على اخطائه والتغيير عندنا لم يدخل الا من باب الديمقرطية التي ننحفظون عنها ونخشى ايضا من خرجوا و سيخرجون من عباءة النظام ليتصدروا الشاشات و المشهد باهم يمثلون المثقفين و الثقافة و الفكر وهذا خطا في حق الفكر لان الانتهاززية و الوصولية من يسمح لهم بخلق فرعون وقد يجدون القدرة على تبرير وخلق ذرائع للتقديس الاسحاص مما يعين على الاستبداد فالرجل ان احسن فلنا الاخذبيده و ان اخطا فلنا النصيحة و لا نزكي احدا الا من خدم الامة و كافح لرقيها وعزها

  • محمد

    يجب التنويه بنقطة سوداء في اللقاء مع الرئيس الجديد وهي استعمال"الشيتة" من طرف الصحفيين الراغبين في تحويل أول لقاء معه للدفاع عن مطالب نقابية شخصية مثلما وقع فيه النظام الفاسد.أما صلب تدخل الرئيس فكان في مجموعه يركز على الجانب الاقتصادي الذي تشكو منه مختلف القطاعات الحيوية للبلد.كنت أنتظر منه أن يركز على اهتمامه بالتوازن بين مختلف الجهات للوطن لكنه في بعض الأحيان امتنع عن الخوض في المسائل الشائكة ملقيا المسؤولية على عاتق الهيئات المختصة.لم يتكلم كذلك عن أسلوبه في تعيين إطارات الدولة والتوازن الجهوي في اختيارها نظرا للفساد الملحوظ الآن بسبب الانتماءات الفئوية التي ما زالت الدولة تشكو من فسادها

  • جلال

    على الشعوب أن تدرك بان لها مفكروها وعظماؤها المتواضعون الحقيقيون الذين هم في خدمتها وبهم وحدهم فقط تتطور الأمم وتستقيم أمورها وبان الفكر والعلم لا يمكن أن يحجر عليه أو توضع له قوالب جامدة ونظريات عمياء تقيد البحث والازدهار بل إن إطلاق العنان لحرية الإبداع الإنساني الرفيع المستوي والعميم الفائدة لهو فرض وواجب ولقد لاحظنا ونلاحظ ما جنته كثير من النظريات والمقولات والزعامات الباطلة المفروضة فرضا على كثير من الأمم والشعوب من ويلات والمثل يقول إن المقابر مليئة بمن كانوا يعتقدون أنفسهم إنهم لا يمكن الاستغناء عنهم .

  • جلال

    إننا لا نريد رؤساء مفكرين وأبناء الشعب البارين وفلتات زمانهم والعبقريات التي لم يجد بها الزمان وإنما نريد رؤساء يحترمون الدساتير ويسهرون على تطبيق القوانين وتمكين العدالة من أن تأخذ مجراها فإذا فكروا فأهلا بتفكيرهم علي شرط أن يطرح هذا التفكير للنقاش والنقد والإثراء والتمحيص كغيرهم من عباد الله المفكرين أما أن يكون تفكيرهم هو البلسم الشافي والدواء النافع لكل أمراض الأمة والنبراس المضيء والدرب النير وخطبهم مناهج ومناهجهم سبل للحكم والتحكم في رقاب العباد فهذا ما لا يرضاه إنسان حر مفكر لان ذلك أدي ويؤدي إلى الاستبداد والى العنجهية والتكبر والفساد في الأرض و اعتبار ذلك الرئيس المعتوه عناية إلهيه

  • جلال

    إن الرقي والازدهار هما عمل كل أفراد الأمة وهما عمل جماعي منظم ومنسق ومقنن يسير وفق شروط موضوعية وأخري مادية وهو عمل أفقي وعمودي وفي العمق وليس من شيم شخص أو حتى عدة أشخاص أن يرقوا الأمة إذا لم يكن هناك هاجس التقدم والدوافع الذاتية والعوامل والمحفزات النفسية والمعنوية متوفرة في تلك الأمة .

  • جلال

    (إن الحزب المعارض أو الشخص المعارض ليس اشرف نفسا ولا اسمي خلقا من الحزب الحاكم أو الشخص الحاكم ولكنه يقوم بوظيفة اجتماعية كبري حين يكافح من اجل العدالة مثلا ذلك لأنه يمنع لاستئثار بالحكم والطغيان والتسلط وعندما يصل هو إلي الحكم لا يستطيع أن يخرج عن طبيعته البشرية فيصبح ملاكا) .....علي الوردي مفكر عراقي

  • جلال

    إن ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم لهو من اوجب واجبات الأحزاب وكذلك بين الإدارة والمواطن وبين الناخب والمنتخب وتقويم هذا الأخير ليصبح خاضعا للنقد الموضوعي في أسلوب الحكم وتصحيح أي اعوجاج كما أن عليه أن يفهم بل يتربي علي إن له عقدا أو عهدة مع منتخبيه لوقت معين فإذا تبين عدم التوافق مع شروط ذلك العقد في الممارسة والتطبيق وجب أن يفسخ العقد ويعزل الشخص