-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رجال يختلون الدّنيا بالدّين!

سلطان بركاني
  • 2407
  • 5
رجال يختلون الدّنيا بالدّين!
ح.م

في دواوين السنّة أحاديث كثيرة تصف حال الأمّة في آخر الزّمان، وتفصلّ في أحوال حكّامها وأمرائها وعلمائها وعامّتها، لعلّ من أكثرها وقعا على القلوب الحيّة الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قال: “يخرج في آخر الزّمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب. يقول الله عز وجل: “أ بي يغترون؟! أم عليَّ يجترئون؟! فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران” (رواه الترمذي).

 هذا الحديث الذي يُجلّي حقيقة بعضٍ من “قرّاء” آخر الزّمان –أي المنتسبين منهم إلى علم الدّين- هو جزء من أحاديث كثيرة تفصّل الأجواء التي ينشأ فيها هؤلاء القرّاء وتعمّ فيها فتنتهم، منها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء وأعوان خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، سيماهم سيما الرهبان وقلوبهم أنتن من الجيف، أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة فيتهاوكون فيها. والذي نفس محمد بيده لينقضن الإسلام عروة عروة حتى لا يقال: الله، الله في الأرض”.

هذه الأحاديث، وإن كانت ضعيفة الإسناد عند علماء الصّناعة الحديثية، إلا أنّ كثرتها وكثرة الآثار التي تشهد لها وتَصديق الواقع لها، كافية للدّلالة على أنّ مضمونها صادر عن المعصوم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو ما توجل له القلوب الحيّة التي ترى هذه الأحاديث واقعا ماثلا لا ينكره أحد، وتفهم أنّها تشير إشارة واضحة إلى أسبابَ هي أهمّ الأسباب التي هوت بالأمّة إلى دركات الذلّ والهوان التي تتخبّط فيها.

تصف الأحاديث حال أمراء الأمّة بأنّهم يمتهنون الكذب؛ فيكذبون على رعيتهم، ويظهرون لها الحرص على مصلحتها واحترام دينها، بينما حالهم ينفي مقالهم؛ يكنزون الأموال ويبنون أفخم القصور ويشترون أحدث وأفخر المراكب، ويحرصون على مصالحهم ومصالح ذويهم ومقرّبيهم وعلى سلامة عروشهم.. ينتفض الواحد منهم وينتقم شرّ انتقام إذا مُسّ جنابه بكلمة أو حام حائم حول عرشه، لكنّه يغضّ طرفه ويضرب صفحا متى أسيء إلى دين الله أو انتقصت شعائره.. فتحوا أبواب الشهوات والشبهات على مصاريعها، ومكّنوا للفنانين والمغنّين وأخرسوا العلماء والمصلحين، ولمّعوا التّافهين وهجّروا الباحثين.. يقسم الواحد من هؤلاء الأمراء بأغلظ الأيمان على حفظ الدّين والوفاء للوطن، وتملأ وسائل الإعلام بوعوده المبشّرة بمستقبل واعد، لكنّ الأمّة لا ترى منه غير تفاقم الأزمات، واتساع دائرة الفقر، ولا ترى منه غير حبال الودّ التي تمدّ إلى أعداء الأمّة والمتربّصين بها.

يعينهم ويمدّهم في غيّهم أعوان ومستشارون ظلمة، يزيّنون لهم الظّلم ويحرّضونهم على الضعفاء، ويذودون عنهم وعن عروشهم، ويزيّنون للنّاس ظلمهم وباطلهم ويظهرونه على أنّه يصبّ في مصلحة الأمّة والوطن! ويتّهمون كلّ من ينكر الظّلم والفساد بأنّه عميل للخارج عدوّ للوطن؛ لأنّ الوطن عند هؤلاء الأعوان هو “الأمير”، وليس أحد أو شيء غيره!

كما يثبّت أركانَ ملك  هؤلاء الأمراء “قراءُ”، باعوا دينهم بعرض من الدّنيا قليل؛ آثروا الفاني على الباقي، ولبسوا مسوح الضأن على قلوب الذئاب؛ يحرفون الكلم عن مواضعه، ويتخيّرون من نصوص الدّين وأحكامه ما يعجب الأمراء ويخفون ما لا يعجبهم. يلزمون عتبات أبواب الأمراء ويأكلون من فتات موائدهم ويمتلئون فرحا ونشوة بالألقاب التي يغدقونها عليهم والنياشين التي يعلقونها على صدورهم. لا يأمرون الأمراء بمعروف ولا ينهونهم عن منكر، بل يبرّرون لهم ترك المعروف وإتيان المنكر وجحد الحقوق وظلم العباد! ويحرّمون على الأمّة الإنكار على أولئك الأمراء بحجّة أنّ الإنكار يثير الفتن! وقد سمعَت الأمّة في السنوات الأخيرة “قرّاء” يبرّرون التنكيل بالدّعاة والمعارضين، ويدعون إلى سجنهم والتشريد بهم، بل يحرّضون على قتلهم وترويع ذويهم، بحجج وذرائع لا تستقيم دينا ولا عقلا.. وربّما لا نبالغ لو قلنا إنّ أنهار الدّماء التي سالت من أبناء الأمّة في العقود الأخيرة، سببها هذا الصّنف من “القرّاء” الذين سوّلوا للأمراء الاستعانة بالأعداء والتّنكيل بالمقسطين من العلماء والدّعاة والمصلحين، وسوّغوا لهم رهن خيرات الأمّة للأجنبيّ، وبرّروا لهم إشاعة الفساد بذريعة مكافحة التشدّد والتطرّف!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • عيد الغفور

    الخير باق في هذه الأمة لم هذا التشاؤم
    فلا
    فلا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة
    ولا يدرى الخير في أول الامة وآخرها
    ويبعث الله في رأس كل مئة عام من يجدد لهم دينهم
    والقرآن حبل الله طرفه عند الله من تمسك به أنجاه الله
    والسنة ظاهرة

  • خليفة

    نحن في حاجة ماسة الى علماء دين اتقياء يشدون على يد الحاكم ،و يقدمون له النصيحة وفق مقتضيات الشرع و لا يخافون في الله لومة لاءم ،نحن في حاجة الى مستشارين يدعمون الرءيس بالاقتراحات و التوجيهات البناءة في تسيير شءون الراعي و الرعية،اما اذا سكت عالم الدين على الباطل ،و لم يقل المستشار كلمة حق ،فقد يزيغ الراعي و تنحرف الرعية ،و بالتالي يعم الفساد في اوصال الدولة و المجتمع ،و هذا ما حصل لنا مع النظام السابق ،فنسال الله ان يوفقنا و يوفق ولاة امورنا لما يحبه و يرضاه في خدمة البلاد و العباد.

  • جمال الجزائري

    اعتذر عن كتابة الايه سهوا كثرالفساد في البر و البحر..وانماهي..ظهر الفساد في البر والبحر بماكسبت ايدي الناس...فالطغيان منذ الازل موجود من الملوك و الطغاة مرورا بقوم عاد و فرعون و التاريخ الدامي للبشريه شاهد على ذلك.فكل جيل يرى نفسه في آخر الزمان و اذا بقت هذه الفكره طاغيه سوف يأتي بعد قرون من يبرر لطغاة اليوم و يستنكر طغاة عصره ...سنة من بدأها في هذه الأمه بتقديس الظلمه و التبرير لهم

  • سهيل

    بارك الله فيك
    لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
    ياااخي هؤلاء لم يعوا جيدا انها :
    هيا الدنيا قالت بمل ء فيها حذاري جذاري من بطشي وفتكي

    هؤلاء نسوا ان الدنيا قال عنها الاولون :

    دع الدنيا فمن عاداتها تخفظ العالي وتعلي من سفل

    وقوله عليه الصلاة والسلام :" لا تقوم الساعة حتي يهلك الوعول ويظهر التحوت"
    والوعول هم اشراف الناس علما ونسبا وحسبا والتحوت هم الاراذل الذين لا علم ولا حسب ولا نسب ولا دين

    ما يحدث اليوم في زمن الكورونا مخيف جدا لا واعظ للناس في دينهم وهم في غفلة شديدة كانت صلاة الجمعة تنبهنا قليلا نسال لله ان يعافينا من فتنة حب الدنيا وطول الامل

  • جمال الجزائري

    عندما يقدس سلاطين التراث من الدوله الامويه الى الدوله العباسيه وولاتهم امثال الحجاج بن يوسف و تجد من يبرر لهم ظلمهم من الدعاة و نفس هؤلاء الدعاة تجدهم يلعنون حكام اليوم فهنا تعرف من اين جاء الخلل و كلنا نستعين باحاديث أخر الزمان المشبوهه لنبرئ جرائم الامس و حتى لا تجد من يستعين بايات الله الواضحه في القرآن التي تبين الان الفساد بدأ مع بداية البشريه وليس مقصورا على زمان معين حسب قول الملائكه و قول الله عزوجل ..كثر الفساد في البر و البحر بماكسبت ايدي الناس..قانون الله القرآني لا قدسية عنده لاي ظالم و لكن الفقه الموازي هو الذي صنع الطغاة..