-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رصيدُك غيرُ كافٍ!

سلطان بركاني
  • 700
  • 4
رصيدُك غيرُ كافٍ!
ح.م

يحدث كثيرا أن يغفل الواحد منّا عن رصيده في الهاتف، ويماطل في إعادة شحنه، حتى يفاجأ وهو يريد الاتّصال بأحد أصدقائه أو أقاربه بالمنبّه الآلي يخبره بأنّ رصيده غير كافٍ لإجراء تلك المكالمة، وأنّ عليه إعادة تعبئته ليتسنّى له الاتّصال بالرّقم المطلوب، فيأسف لذلك، ويزداد أسفه كلّما كان الاتّصال أكثر أهمية وكلّما كان الموقف الذي يواجهه في مكان أو وقت لا يمكنه معه أن يعبّئ رصيده..

هذا الموقف الذي لا شكّ في أنّ كلّ واحد منّا قد واجهه، ربّما يتكرّر في حياتنا مع رصيد آخر أكثر أهمية من رصيد الهاتف، هو رصيد الأعمال الصّالحة والحسنات، هذا الرّصيد الذي ربّما ينشغل عنه العبد بأرصدة الدّنيا وشواغلها، حتى يصل إلى حدّ يصبح معه غير كافٍ لتفريج همّ أو كشف كربة أو إجابة دعاء أو تحصيل مطلب؛ يغفل العبد عن ميزان حسناته وتنسيه الدّنيا أن يدّخر لنفسه أعمالا صالحة يجد أثرها في الأوقات الصعبة والمواقف الحرجة، وبخاصّة في زمن مثل زماننا هذا الذي تتدفّق فيه الشّبهات والشّهوات من كلّ حدب وصوب، ويحتاج فيه العبد المسلم رصيدا من الحسنات والأعمال الصّالحة يكون عونا له بعد رحمة الله على الثّبات والنّجاة.

جميعنا نعلم حديث الثلاثة الذين أووا إلى غار في جبل، ففوجئوا بصخرة تسدّ مدخله، فسألوا الله بأخلص أعمالهم، واستحضر كلّ واحد منهم أعزّ وأغلى رصيد ادّخره للنّجاة، ليس في الآخرة فحسب، وإنّما أيضا في هذه الحياة الدّنيا، جميعنا نعلم هذه القصّة، لكن من منّا سأل نفسه وتساءل: ماذا لو كنتُ رابع أولئك الثّلاثة؛ ما هو العمل الصّالح الخالص الذي كنتُ سأدعو الله به؟.. كم مرّة ابتلي الواحد منّا بسطوة نفسه أو بقسوة قلبه أو بُلي ببليةٍ تأخَّر الفرج منها بسبب أنّ رصيده من الأعمال الصّالحة والحسنات لم يكن كافيا، ولولا رحمة الله لدامت عليه تلك الحال؟ في الأثر أنّ العبد المطيع الذّاكر لله تعالى، إذا أصابته شدّة أوسأل الله سبحانه حاجة، قالت الملائكة: “ياربّ صوت معروف، من عبد معروف”،أمّا العبد الغافل المعْرض عن الله، فإنّه إذا دعاه وسأله، قالت الملائكة: “ياربّ، صوت منكر، من عبد منكر”.. نبيّ الله يونس –عليه السّلام- حينما دعا الله جلّ في علاه قائلا “لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين”، قالت الملائكة: يا ربّ صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال جلّ شأنه: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا ربّ، ومن هو؟ قال: عبدي يونس.قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفع له عمل متقبّل ودعوة مجابة؟ يا ربنا، أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرّخاء فتنجّيه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه في العراء. (رواه ابن أبي حاتم في تفسيره).

رصيد الأعمال الصّالحة الخالصة لوجه الله ربّ البريات، هو أرجى ما يؤمّله العبد المؤمن بعد رحمة الله لإجابة الدّعوات ونيل المطالب وتحقيق الأمنيات، والثّبات أمام الشّهوات والشّبهات، والنّجاة من الخطوب والمدلهمّات، وهو خير ما يدّخره العبد -بعد رجاء رحمة الله- لما بعد الممات؛ لظلمة القبر وأهوال يوم الكربات، وكلّما كان العمل أخلص لله وأحبّ إليه جلّ في علاه وأنفع لعباده، كان أثره في إجابة الدّعاء وكشف الهموم والغموم والكربات أعظم وأعظم، لأجل هذا فإنّه ينبغي للعبد المؤمن أن يكون أكثر حرصا على شحن رصيده من الأعمال الصّالحة والحسنات منه على شحن رصيد هاتفه، وأكثر اهتماما بما يصله بالخالق جلّ في علاه، منه على ما يصله بالمخلوقين الذين لا يملكون له نفعا ولا ضرّا إلا فيما أذن به الله.

يومُ العمُر!

لم يكن ذلك الرجلُ يعلم أنَّ اليومَ الذي أماطَ فيه الشوكَ عن طريق الناس كان أفضلَ أيام حياته، إذ غفَر اللهُ له به.. ولم تكن المرأةُ البغيُّ تتوقَّعُ أن يكونَ أسعدَ أيام حياتها ذلك اليوم الذي سقَت فيه كلباً أرهقه العطشُ فشكر اللهُ صنيعَها وغفر لها.. كان أسعد أيام يوسفَ عليه السلام كان ذلك اليوم الذي انتصرَ فيه على داعي الغريزة ووقف في وجه امرأة العزيز قائلاً: (معاذ الله)، فترقَّى في معارج القُرب، وحظيَ بجائزة (إنه من عبادنا المخلَصين)).. الذين شهدوا بدرًا قيل لهم: “اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، ولما طأطأ طلحةُ ظهرَه للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ يومَ أحُدٍ ليطأهُ بقدمه قال له: “أوجَبَ طلحة”، أي الجنة.

إنّ العبد قد يكتبله عزّ الدّهر وسعادة الأبد بموقفٍ يهيّئ اللهُ له فرصتَه، ويقدّر له أسبابه، حينما يطلعُ على قلب عبده فيرى فيه قيمة إيمانية أو أخلاقية يحبُّها، فتشرقُ بها نفسُه وتنعكسُ على سلوكه بموقف يمثّل نقطةً مضيئةً في مسيرته في الحياة، وفي صحيفة أعماله إذا عُرضت عليه يومَ العرض.

فيا أيها المبارك، أينَ يومُك؟ هل أدركته أم ليس بعد؟ توقَّعْ أن يكون بدمعةٍ في خلوة، أو مخالفةِ هوىً في رغبة، أو في سرور تدخلُه إلى مسلم، أو مسح رأس يتيم، أو لثم قَدم أمّ، أو قول كلمة حق، أو إغاثةِ ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو كظم غيظ، أو إقالة عثرة، أو سَتر عورة، أو سدّ جوعة… وهكذا، فأنت لا تعلمُ من أين ستأتيك ساعةُ السّعد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • جلال

    كيف يعقل أن يرفض المفسرون والشيوخ كل الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني، على أساس أنها دخيلة على الإسلام؛ ويقبلون بتفسيرات مبنية على مرويات يهودية ونصرانية؟يعتبر العديد من الباحثين بأن هذه الإسرائيليات كان لها أثر سيء في التفسير، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالية المخترعة والأخبار المكذوبة والأحاديث الموضوعة.

  • خط مشغول يرجى اعادة الاتصال

    وهل هناك غير ذلك

  • شخص

    لقد ذهبت الغفلة بـ 99.99 % من المسلمين و لا حول و لا قوة إلاّ بالله

  • مامون

    صدقت وذكرت فلك الشكر ولله الحمد.