-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مواكبة التطور وضمان الخدمة العمومية ومحاربة الفساد

رقمنة الرأي العام.. جسر نحو الجزائر الجديدة

عزوز بلعمري
  • 853
  • 0
رقمنة الرأي العام.. جسر نحو الجزائر الجديدة
أرشيف

تراهن السلطات الجزائرية على الرقمنة في مختلف المجالات والقطاعات، للوصول إلى ما يسمى الحكومة الالكترونية أو مجتمع المعلومات أو مرحلة الذكاء الاصطناعي، وهي كلها مصطلحات تتقاطع مع أهمية التكيف مع ثورة تكنولوجيات الإعلام والاتصال وتعميمها أفقيا وعموديا، لضمان مكانة في عالم أصبحنا لا نفرق فيه تقريبا بين الافتراضي والواقعي أو بين الحقيقة والكذب.

ولمواكبة الرقمنة انطلقت الجزائر في إعداد استراتيجيات في عديد القطاعات للتأقلم مع تحولات العالم الرقمية، من خلال تدارك التأخر والتحسيس والتوعية وكذا نشر التكنولوجيات الحديثة بين مختلف فئات الشعب للتقليص من الفجوة الرقمية، إضافة على محاربة الأمية الرقمية التي قد تكون أكبر عائق لتحقيق هذا المشروع. ويعد المورد البشري حجر الزاوية في إنجاح الانتقال الرقمي، لأن الوسائل التقنية يمكن أن نشتريها في ظرف أسابيع أو أشهر، أما تحضير شعب بأكمله يتطلب عقودا من الزمن.

ويلعب الإعلام دورا بارزا في تحضير الشعوب وتهيئتها، وتحصينها من سلبيات الانتقال إلى عالم الرقمنة وهو ما من شأنه أن يجعل الجزائر تتفادى الكثير من الأخطاء السابقة على غرار الدخول في اقتصاد السوق دون تحضير مسبق، أو إقرار التعددية دون تكوين ودون تهيئة وتحضير. ونسعى من خلال هذا الاستطلاع إلى التركيز على أهمية الانتقال الرقمي في الإعلام الجزائري من الورقي إلى الالكتروني كحتمية تدريجية حتى نتفادى الصدمة الإعلامية، بالتركيز على أهمية نقل الرأي العام. وأي تأخر أو سوء تقدير في الانتقال الرقمي سيجعل “الحق في الإعلام والخدمة العمومية” مهدّدين مستقبلا.

الرقمنة حتمية في الإعلام

كشف الدكتور حكيم بوغرارة أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة المدية، وصحافي سابق أن الرقمنة أصبحت حتمية في الإعلام الجزائري بالنظر للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتكنولوجية، قبل أن جد الكثير من الصحافيين أنفسهم خارج الخدمة وأوضح بوغرارة من خلال دراسات، وتحقيقات يقوم بها في هذا الميدان أن الأزمات المالية والاقتصادية، والتحوّلات التكنولوجية الرّقمية أدت إلى غلق العديد من المؤسّسات الإعلامية التقليدية في ظل غياب أيّة مؤشّرات على تحسّن الوضع مستقبلا. وهذه الأزمة لم تقتصر على الجزائر فحسب، بل أعلنت العديد من الصّحف العالمية التوقف عن الصّدور على غرار جريدة “السّفير” اللبنانية بعد أكثر من 42 عاما من التّواجد، وشرعت العديد من الصحف العالمية العريقة في الانتقال التدريجي إلى نسخ الكترونية.

وحسب إحصائيات نشرتها وزارة الاتصال سنة 2017  سجل إفلاس 60 صحيفة من أصل 200 صحيفة، وتوقفت عن الصدور 26 جريدة و34 أسبوعية، كما كشفت وزارة الاتصال في أكتوبر 2020 أن مبيعات الجرائد الورقية انخفضت مبيعاتها بنسبة 80% بسبب الأزمة الاقتصادية، وكذا توجه الجمهور إلى تصفح الأخبار والمعلومات عبر شبكة الانترنيت في هاتفه النقال و في الوقت الذي كشفت السلطات عن وجود 180 جريدة يومية تنشط حاليا، وما يقارب 8500 صحفي، و50 قناة تلفزيونية، و140 صحيفة وموقعا الكترونيا في سنة 2020 ، الأمر الذي بات يستنزف ميزانيات ضخمة من طرف الدولة على غرار “الورق المدعم”.

الإلكتروني .. البديل

يتوقع الصحافيون أن تزول الصحافة الورقية لعديد الأسباب أهمها تغير نوعية القراء، وتراجع اهتمام المواطن بالحياة السياسة فضلا عن ظروف الممارسة المهنية التي باتت صعبة سواء داخل قاعات التحرير وخارجها الأمر الذي حول الجريدة الورقية إلى ديكور مكتبات فقط، بيد أن جريدة “الديلي ميل” و”الأندبندنت” الانجليزيتين توقفتا عن الطبع الورقي منذ سنوات، وتوجّهت للطبعة الالكترونية. واعتبرت العينة التي قمنا باستجوابها أن جيل الأنترنيت، “الفايسبوك” و”تويتر”، يفضل المعلومة المركزة في حينها التي تسمح له بالتعليق والتفاعل معها، بعيدا عن وسائل الإعلام التقليدية التي هي في طريق الزوال واعتبرت العينة في سياق متصل، أنّ البحث عن نماذج اقتصادية جديدة يفرض على هذه المؤسسات (الجرائد) تنويع مصادر تمويلها، وبالتالي ضخ أموال جديدة والاستثمار في تنويع النشاطات.

مصاريف أقل .. انتشار أكبر

أكد الأستاذ حكيم بوغرارة أن الرقمنة تسهل على الهيئات الرقابية المالية، والضريبية في كتشف الثغرات والفساد، لذلك ربط المؤسسات الإعلامية رقميا بهيات الضرائب والعدالة ومجالس المحاسبة سيعمل على حماية الإعلام من أية شبهات، وسيسمح الانتقال إلى الرقمنة من تطوير سوق الإشهار ويشجع المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة أو العملاقة من الإقبال على الإشهار الالكتروني الذي يسمح بالوصول إلى كل العالم بمجرد نقرة واحدة. وفي سياق متصل تحدث مصطفى سحاري أستاذ علوم الإعلام والاتصال من جامعة المدية عن أهمية تحضير التشريعات اللازمة للانتقال الرقمي تفاديا للفوضى التي شهدنا في السمعي البصري، وحتى الصحافة الالكترونية التي كانت تختار دولا أجنبية لتوطين صحفها الالكترونية، وبالتالي فالبدء بتشريعات تراعي خصوصيات وظروف الجزائر أحسن ضامن للانتقال الناجح، وأشار في سياق متصل أن الصحف الالكترونية ستستفيد كثيرا من اقتصاد وتوفير تكاليف الطبع، والتوزيع وأوضح الأستاذ سحاري أن تخصيص الميزانيات لتشجيع العمل البشري على الاستثمار في الصحافة الرقمية قد يمكن الجزائر من شبكة صحافة وطنية وجوارية عبر مختلف كل ربوع الوطن.

الدعم عبر قوانين المالية لرقمنة الإعلام

من محاور دراسة مستقبل الصحافة الورقية والانتقال للصحافة الالكترونية أكد الأستاذ حكيم بوغرارة أن المقابلات التي أجراها مع خبراء علوم الإعلام والاتصال أفضت إلى ضرورة توفير دعم مالي لمختلف وسائل الإعلام غبر قوانين المالية في سياق المساهمة في الحفاظ على الخدمة العمومية، ومساعدة الإعلام . ونبه الخبير فضيل دليو عميد كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة، أنّ مستقبل الصحافة الورقية بات في خطر نتيجة الزحف التكنولوجي الذي سيبتلعها اليوم أو غدا. ويرى دليو أنّ المؤسّسات الإعلامية مطالبة بالتوجه للإعلام الجواري الذي يعتبر ناجحا ومستقبلا للجماهير، مثلما أبانت عنه تجارب عديد الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

مخاوف..!؟

دعت الأستاذة وردة حمدي أستاذة علوم الإعلام والاتصال الصحافيين إلى التأقلم مع التحولات الرقمية، والإقبال على الصحافة الالكترونية تحسبا للمستقبل، لأن التحولات العالمية والمستويات التي وصلتها الكثير من الدول على غرار الصين وماليزيا، والغرب تدفعنا لتدارك التأخر الرهيب في هذا المجال لأن الوقت لا يسمح بالتردد أكثر أو الخوف من الانتقال إلى عالم الرقمنة أو الذكاء الاصطناعي.

وقالت المتحدثة إن حصر الانتقال الرقمي في المؤسسات الإعلامية فقط خطأ جسيم لأن مهمة وسائل الإعلام الكبرى كيفية إقناع الرأي العام وجمهورها للانتقال للعالم الرقمي وتعويده على كيفية استعمال التقنية للحفاظ على علاقة المجتمع بوسائل الإعلام.

التشريعات محور النجاح ..

لا يخفى على أحد أن فوضى التشريعات واختلالها وتأخر المراسيم التطبيقية لمختلف قوانين الإعلام العضوية كانت إحدى أكبر الأسباب التي جعلت الإعلام الجزائري يتأخر بالمقارنة مع الكثير من تجارب الدول، لذلك فوضع نصوص تشريعية محينة وخالية من الثغرات تراعي خصوصيات الجزائر.

وطالب الكثير من الصحافيين الذي حاورناهم بضرورة إعادة إرجاع المادة 11 من قانون الإعلام 90 /07، وإرجاعها في مختلف قوانين المالية المستقبلية التي تتيح للصحافيين إمكانية الدخول كمساهمين في رأسمال المؤسسات الإعلامية لضمان حقوقهم في حالة الغلق أو وقوع إفلاس. وتعتبر المادة 68 من قانون الإعلام 12/05 محور انشغال الصحافة الرقمية أو الالكترونية والتي تنص صراحة على “..إنتاج مضمون أصلي موجه للصالح العام” الصحافيون مطالبون بإنتاج مادة إعلامية بعيدا عن النسخ واللصق، مادة تكون أصلية من إنتاجهم وتتطابق مع المادة 2 من قانون الإعلام 12/05 . وتسعى وزارة الاتصال إلى استدراك التأخر في إصدار المراسيم التطبيقية وتأسيس الهيئات على غرار سلطات الضبط ومجلس آداب وأخلاقيات المهنة التي نص عليها قانون الإعلام 12/ 05 . ومع إشارة التعديلات الدستورية في المادة 54 إلى ضمان حرية التعبير والصحافة بما فيها الصحافة الالكترونية باعتماد مبدأ التصريح، أي إمكانية النشاط بعد دفع الملف مباشرة عكس نظام الترخيص مع منح القضاء صلاحية إيقاف النشاط حتى تكون الأمور شفافة بعيدا عن التعسف الإداري.

التربية الإعلامية لرقمنة الرأي العام

لا يمكن التفكير في انتقال الإعلام الورقي إلى الرقمي دون تحسيس وتحضير جمهور وسائل الإعلام أو الرأي العام بأهمية الشروع في تحضير أنفسهم للتعامل مع إعلام الكتروني رقمي شكلا وموضوعا، تفاديا لما يسمى الصدمة الإعلامية للرأي العام. ولم يعد الفرد رهينه المؤسسات التقليدية بل بات يتعامل مع إعلام رقمي يتيح يفرض مضامين متنوعة ومختلفة وغزيرة. ويؤكد الأستاذ أحمد بسام الشريف من جامعة المدية على ضرورة الاهتمام بالجمهور وتحضيره للمستقبل أمام هذا الوضع الجديد وعدم التخوف منه لبناء جيل جديد أو تحضيره لمستقبل تميزه العولمة ومحاولة طمس مختلف الثقافات والشخصيات.

وأكد ذات المصدر أن التربية الإعلامية في الجزائر تعرف اهتماما متزايدا من خلال تقارب قطاع التربية الوطنية والإعلام في السنوات الأخيرة.

ومصطلح التربية الإعلامية الذي ظهر حديثا قطع أشواطا كثيرة في العديد من الدول الغربية والعربية وقد سعت الجزائر لمواكبة التحولات من خلال البحث عن أحسن السبل للوصول إلى مناهج وصيغ تمكن التلاميذ من تجربة الإعلام في بناء شخصيتهم، وتحضيرهم للتعامل مع المضامين الإعلامية مستقبلا.

وتحمل المضامين الإعلامية الكثير من الرسائل التي يجب أن نحتاط لها من خلال إدماج الإعلام كمادة أساسية تدرس في مختلف الأطوار. ويمكن للإعلام أن يلعب دورا بارزا في مرافقة التربية الوطنية من خلال توظيف التكنولوجيات الحديثة للسماح للمدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى لمواكبة ثورة رقمية خالية من الآثار السلبية ومن ثم تحضير الرأي العام المستقبلي للتعامل السليم مع الإعلام الرقمي الذي سيصبح سماء مفتوحة بدون قيود.

وتبقى التجربة البلجيكية رائدة في هذا الجانب من خلال اعتماد التربي|ة الإعلامية على مراكز الموارد البشرية التي تعمل على تكوين أساتذة في كيفية التعامل مع مضامين وسائل الإعلام وتحليل وتفسير مختلف الرسائل الإعلامية لتدريب التلاميذ على التعامل معها بالحفاظ على القيم الوطنية،وخاصة اللغة والتراث والتقاليد.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فهناك انتشار لما يسمى محاربة “الأمية الإعلامية وقد لجأت واشنطن إلى تنظيم دورات للطلاب والمعلمين في مختلف أطوار المنظومة التربوية لمحو “الأمية الإعلامية” كشكل من أشكال التربية الإعلامية عبر مناهج مدروسة بدقة موجهة “لمعلمي ما قبل الخدمة”.

وترتكز مناهج محو الأمية الإعلامية من خلال الحرص على تعليم المعلمين على ضرورة منح الحق في التعبير لكل التلاميذ والطلبة والتعبير عن آرائهم بكل حرية مع التشديد على ضرورة أن يحترم كل واحد الآخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!