-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان هذا العام.. ألم وأمل

سلطان بركاني
  • 572
  • 2
رمضان هذا العام.. ألم وأمل
ح.م

ها هو رمضان يعود مرّة أخرى، لكنّه يعود هذا العام في ظروف خاصّة ومختلفة؛ العمرة معلّقة، وأعمال الخير والبرّ قلّت، وبيوت الله لا تزال تئنّ وتشكو إلى الله غربتها، وما كان المسلمون يخشونه أصبح أمرا واقعا، أوّل رمضان من دون مساجد. حتى المفرّطون الذين كان الواحد منهم لا يكاد يعرف للمسجد طريقا، تمنّوا قبيل رمضان أن تفتح أبواب بيوت الله في شهر التّوبة والغفران، ليسمعوا آيات الله تتلى في صلاة التراويح وتذاع من على المآذن. هذه حال من لم يكونوا يعرفون للمسجد طريقا، كيف بعباد مؤمنين ألفوا حثّ الخطى إلى بيوت الله ولا تكاد تفوتهم صلاة في بيوت الله؟ كيف برجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ كيف بأولئك الذين ألفوا في رمضان موائد الإفطار الجماعيّ، وألفوا التبكير لصلاة التراويح والصّبر فيها إلى آخر ركعة؟ كيف بأولئك الذين كانوا يسبلون الدّمعات في تلك الصّلاة؟

صحيح أنّ في وسع كلّ مؤمن أن يصلّي التراويح في بيته، وحده أو مع أهله، وصحيح أنّه ليس بعد نازلة تعطيل الجمعة محنة أكبر منها، لكنّ محنة رمضان من دون مساجد لها وقعها على قلوب عباد الله المؤمنين؛ فمِن عباد الله من لم يسبق لهم طول حياتهم أن شهدوا مثل هذا البلاء.

لكن رغم هذا البلاء الثّقيل على النّفوس، فإنّ عباد الله المسلمين مع أملهم في الله أن يكشف عنهم هذا البلاء قريبا ليعودوا إلى بيوته، ويحجّوا ويعتمروا بيته الحرام، يترقّبون أعواما قادمة تنكشف فيها الغمّة عن الأمّة.. قلوب عباد الله المؤمنين بدأت تشرئبّ إلى نهاية زمان الظّلم والطّغيان، وبداية زمان العدل والإيمان، الذي تكون بدايته بتلك البيعة المباركة بين الرّكن والمقام.

لا أحد يدري متى يكون العام الذي يبدأ فيه زمن العزّ والتّمكين، لكنّ القلوب بدأت تخفق بأنّه بات قريبا.. لا يمكن لبشر مهما أوتي من العلم والإمكانات أن يجزم بموعد محدّد لأيّ حدث يُتوقّع أن تشهده الأرض، ولا أحد يضمن أن يعيش ليدرك شيئا ممّا هو قادم، لكنّنا جميعا مدعوون الآن وأكثر من أيّ وقت مضى لنستعدّ ونهيّئ أنفسنا لكلّ ما هو قادم.. قبل أكثر من1430 سنة نزل قول الله تعالى: ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر))، وقوله سبحانه: ((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون)).. كيف بنا نحن في هذا الزّمان ونحن ننتظر آخر أمارة من أمارات الساعة الصّغرى، ظهور المهديّ المنتظر؟

جميل أن يكون رمضان هذا العام منطلقنا للاستعداد لما هو قام، بل لما نحن مقبلون عليه.. ربّما نكون –والعلم عند الله- مقبلين على أيام تكون صعبة، تليها أيام فرج وتمكين بإذن الله، وكلّنا في حاجة لأن نصلح أنفسنا ونقوّم اعوجاجها.. لأن نتوب إلى الله من غفلتنا وتقصيرنا وقسوة قلوبنا.. في حاجة لأن ننظّم حياتنا وأوقاتنا، ونقدّم لأنفسنا أعمالا يثبّت الله بها قلوبنا في أيام المحن والفتن، ويرضى بها عنّا وينجينا من عذاب القبر وعذاب النّار.

رمضان فرصتنا لنصحّح علاقتنا بكتاب الله، كنز السّعادة وأصل الهداية والتوفيق، ونزداد اهتماما ليس فقط بتلاوته لكن الأهمّ من ذلك أن نقبل أكثر وأكثر على تدبّره.. رمضان فرصتنا لزيادة اهتمامنا بالصّلاة ومجاهدة أنفسنا على الخشوع، فأكثر النّاس ثباتا في الفتن والمدلهمّات أكثرهم خشوعا في الصّلاة، وأكثر النّاس فلاحا في الدنيا أكثرهم خشوعا في صلاته، وأعلى النّاس مقاما في الآخرة أكثرهم محافظة على الصّلاة وخشوعها.. رمضان فرصتنا لننظر في أحوالنا كم يأخذ ذكر الله من أوقاتنا؛ هل نحن من الذين ((يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم))، أم من ((َلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً))؟ هل نحافظ على أذكار الصّباح والمساء والنّوم والاستيقاظ والدّخول والخروج؟ كم مرّة يستغفر الواحد منّا ربّه كلّ يوم؟ كم مرّة يصلّي على الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ كم مرّة يدعو لوالديه وأمّته؟ .. رمضان فرصتنا لنعيد النّظر في همومنا التي تشغلنا؛ ما الهمّ الأكبر الذي يشغل بال كلّ واحد منّا؟ أ هو همّ الدّين أم هو همّ الدّنيا؟ همّ نفسه وأولاده، أم همّ أمّته؟ أيامنا وشهورنا وأعوامنا القادمة تحتّم على كلّ واحد منّا أن يعلي همّته ويعلو بهمّه، ويهتمّ بعلم آخر الزّمان، وبعمر ومسيرة أمّة الإسلام، لعلّ الله يوفّقه ويجعل له دورا وموطئ قدم في ما الأمّة مقبلة عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ou va l'algerie

    رمضان هذا العام.. ألم وأمل... رمضان هذا العام لا يختلف في شيء عن رمضان السنة الماضية وقبلها .. بل لا يختلف عن رمضان 2010 و 2009 و 2008................................. الخ فالألم يعيش معنا وبيننا ومنذ الأزل والأمل يراودنا دائما لكنه ليس الا حلما لم ولن يتحقق أبدا

  • جزائري

    بصراحة بالنسبة لي ليس هناك اي مشكل لان علاقة الانسان الحقيقية مع الله ثابتة لا تتغير مهما تغيرت الظروف . المسالة ليست مسالة بهرجة وغاشي ومظاهر خارجية انما هي ما وقر في القلب وصدقه العمل . ما وقر في القلب لا يغيره اي شيىء وما يصدقه العمل يمكن العمل به صلاة او صوما او زكاة او احسانا لفقير او لمريض او لمحتاج .... القاءمة لا تنتهي . فاين هو المشكل . الله سيحاسبنا نسبة للظروف اللتي نعيشها وامكانياتنا وحتى صبرنا على الظروف ان كانت استثناءية . اذن ما هو مهم هو صدقنا مع الله في ايماننا واعمالنا والباقي تفاصيل .