-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رواد بيوت الله ودرس مهمّ في الانضباط

سلطان بركاني
  • 484
  • 2
رواد بيوت الله ودرس مهمّ في الانضباط
ح.م

مع إعادة فتح أبواب المساجد، صَنع رواد بيوت الله صورا رائعة من النظام والانضباط واحترام التدابير الوقائية، وهي الصور التي خلت منها مختلف الإدارات والأماكن العامّة والخاصّة، ما يدلّ على أنّ المسجد لا يزال يحظى بمكانة خاصة في قلوب رواده، وأنّ كلمة الإمام، رغم محاولات الصدّ والتّهوين، لا تزال لم تفقد بريقها وتأثيرها.

 أثبتت صور الانضباط التي صنعها المصلّون أنّ الإبقاء على إغلاق المساجد،خمسة أشهر كاملة، كان إجراء بُني على سوء تقدير لسلوك مَن وصفهم القرآن بأنّهم “رجال”، وحمَل ظلما كبيرا لبيوت الله التي عوملت معاملة المقاهي والأسواق والشّواطئ، ولروادها الذين أسيئت بهم الظّنون، وسلقهم بعض العلمانيين والمتفكّهين بألسنة حداد أشحّة على الخير، واتّهموهم بالفوضى وقلّة الانضباط، استنادا إلى توقّعات متشائمة، ساهم فيها بعض الأئمّة الذين أبدوا تخوّفهم من عدم القدرة على إلزام جموع المصلّين بالتدابير الوقائية، ما ينذر –حسبهم- بزيادة انتشار الوباء! وذهب بعض الأئمّة بعيدا وطالبوا بالتريث في فتح المساجد إلى حين انقشاع الوباء نهائيا! بينما طالب كثير من الأئمّة، خاصّة منهم خريجو الجامعات، بفتح بيوت الله، وراهنوا على أنّ الأئمّة والمصلّين سيكونون في مستوى التحدي، وأنّ شباب المساجد سيعوّضون النّقص الفادح في أعداد الموظّفين الذين تناط بهم مهمة تنظيم الوافدين إلى بيوت الله.. وهو ما صدّقه الواقع، في الأيام الأولى لفتح أبواب المساجد، حيث تبيّن للجميع أنّ المراهنة على حسّ المصلّين، رهان صائب، وأنّ رواد بيوت الله، حينما يوضعون أمام التحدّي، ويشعرون بأنّ دينهم أصبح غرضا؛ يرفعون التحدّي، غيرة للدّين وإرغاما للمغرضين.

صور الانضباط في بيوت الله، أثبتت –كذلك- أنّه يمكن الاستثمار في صوت المسجد وكلمته ومكانته لرفع منسوب الوعي لدى المجتمع، وهنا تبرز الحاجة إلى الاهتمام أكثر بمنصب الإمامة، وبمستوى الأئمّة، وتخيّر الأكفاء من خريجي الجامعات والمعاهد الإسلامية ليضطلعوا بالدّور الأساس المنتظر منهم في توعية المجتمع، في الأحوال العادية، وفي أوقات الفتن والأزمات.

لقد آن أوان الكفّ عن النّظر إلى الأئمّة على أنّهم موظّفون لا تتعدّى مهمتهم تقدّم صفوف الصّلاة وإلقاء الخطابات الجاهزة والمؤطّرة.. ينبغي أن تهتمّ الدّولة بتكوين الأئمّة تكوينا حقيقيا ومكثفا، يرتكز على المادّة العلمية والعملية، ويهتمّ بأساليب التأثير والتوعية والتوجيه؛ فالإمام في هذا الزّمان، ينتظر منه أن يكون مفكّرا يحمل ثقافة شرعية مؤصّلة وثقافة عامّة محترمة في شتى العلوم والمعارف التي يحتاج إلى استعمالها وتوظيفها في تبليغ رسالته، كما ينتظر من صوته أن يكون الصّوت الأعلى في مدلهمّات الأمور.

لقد ارتكزت سياسة التوظيف في عقود مضت على إقصاء خريجي الجامعات وحاملي الشهادات العليا، وعلى إعطاء الأولوية لخريجي المعاهد والزوايا، لا لشيء إلا لأنّ هؤلاء –في غالبهم- يحملون ولاءً كاملا للجهات المسؤولة، لا يحيدون قيد أنملة عمّا تختاره وتأمر به، لكنّ كثيرا منهم يحملون ثقافة شرعية متواضعة، ومنهم من هو منقطع عن واقع الأمّة وواقع الفكر الإسلاميّ، غير مهتمّ بالسجالات الحاصلة ولا بالشّبهات المستجدّة التي ينفثها الملاحدة والعلمانيون ودعاة الأديان المحرّفة والمذاهب المخترعة، وبالتالي يجد كثير من هؤلاء الأئمّة أنفسهم عاجزين عن الردّ على تساؤلات الشّباب المتعطّش إلى قوة الحقّ وصولته.. ولهذا فإنّ المصلحة تقتضي إعادة النّظر في سياسة التوظيف وإتاحة الفرصة لحملة الشهادات العليا وللدّكاترة والدّعاة والمفكّرين لاعتلاء المنابر وتأطير المساجد.

كما ينبغي –أيضا- الكفّ عن النّظر إلى بيوت على أنّها مؤسّسات استهلاكية لا تقدّم للمجتمع والبلد شيئا؛ فالمساجد يمكن أن تتحوّل،إضافة إلى اضطلاعها برسالتها الأساسية، إلى فضاءات لنشر الوعي والرقي بالفكر، ويمكن أن تكون منطلقا لنشر قيم الإنسانية والتعايش، واحترام قيم العيش المشترك، بعيدا عن أجندات النظام العالمي الرامية إلى صهر الإسلام في قالب “إنسانية” تحيد بالإنسان عن الفطرة السوية.

بيوت الله، تستحقّ أن تُولى أهمية تفوق تلك التي تولى للمراكز الثقافية، بل للمدارس؛ فإذا كانت المدارس يناط بها تعليم وتربية النشء، فالمساجد يناط بها تقويم أيّ اعوجاج يطرأ على سلوك الأفراد، وتوجيههم الوجهة السّليمة لتبني العقائد الصحيحة ونبذ الخرافات، ولزوم العبادات المشروعة ونبذ المحدثات، والتحلي بالأخلاق الفاضلة والبعد عن الأخلاق الذميمة وسيّئ العادات.. وإذا لم يتعلّم أفراد المجتمع الإخلاص في العمل وحفظ الأمانات والعهود والحرص على لقمة الحلال، في بيوت الله، فأين تراهم يتعلّمونها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • شخص

    الحمد لله على نعمة الإسلام

  • احمد

    نيتك الحسنة ....وليس كل جامعي امام كما ليس خريج المعهد قاصر الثقافة والامة يااستاذ لا تحتاج من يعلمها صنع الطائرات في المسجد ولا اقامة مناظرات تشبع بها غرور الجامعين للفتاوي بل تحتاج نماذج من الائمة رصيدهم يكفي لتعليم المسلمين امور دينهم ويتمتعون بسمت وقور وادب جم وحياء جراء جلوسهم امام العلماء والمربين الربانيين الذين لا تعرفهم وسائل الاعلام وتعرفهم ملائكة السماء
    وهذا ما يفتقده كثير ممن يلتحق بالمسجد ريثما يجد منصبا في الجامعة او في التجارة
    اللهم احفظ علماءنا وجمعيينا وائمتنا وكتابنا