-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رياح إقليمية تُشعل حرائق لبنان

رياح إقليمية تُشعل حرائق لبنان
ح.م

أنذرت حرائق لبنان بزلزال سياسي، يلتهم قواعد منظومة حاكمة، فقدت القدرة على التجانس، وهي تنمو في حاضنات دخيلة لم تُفض صراعاتُها يوما، وما اتفقت إلا على تقاسم سلطة تتوالى قدراتُها في تدمير كل بنى الحياة.

ما عرفت بيروت التي خرجت من رحمها حركة القوميين العرب، وجودا يأخذها بعيدا عن محيطها العربي، وتضحى اليوم وكأنها الباحثة عن هوية وجودها في خضم صراع إقليمي، جعلها ساحة تأكل كيان دولتها عبر مراحل تاريخها المعاصر.

ها هي بيروت تنتفض اليوم، وصرخات المنتفضين تهزّ أبواب قصر بعبدا، وتخرج “الجنرال” ميشال عون من صمته المعتاد، فهو المنتشي بلقب رئيس في بلد تتقاذفه الظروف، كما يخرج سعد الحريري المتلعثم كعادته من تحت عباءة “حزب الله” مهددا بفض شراكة لن تستقر من حركة اهتزاز قلقة.

لبنان يحترق، غابات الأرز التهمتها النيران، وغادر أبناء شعبه المقهور منازلهم، معتصمين في شوارع طالما تغنت بليلها المثير، لا توقف فرق مكافحة الشغب زحفهم نحو قصور الترف الحكومي، رغبة في استرداد سيادة وطن مسلوب، بات الهائمون فيه ببطون خاوية، تزكم أنوفهم روائح حاويات القمامة المتراكمة منذ زمن الانحدار السياسي.

تضاربت الأنباء، وتنوّعت، نبأ يحكي قصة شعب استنفد كل قدراته في تحمّل مصائب الجوع، وهو يرى بطونا متخمة تتحصن في قصور مشيدة، ونبأ يحكي عن ثورة شعب ضد آفات فساد أكلت دون وازع خيرات وطن تضلل الأشجار المثمرة كل بقاعه.

بينما يحكي المتسللون خلف الكواليس عن تحلق المتقاسمين لمناصب السلطة حول طاولة مستديرة، يتدارسون سبل إيجاد مخرج آمن يعيد المنتفضين إلى منازلهم الخاوية من تموين غذائي، بإجراءات ترقيعية تُسقط هذا أو ذاك، وتستبدلهم بآخرين، دون المساس بقواعد منظومة سياسية تفكر جديا بإعادة تأهيل وجودها المرفوض شعبيا.

يدرك الشعب اللبناني المنتفض، أن تلك المنظومة السياسية لا تمثل نفسها أو لا تمثله أصلا، فهي مجرد واجهة شكلية لقوى إقليمية جعلت من لبنان ساحة لصراعاتها، وأطماعها التوسعية، لا يعنيها إعادة تأهيل بنى الحياة التي دمرتها الحروب الخاسرة.

هذا الواقع المتوارث في لبنان، المحكوم منذ استقلاله عن المستعمر الفرنسي، بدستور طائفي، يفرض أشكال المحاصصة في إدارة شأن الدولة، يأخذ انتفاضة شعبه بعيدا عن المطالبة بمجرد إصلاحات شكلية، لا تبلغ عمق الأزمة المعاشة هناك، دون الكشف عن جوهرها.

أما جوهر الأزمة التي كرّست مأساة لبنان المتجددة، هي التداخل في مؤسسات الدولة، والدور الذي تلعبه قواه السياسية المتنفذة دون مراعاة لوحدة قراراتها السيادية، بما يجعلها عرضة لاهتزازات أمنية واقتصادية، يدفع الشعب اللبناني ثمنها.

هنا تبدو انتفاضة لبنان الشعبية، التي تتزامن مع انتفاضة العراق الدموية، هي دعوة لا لبس فيها لإخراج البلاد من دائرة الصراعات الإقليمية، وإبعادها عن مرمى مدافع الحروب التي تحركها أياد خارجية، لا تجني من وراءها سوى تدمير ما تبقى من بناها التحتية، وهد أركان اقتصادها الهش.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!