-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ريّاتهم وسكيناتنا!

سمية سعادة
  • 5193
  • 0
ريّاتهم وسكيناتنا!
ح.م

“باشر صاحب البيت الجديد عملية حفر البئر، وإذ به يعثر على هيكل عظمي تبين فيما بعد أنه لزوج السيدة التي باعته بيتها بأحد الأحياء السكنية في وهران والتي هوت عليه بآلة حادة قبل خمس سنوات فأردته قتيلا ودفنته في البئر وادّعت أنه هجرها دون أسباب”، وأنا أقرأ هذا الخبر، تصورت أنني أمام أحد المشاهد الأكثر تأثيرا في مسلسل رية وسكينة والتي قام فيها الساكن الجديد لإحدى الحجرات في حارة قديمة بالحفر في أرضيتها للقيام ببعض أعمال السباكة وإدخال الماء، وإذ به يفاجأ بعظام آدمية جعلته يتعثر في جلبابه وهو يحاول أن يهرب من الغرفة، لتتمكن الشرطة فيما بعد من اكتشاف العصابة التي وقفت وراء اختفاء الكثير من النساء المصريات في بداية القرن العشرين.

ورغم مرور نحو قرن من الزمن على إعدام رية وسكينة، إلا أن المجتمع المصري، وحتى العربي، مازال لا يحتفظ في ذاكرته إلا بهذه الجريمة، حتى بعد أن قام سيناريست مصري بتبرئة الأختين اللتين أثبت بالمستندات أنهما كانتا تناضلان ضد الاحتلال الانجليزي لذلك عندما قبض عليهما  لفق لهما تهمة قتل النساء.

أما في مجتمعنا الجزائري، فليس هناك على الأرجح، من يحتفظ في ذهنه بجريمة قتل معينة ارتكبتها امرأة، ليس لأن جرائم القتل أصبحت من الأخبار اليومية التي تتصدر الصحف، بل لأن عددا لا يستهان به من النساء الجزائريات تلوثت أيديهن بجرائم قتل في غاية البشاعة والفظاعة، آخرها الجريمة التي ارتكبتها أربع نساء في حق الطفل أحمد ياسين في بشار.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما الذي جعل هؤلاء النساء الجزائريات، يتجردن من العاطفة والمشاعر المرهفة التي تميز المرأة عن الرجل، خاصة وأن أكثرهن، بل كلهن نساء عاديات وربات بيوت ولسن زعيمات عصابة وصاحبات سوابق؟، ما الذي طرأ على المجتمع الجزائري حتى تقوم أخوات ثلاث، وزوجة أخيهن بقتل طفل صغير والتنكيل بجثته للتخلص من العنوسة والعقم؟ أيعقل أن يكون هذان السببان أقوى من إزهاق روح طفل لم يتعد سنه السادسة؟، وكيف خطر على بال هؤلاء المجرمات اللواتي اعترفن بجريمتهن، أنهن سيهنأن بالزواج والإنجاب على جثة صغير قتلنه بطريقة وحشية وكأنهن ينتقمن من العنوسة والعقم؟ وهل يعقل أن المشاكل والخلافات بين الزوجين مهما بلغت حدتها تكون دافعا قويا لأن تقتل المرأة زوجها وتدفنه في البئر أو تقطّع جثته وتضعها في كيس مثلما فعلت امرأة في الشرق الجزائري، أيعقل أن تحدث هذه الجرائم لولا أن صاحباتها تصورن للحظة أن القتل أهون من الأسباب التي دفعتهن إلى ذلك؟.

جرائم نسائية كثيرة لا يمكن حصر أسبابها ودوافعها أصبحت”ترتطم”بأبصارنا وأسماعنا بين يوم وآخر، وكلما أردنا أن نفهم أسباب هذه الجريمة، باغتتنا امرأة أخرى بجريمة ليست أقل منها بشاعة، وكأنها تقول لنا:”ليست وحدها من تستطيع أن تقتل”، أو تقول” لست أخشى المصير الذي ينتظرها” وقد يقول قائل أن هذه الجرائم حالات استثنائية، ولكن من يستطيع أن يتنبأ بأنها ستتوقف عند هذا الحد إذا كانت ترتكب من طرف نساء لم يتوقع منهن أن يرتكبنها، لذلك ليس من قبيل المبالغة أن نقول أننا أمام مجتمع نصفه في العيادة النفسية، والباقي في غرفة الانتظار كما يقول المفكر رشدي فكار، وعلينا أن نسابق الزمن لعلاج الأمراض النفسية التي استفحلت بين الجزائريين بشكل مضطرد، والتي نحاول إسكاتها وتكميم فمها حتى لا يقال عنا مجانين، أوليس الأفضل أن يقولوا عنا مجانين، أفضل من أن يقولوا قتلة؟!.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!