-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ساركوزي‭ ‬وتقنين‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬

محمد قيراط
  • 3733
  • 0
ساركوزي‭ ‬وتقنين‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬

أثارت قضية الحجاب والنقاب والمسلمين في فرنسا، خلال العقود الماضية، نقاشات ساخنة وجدالا حادا بين أطراف عديدة في الوسط السياسي والرأي العام الفرنسي. خلال الأسابيع الماضية طُرح للنقاش موضوع الإسلام واللائكية بداعي “حماية النظام الجمهوري من مخاطر التطرف” كما يقول “جان فرانسوا كوبي”، الأمين العام لـ “حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية”.

  • ما نشاهده هذه الأيام في فرنسا ومنذ مجيء ساركوزي إلى سدة الحكم هو حملة منسقة ومنظمة ضد الإسلام والمسلمين  والعرب، بدأت بإعلان الحرب على الخمار، ثم النقاب، ثم اللحم الحلال، ثم منارات المساجد،‭ ‬ثم‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأخيرا‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬واللائكية،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬استهداف‭ ‬الإسلام‭ ‬تحديدا‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى‭. ‬
  • في البداية يجب أن ننّوه بأن فرنسا حرة في اتخاذ ما يناسبها من قرارات وقوانين تطبقها على أرضها، لكن ما لا تستطيع فرنسا فعله هو أن تناقض المبادئ والقوانين والسياسات والشعارات التي أفرزتها الثورة الفرنسية قبل قرنين من الزمن. في سنة 1905 تبنّت فرنسا العلمانية، وفصلت بين الدين والدولة، وجعلت من الكنيسة مكانا للعبادة والتقرب من الله، لكن لم تعني العلمانية معاداة الدين أو تهميشه أو اتخاذ موقف ممن يمارس ديانته أو طقوسه الدينية. بالإضافة إلى هذا نلاحظ أن مبادئ الثورة الفرنسية تقوم على “الحرية -المساواة -الأخوة”. وهذا يعني حرية التدين والمساواة في التعامل مع أفراد المجتمع الفرنسي من مواطنين بعدالة تامة بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الأصل، أما الأخوة فتعني التلاحم التام بين المواطنين الفرنسيين بغض النظر عن مرجعيتهم وخلفياتهم وأصولهم. فالمجتمع الفرنسي يحوي شعوبا عديدة معظمها ينحدر من مستعمراتها السابقة، أما عن المسلمين في فرنسا فيقدر عددهم بخمسة ملايين، أما عن الجنسيات في فرنسا فهناك أكثر من مائة جنسية، وهناك فرنسيون من أصل عربي وإفريقي ولاتيني وآسيوي إلى غير ذلك.
  •        وإذا عدنا قليلا إلى الوراء وإلى لجنة “ستازي” التي شُكلت في عهد الرئيس السابق “شيراك” لتحضير ملف متكامل عن قضية الحجاب الإسلامي لاتخاذ قرار نهائي في الموضوع، نلاحظ أن هذه اللجنة استعانت في عملها بشخصيات محسوبة على الإسلام، لكن لا علاقة لها به سواء من حيث الممارسة أو الفهم الشرعي والفقهي والقانوني للدين الحنيف. وبذلك وقفت شخصيات وأطراف عديدة من أصل مغاربي وشرق أوسطي وحتى إيراني ضد ارتداء الحجاب، الأمر الذي أدى باللجنة إلى الاعتماد على أقوال وشهادات هؤلاء في اقتراح حظر المظاهر الدينية في المدارس الحكومية. فبكل بساطة نظرت لجنة “ستازي” وفرنسا بحكامها وقادتها السياسيين إلى الحجاب والقلنسوة والصليب الكبير بنفس النظرة، وسوّت بين الثلاثة بدون أن تحقق في الأمر الذي نلاحظ عليه تباينا كبيرا جدا. فإذا كانت القلنسوة اليهودية مظهر من مظاهر هذه الديانة والصلبان الكبيرة مظهر من مظاهر المسيحية، فالحجاب الإسلامي يكتسي بعدا دينيا وفلسفيا وعقائديا وثقافيا وحياتيا، وهو نهج حياتي متكامل، والهدف منه ليس التمظهر وإبراز الانتساب الديني أو استفزاز الآخر وإنما الهدف منه هو احترام إنسانية المرأة وجسمها وشعورها، واحترام الآخر بعدم إثارة مشاعره وغرائزه. هذه هي العبرة من الحجاب ليس إلا، وهنا نلاحظ الاتيكيت واحترام الآخر عندما تكون المرأة مرتدية لباسا محترما أنيقا يليق بمقامها، وكم من فرد سواء كان علمانيا أو لائكيا أو ملحدا ينفر ويشمئز عندما يشاهد امرأة أمامه شبه عارية متبرجة لم تحترم جسمها في المقام الأول ولم تحترم نفسها ولم تحترم الآخرين. هذا هو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه لجنة “ستازي” وأوقعت الرئيس شيراك في مأزق كبير قد يندم عليه مدى حياته. فالقرار جاء مناقضا لمبادئ الثورة الفرنسية ولحرية الفرد الفرنسي في التعامل مع لباسه وهندامه، فالأمر يتعلق‭ ‬بالحرية‭ ‬الشخصية‮ ‬وحرية‭ ‬الفرد،‮ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحجاب‭ ‬ليس‭ ‬استفزازا‮ ‬ولا‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الآخرين‭.‬‮   ‬
  •        تجدر الإشارة هنا إلى سياسة الاندماج التي تنتهجها فرنسا والتي تهدف من ورائها إلى تحقيق ذوبان الآخر في المجتمع الفرنسي وفي ثقافته وتقاليده وعادته، ففرنسا تريد من الخمسة ملايين مسلم الموجودين على أراضيها ممارسة إسلام على الطريقة الفرنسية يتماشى مع المجتمع الفرنسي ومفصل وفق ما يريده الفرنسيون، وهذا يعتبر في حد ذاته تدخلا سافرا في الآخر وفي دينه ومعتقداته، فالدين الإسلامي دين واحد فلا يوجد دين إسلامي خاص بفرنسا وآخر ببريطانيا وثالث بأمريكا.. إلى آخره. وحتى في مستعمراتها وتاريخها الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين كانت فرنسا تصنع رجال دين مسلمين يفّصلون لها الدين الإسلامي وفق المقاس التي تريده، ووفق أهدافها الاستعمارية الاستغلالية الابتزازية، أما الأئمة الذين يخرجون عن طاعتها فكانت تسميهم بالمتمردين (rebels) وتقوم بنفيهم أو إعدامهم أو سجنهم أو تهميشهم.
  •        يبدو أن الحراك السياسي في فرنسا هذه الأيام، وخاصة تراجع أسهم الرئيس ساركوزي وحزبه والوضع الدولي والحرب على الإرهاب وتداعيات 11 سبتمبر، كلها تركت بصماتها على النقاش الذي يدور حاليا في فرنسا حول الإسلام والخوف من امتداده وتوسعه وانتشاره وكونه يشكل خطرا على أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬فرنسا‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬وأعداء‭ ‬الإسلام‭.‬‮ ‬
  • وقد يتساءل سائل ويقول لماذا لم تفكر فرنسا قبل عشرين سنة في معالجة المشكلة بهذه الطريقة، مع العلم أن قضية الإسلام واللائكية وقضية النقاب في فرنسا قديمة قدم تواجد المسلمين في فرنسا، هؤلاء المسلمين الذين حاربوا في صفوفها إبان الحرب العالمية الأولى والثانية والذين‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬ألوانها‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‮ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬المناسبات‭ ‬الرياضية‭ ‬العالمية‭. ‬
  • يبدو أن عدوى “الإسلاموفوبيا” وعدوى الإرهاب قد انتشرت في الشارع الفرنسي كما في الأوساط السياسية الفرنسية، وهذا يشير إلى فشل حوار الحضارات والديانات وفشل فهم الآخر وبكل بساطة أصبح الإسلام يُفسر ويُشرح وفق الصور النمطية ووفق الحملات الدعائية المغرضة التي تفرغه‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬وتشوهه‭ ‬وتجعل‭ ‬منه‮ ‬دين‭ ‬العنف،‮ ‬ودين‭ ‬‮”‬الأربع‭ ‬زوجات‮”‬،‮ ‬ودين‭ ‬الطغيان‮ ‬وإقصاء‭ ‬الآخر،‮ ‬ودين‭ ‬الاستبداد‮ ‬والإرهاب‭.‬‮ ‬
  • وانطلاقا من سوء الفهم ومن انعدام محاولة فهم الآخر وانطلاقا من الاعتماد على حفنة من المحسوبين على الإسلام والحاقدين عليه قد يكون ساركوزي واليمين المتطرف في فرنسا قد ارتكب خطأ فادحا في حق الديمقراطية وحقوق الإنسان والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية. خطأ قد لا يغفره التاريخ لساركوزي وللحاقدين على القيم الإنسانية، كما لا تغفره له الثورة الفرنسية بمبادئها الإنسانية وبقيمها العالمية في التسامح واحترام آدمية الإنسان وحرياته الفردية. حقوق الإنسان تُغتصب وتُنتهك يوما بعد يوم ومن قبل تلك الدول الكبرى التي نظّرت‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتي‭ ‬تتغنى‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تحميها‮ ‬وتدافع‭ ‬عنها‭. ‬
  • صحيح أن الموضوع شأن فرنسي داخلي، لكن هذا لا يمنع خمسة ملايين مسلم في فرنسا من حرية ممارسة دينهم وشعائرهم وعقيدتهم. وأن مساواة القلنسوة والصلبان الكبيرة بالحجاب ما هو إلا جهل تام بالدين الإسلامي وبفلسفته وأهدافه ومبادئه. إن سياسة الحقد والكراهية والعنصرية لا تجدي نفعا، وليعلم ساركوزي أن فشله السياسي لا يستطيع تعويضه بتقنين العنصرية ضد الإسلام، وأنه لا يستطيع من خلال هذا الموقف استعادة أصوات اليمين واليمين المتطرف وإبقاء حظوظه قائمة للحصول على ولاية ثانية في الرئاسة الفرنسية. فهناك جزء كبير من الطبقة السياسية الفرنسية وخاصة الاشتراكيين واليسار وجمعيات مناهضة العنصرية يقف ضد ما يقوم به ساركوزي من قوانين وإجراءات عنصرية ضد الإسلام والمسلمين تمثل كلها وصمة عار على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والثورة الفرنسية.  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!