-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سحب الجنسية.. حقّ قد يصبح باطلاً!

سحب الجنسية.. حقّ قد يصبح باطلاً!
أرشيف

ليكن واضحًا منذ البداية أنّ المشرّع سيّد، من حيث المبدأ، في سنّ القوانين التي يراها ضرورية، لحماية كيان الدولة والمجتمع من المخاطر العظمى الفعليّة، بل إن ذلك من أسمى واجباته الدستوريّة والسياسيّة والأخلاقيّة.

كما لا يُخفى عن أحد أنّ الجزائر تهدّدها رهاناتٌ أمنية إقليمية في غاية الخطورة، توجب على السلطات العموميّة أخذ الحيطة والحذر في اتخاذ كافة التدابير لتأمين البلاد.

لكن بالمقابل، ينبغي الاتفاق على أنّ الجزائر تحدوها إرادةٌ قوية في تكريس دولة القانون التي تُعلي من مقام حقوق الإنسان، بل إنها تكتسي بهذا الصدد رمزية عالمية، كونها موطن الأمير عبد القادر، باعثُ دولتها في العصر الحديث، ومؤسس القانون الدولي الإنساني، وهي مزايا تضع الدولة الجزائرية أمام التزامات أخلاقيّة بعدم التراجع نحو الخلف.

إنّ تلك المعطيات تُحيلنا إجباريّا إلى تأمّل مبادرة الحكومة بهدوء، بعيدا عن كلّ شطط من الرافضين والمؤيدين على السواء، لقياس الموقف بمعايير موضوعيّة، تجنِّب بلادنا الوقوع لاحقا فريسة سهلة للتشويه الخارجي، تحت ذريعة المساس بحقوق الإنسان الكونيّة.

بهذا الصدد، فإنّ المحدِّدات التي ينطلق منها المشروع التمهيدي لقانون إسقاط الجنسية تحمل أبعادا مطاطة، تثير مخاوف الإسقاط التعسفي أو سوء التقدير القضائي في مسألة جدّ حساسة، لأنها تتعلق بالموت المدني للإنسان، والذي لا يقلّ خطرا من الناحية المعنويّة عن حكم الإعدام المعطّل في الجزائر.

هناك جريمتان ربّما تكونان محلّ إجماع في تسليط أقسى العقوبات، وهما الأفعال ذات الصلة بالانفصال والإرهاب الأممي، لكن المتورطين في الحالتين لا تعني لهم الجنسيّة شيئًا، إذ أن مشروع الفئة الأولى هو الانفصالُ الواهم، بينما لا تؤمن الشريحة الثانية أصلا بالدولة القُطريّة.

أمّا باقي الحالات التي تقع طائلة سحب الجنسية بموجب القانون المرتقَب فإنها، للأسف، مرنة وغير مأمونة الخطأ التقديري ولا حتّى التعسف البشري، إذ يشير المشروع مثلا إلى أن الإجراء سيُطبَّق على كل جزائري يقيُم خارج التراب الوطني يقوم بأفعالٍ تُلحِقُ عمدًا ضرراً جسِيماً بمصالح الدولة أو تمسُّ بالوحدةِ الوطنية.

والحالُ نَفْسهُ بالنسبةِ لمن يقومُ بنشاطٍ أو انخراطٍ في الخارج في جماعةٍ أو منظمةٍ إرهابية أو تخريبية أو يقومُ بتمويلها أو بالدعايةِ لصالحها، كما يتعلّقُ الأمر بكلّ شخصٍ تعاملَ مع دولةٍ معادية للدولة الجزائرية.

مبدئيّا، لن يعترض أحدٌ على تشديد العقوبات ضدّ هذه الأفعال الشنيعة بكل المقاييس، لكن عمليّا يبقى الأمرُ مثار تحفّظ في تكييف تلك الاتهامات وإنزالها على الوقائع الماديّة محلّ الجريمة.

بل إنّ مفهوم الإرهاب الخارجي مثلا لا يزال يطرح إشكالات قانونية عويصة على نطاق دولي واسع، تتعلق بتعريفه أصلا، ومعايير تصنيف أعمال العنف أو الجماعات والكيانات التنظيمية، لذلك يبقى السؤال قائما: وفق أي معيار سيكون وسم التنظيمات في الخارج على أنها إرهابية؟

هنا نتذكر اعتراض المرحوم عبد الحميد مهري عام 2004 على سجن شباب جزائري، تحت غطاء الإرهاب، في حين كانت تهمتهم هي الالتحاق بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي.

نفس الإشكال يُطرح بشأن مستوى وتعريف مصالح الدولة والوحدةِ الوطنيةِ الموجِبة لسحب الجنسية، إذ تبقى تهمة مطاطة تشمل مجالا واسعًا من الأفعال التي قد يرقى أعلاها إلى الخيانة العظمى ويستحق مرتكبُها الإعدام، وقد ينزل أدناها إلى مجرّد المواقف الخلافية المتطرِّفة.

لا شكّ أنّ كل مسؤول غيور لن يسمح بتسويق صورة خاطئة عن جزائر نريدها جديدة، يتنفس فيها المواطن نسائم الحرية والكرامة، فيعيش متحفّزا لخدمة بلاده بكلّ تفانٍ.

لذلك، فإنّه من الواجب، في حال إقرار هذا القانون، وضعُ ضمانات قوّية وملموسة تحفظ حقوق المواطنين وكرامتَهم، وتحول دون أي تعسّف في إلحاق العقوبة بالأبرياء من تلك الجرائم.

ثمّة قاعدة ذهبية وضعها علماء الإسلام، استنادا إلى الهدي النبوي، بعنوان “ادرؤوا الحدود بالشبهات”، ومعناها أنّ الواجب على ولاة الأمور تعطيل تنفيذ الحدود الشرعية عند قيام الشبهة والشك، خشية الظُلم في الحكم.

ودون وصاية على المشرِّع، فإنّ ذلك المعنى الإسلامي الجليل في صيانة حق الإنسان، تدفعنا إلى التنبيه إلى ضرورة تحصين القانون من التعسّف، فلو افترضنا أنه قد ينطبق على جريمة الآلاف من المواطنين، بينما يكون ظالمًا في بضع حالات، لوجب تعطيله لأجل هؤلاء، صونًا لحقوقهم الإنسانية وإعلاء لكرامتهم المواطناتيّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • الجزائر العميقة

    أنا مع سحب الجنسية من كل الحركى وابناؤهم الدين دمروا الجزائر تدميرا مند 1962

  • محمد العربي

    و اين نحن من الموضوعيه و النظره المنطقيه يا استاذ فكل قونينا دافعها سياسي بحت و هدفها تصفية حسابات لا أكثر

  • djallel

    الجنسية للجزاءريين الاحرار اما الخونة لا مكان لهم فيها

  • djallel

    سياتي يوم يستحون فيه ذكر السبب امام ابناءهم حينها لاينفع الندم فمن يخون وطنه حكم على نفسه بالاعدام مدى الحياة ,اضن ان هذا عمل ذكي سبق ان طبقته الحكومة الفرنسية كوسيلة ردع حاسمة

  • خالد

    وثيقة الجنسية تعبر عن حق فرد في وطن و سحبها منه هو مساس بعنصر من عناصر الأمة الذي هو الشعب .....إذن لتطبيق هذه العقوبة الشبيهة بالإعدام لابد من طرف وحيد و أساسي لتثبيتها أو إلغائها هذا الطرف هو الشعب .لا يمكن لفرد مثلك أو جماعة أن تنزع منك جنسيتك.

  • جزائري الطوارق

    ثمّة قاعدة ذهبية وضعها علماء الإسلام، ...

    لو تكتب بالدارجة ماشي خير
    أنت قلت الإسلام قال والبوذية قالت والبراهميا قالت .....
    أنت ماذا تقول ..رأيك ؟؟؟

  • المقراني

    سنمنح الجنسية الجزائرية لكل من يخدم مصلحة بلادنا ويقدم ابحاثا او مشاريع تنموية او استثمارات في قطاع من القطاعات الاقتصادية المختلفة بممعني كل من يساهم في تقدم بلادنا اقتصاديا وتكنولوجيا
    الجزائر ليست بحاجة لمن يخرب ويدمر ويقتل من بني جلدتنا سواء بالداخل او الخارج
    الجنسية الجزائرية ستمنح لكل انسان صالح يعمل ولا يفسد بغض النظر عن دينه وعن مذهبه وعن عرقه
    تحيا الجزائر جيشا شعبيا وشعبا

  • حكيم

    والله هذا حل ذكي يخدم الجزائر ويحميها من كل العملاء والجواسيس والاستخبارات الاجنبية وعملائهم بالجزائر والخارج -خاصة المغتربين والمهاجرين الذين تحولوا الي سلعة رخيصة بايدي الاستخبارات الفرنسية الارهابية النازية يزرعون الفتن ببلادنا خدمة لمصلحة فرنسا بشمال افريقيا - التي تخرب وتدعو للفوضي والبلبلة وزعزعة الاستقرار .
    ان امثال زيتوت وديزاد وعبدو سمار عملاء الاستخبارات الاجنبية الصليبية والصهيونية انما فشلوا فشلا ذريعا ووبانت دسائسهم وعلي دولتنا الجزائري سحب الجنسية منهم ومن كل من تسول له نفسه المساس بمصلحة الجزائر العلياوامننا القومي والتخابر مع اعدائنا وحتي الارهابيين منهم .

  • كمال

    هناك قوانين لمعاقبه الخونه و ان كانت غير كافيه لتشدد الدوله تلك القوانين ولا اعتراض ان وصلت لحد الاعدام فالخائن يستحق و ان كان في الخارج لتقام له محكمه غيابيه و لتصدر بحقه مذكره القاء قبض دوليه كلها امور الدوله يمكنها فعلها و لا اعتراض لكن قضيه نزع الجنسيه امر لا يقره الدستور ولا اي دستور على وجه الارض اللهم الا بعض الدول امثال الامارات و السعوديه ولا نريد ان نكون مثلهما .
    هناك استثناء واحد لسحب الجنسيه مطبق في بعض الدول وهو لمكتسبها اي من نال الجنسيه و حتى في هذه الشرط لنزعها تهم كبيره كالخيانه العظمى و تطبق في سنوات محدده من التجنس بعدها تصبح جنسيته ثابته لا تنتزع .