-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماءً

سلطان بركاني
  • 361
  • 0
سراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماءً
ح.م

 واقع صعب تعيشه أمّة الإسلام عامّة ويكابده شباب الأمّة خاصّة، في العقود والسّنوات الأخيرة، بسبب رياح فتن الشّهوات الهوجاء وأمواج فتن الشّبهات العاتية التي فُتحت أبوابها عليهم.. في قرون مضت حينما كان لأمّة الإسلام سلطان وهيبة، كانت أبواب الشّهوات توصد ويحاصر دعاتها ويضطرون للانكفاء على أنفسهم، وكان على أبواب الشّبهات علماء أعلام أصحاب همم عالية لا يتركون شبهة إلا كانوا لها بالمرصاد وأذابوها كما يذاب الملح في الماء.

هكذا كانت الحال في أزمنة مضت، أمّا في زماننا هذا فإنّ أبواب الشّهوات فتّحت على مصاريعها، خاصّة مع الانفتاح الإعلاميّ الذي شهده العالم بدءًا من تسعينات القرن الماضي، وانتشار الإنترنت وتنوّع مواقع التواصل ووسائل الاتّصال، وتطوّر الهواتف المحمولة الذي تزامن مع تيسير وتذليل سبل الولوج إلى عالم الإنترنت، وزاد الطّين بلّة أنّ الجهات العلمانية النافذة في بلدان المسلمين لم يكن لها أيّ همّ بمراقبة استعمال الإنترنت، بل فتحت الأبواب على مصاريعها للشّباب ليبحروا في هذا البحر الخضمّ الهائج الذي لا ساحل له، وأصبح في إمكان الشابّ أن يتصفّح أيّ موقع يريد في أيّ ساعة يختار على شاشة هاتف صغير يحمله في يده، من دون حسيب ولا رقيب.

أمّا أبواب الشّبهات فقد فتحت هي الأخرى على مصاريعها خضوعا لإملاءات أهل الفساد في هذا العالم، ممّن يريدون لشباب الأمّة أن يفقدوا ثقتهم في دينهم وعزّتهم به، فتحت أبواب الشّبهات على مصاريعها بذريعة الانفتاح على الآخر وحرية الرّأي والتعبير، وتدفّقت الشّبهات على شبابنا الذين لا يملك أكثرهم أيّ زاد علميّ ومعرفيّ يحول بينهم وبين التّأثر بتلك الشّبهات، ولعلّ من أخطر تلك الشّبهات التي فتحت أبوابها على شبابنا، شبهات دعاة الإلحاد الذين يغلّفون دعوتهم إلى الإلحاد والمادية بتقديس العقل والعلم، بينما هي في حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن حقائق العلم وبديهيات العقل، إنّما هي دعاوى فارغة ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا))؛ إذا محّصت بميزان العقل والعلم ظهر عوارها وتبيّنت على حقيقتها.

حقائق مذهلة ومعجزة تتعلّق بخلق الكائنات الحيّة وتركيبها، من أعضائها الأساسية نزولا إلى الخلايا ثمّ إلى مكوّناتها إلى الـDNA، أذهلت العلماء في دقّة تركيبها وعملها.. قلب الإنسان مثلا؛ هذه المضخّة التي لا يتجاوز وزنها 350 غراما، تعمل من دون انقطاع بالليل والنّهار طول عمر الإنسان، وتضخّ ما يقارب 7600 لتر من الدّم يوميا إلى كافّة الأعضاء، أي إنّها تضخّ ما يقارب 166 مليون لتر من الدم خلال 60 عاما متوسّط العمر؛ في أوعية دموية تنتهي إلى شعيرات، تغطّي جسم الإنسان كلّه، ويَبلُغ طولها الإجماليّ حوالي 100 ألف كلم، وهو ما يكفي للإحاطة بكوكب الأرض مرّتين ونصف المرّة؛ كلّ هذا في جسم إنسان واحد!

دماغ الإنسان الذي لا يصل وزنه 1.4 كلغ، يتألف من عشرات المليارات من الخلايا العصبية، تنتقل فيها المعلومات بسرعة كبيرة؛ وتبلغ أبطأ سرعة لانتقالها 418 كلم في الساعة.. أمّا الأوعية الدمويّة في الدماغ فيصل طولها إلى أكثر من 193 ألف كلم، ما يساوي نصف المسافة بين الأرض والقمر، في جسم إنسان واحد.. هذا الدّماغ يستطيع تخزين ما يقارب 2.5 مليون جيجابايت، ويكفي أن نقابل هذا بالهاتف الذكيّ أيفون 7 الذي لا تتعدّى مساحة تخزينه 256 جيجا بايت. فأيّ كمبيوتر مذهل هذا منحه الله عباده، من أوّل عبد خلقه آدم عليه السّلام إلى آخرهم، من دون أن يحتاج إلى تطوير. ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون)).

عين الإنسان.. هذه الشّبكة الكروية التي تزيّن وجهه، ولا يتعدّى قطرها 2.5 سم، تستطيع أن تميز بين 10 ملايين لون مختلف، ولو كانت كاميرا رقمية لكانت بدقّة 576 ميجابيكسل. تتحرك في الجهات الأربع بمساعدة العضلات وتلتقط الصور في الأنحاء المختلفة. يتغيّر قطر عدستها بتغير بعد الصورة عنها، بواسطة عضلات تتقلص وتنبسط حسب بُعد الصورة المرئية.

وما قيل عن هذه الأعضاء، يقال أيضا عن باقي أعضاء جسم الإنسان؛ فكلّ عضو منها، هو آلة معجزة في تركيبها وعملها. أعضاء تتكامل في وظائفها وعملها، ليعيش الإنسان حياته بيسر ويسخّر كلّ ما حوله. ((يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)).

لقد حاول الملاحدة جهدهم أن يجدوا أيّ خلل أو نقص في جسم الإنسان، فعادوا بخفي حنين؛ زعموا أنّ هناك نقصا في العين، فتطوّر العلم واكتشف العلماء الحكمة ممّا جهله الجاهلون قبل ذلك.. زعموا أنّ الزّائدة الدودية لا فائدة منها، فتطوّر العلم واكتشف أنّ لها أهمية بالغة في جسم الإنسان، فهي تقوم بتنظيم كمّ البكتيريا النّافعة التي يجب أن تكون في الجهاز الهضمي للإنسان، وقد تكون سببا في نجاة الإنسان من أمراض قاتلة.. وهكذا حاول دعاة الإلحاد أن يجدوا خللا أو نقصا في تكوين المخلوقات الأخرى، ولكنّ العلم في كلّ مرّة يكشف طيش عقولهم، وأشهر مثال لذلك زعمهم قبل عقود أنّ جناحي البطريق لا فائدة منهما، لأنّه لا يطير، قبل أن يكتشف العلم أنّ البطريق يستعملهما أثناء الغوص في الماء بحثا عن رزقه، ويستعملهما أثناء اندفاعه من الماء بسرعة. ((هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِين)).

لم يبق للجاحدين من دعاة الإلحاد إلا أن يتشبثوا بنظرية التطور الداروينية للفرار من الإقرار بالتّصميم المذهل لخلق الكائنات، ويزعموا أنّ هذا الخلق المذهل جاء بعد ملايين السنين من تطوّر الكائنات بطرق عشوائية، وبعد اندثار مخلوقات أخرى تمثّل حلقات الوصل بين الكائنات الموجودة، عن طريق الانتخاب الطّبيعيّ!

وما قيل عن حرج الملاحدة أمام العناية المذهلة في خلق الكائنات الحيّة وعلى رأسها الإنسان، يقال أيضا عن عجزهم وحرجهم أمام دقّة صنع الكون، ودقّة القوانين التي يسير عليها.

ستة ثوابت كونية اكتشفها العلماء، فائقة الدقّة إلى درجة لا يملك العاقل معا إلا أن يقرّ بالإعداد المسبق والعناية الخاصة، فمثلا النسبة بين الإلكترون والبروتون داخل النواة التي تشكلّ لبّ الحياة هي 1: 10 أس37، ولو تغيّرت النّسبة قليلا ما كانت هناك حياة.. النسبة بين القوة الكهرومغناطيسية والجاذبية هي 1: 10 أس 40، لو ضعفت قليلا ما تكونت النجوم، فلا نور ولا حرارة، ولو زادت قليلا لتكونت النجوم سريعًا واحترقت.. نسبة تمدد الكون التي قال عنها القرآن ((وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون))، هذه النّسبة هي 1: 10 أس55. نسبة كثافة الكون هي 1: 10 أس59.. الثابت الكوني المضادّ للجاذبية يقدّر بـ 1: 10 أس 123 لو اختلفت قيمته بأقل من جزء من صفر يليه 123  صفر ثم 1 لانهار الكون بأكمله بعد تشكله بلحظات أو لتوسع بسرعة هائلة تمنع تشكل الجزيئات الأساسية.

مَن أوجد هذه القوانين المذهلة في دقّتها إلى الدّرجة التي جعلت العلماء يقولون إنّ الكون كأنّه على حافّة سكّين؟ هل يمكن أن يكون كلّ هذا صدفة؟ يقول الفيزيائي الأمريكي”ليونارد سوسكايند” أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة “ستافورد” والمؤسس لنظرية الأوتار الفائقة: “إن الثابت الكوني من الرهبة بمكان بحيث أنه يصير بهذا المقدار الذي لا يسمح بتدمير النجوم والكواكب والذرات، لكن ما هذه القوة الغامضة والعجيبة التي استطاعت ان تحسب هذا الموقف المعقد للغاية.. إن قوانين الفيزياء متوازنة على حافة سكين حاد للغاية”، ويقول: “إن المشكلة الحقيقية في إعداد الكون بعناية أن هذه المعطيات التي تقف على حافة السكين كلها مستقلة عن بعضها البعض وفي الوقت نفسه تتلاقى لتسمح فقط بإحداث الحياة، وتغير أي مُعطى من هذه المعطيات التي نشأت مستقلة لم يكن يسمح لها بالتلاقي فضلا عن إمكانية إيجاد حياة أو حتى منظومة كونية، وبعد تمحيص هذه الحقائق عقليا نتوصل إلى أن هنالك قوة عقلية خارقة متمكنة من الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء، ولا مكان للحديث عن قوى غير عاقلة لتفسير ما يحدث في الطبيعة وأن الأرقام التي تم التوصل إليها نتيجة الأبحاث والقياسات أدت إلى مثول حقائق مذهلة للغاية ساقتني إلى قبول هذا التفسير دون نقاش.. إنّ أيّ عالم يستقصي هذه الظواهر الطبيعية لا يمكن له أن يحيد عن النتيجة التالية، فلو أخذت النتائج الحاصلة في مراكز النجوم بعين الاعتبار فلا يمكن إلا القول بأنّ قوانين الفيزياء النووية وضعت بشكل مقصود وهي ترمي إلى هدف معين”.. ويقول بول دافيس، عالم الفيزياء البريطاني: “يوجد بالنسبة لي دليل قوي أنه يوجد شيء يحدث وراء الأمر كله.. يبدو الأمر كما لو أن أحدهم قام بضبط أرقام الطبيعة بصورة دقيقة لإنتاج الكون”.. سبحان القائل: ((سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)).

هذه أقوال بعض العلماء المنصفين، وغيرها كثير، لكن كيف كان موقف دعاة الإلحاد؟ لقد فرّوا من الإقرار بالخالق العليم الخبير سبحانه إلى افتراض وجود أكوان أخرى كثيرة غير متقنة، يصل عددها 10 أس 500 كون! وزعموا أنّ كوننا المتقن جاء هكذا صدفة بين هذا العدد الهائل من هذه الأكوان غير المتقنة!.. أين هذه الأكوان؟ وكيف يمكن إثبات وجودها؟ لا إجابة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!