-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
البعض لم يصدّق ما يجري من هول المفاجأة

سقوط رموز الفساد.. صفحة جديدة في تاريخ العدالة الجزائرية

سقوط رموز الفساد.. صفحة جديدة في تاريخ العدالة الجزائرية
ح.م

مثل أحجار الشطرنج، تتهاوى رموز الفساد في الجزائر هذه الأيام، الواحدة تلو الأخرى، في مشهد تاريخي مذهل، بقدر ما أثلج صدور أنصار الحراك الذين ثاروا على عصابة الفساد والاستبداد، فإنّ البعض لم يصدّق حقيقة وتسارع الأحداث الدراماتيكيّة، وفق المثل المأثور “من عاش طويلا تحت جنح الظلام تؤذيه أشعة النور”!
البداية كانت في 30 مارس الماضي، مع فجر ذلك اليوم، استيقظ الجزائريون على خبر عاجل، بلغ مسامعهم ولم تستوعبه عقولهم، حتّى رأوا بأمّ أعينهم مدلل النظام البوتفليقي، علي حداد، يُقاد إلى زنزانة الحراش مصفّد اليدين، ثم تبعه بعد قليل أفراد عائلة كونيناف إلى السجن زمرًا، ولم يلبث طويلاً أن لحق بهم كبير الأغنياء، يسعد ربراب، وإمبراطور النقل والسيارات، محيي الدين طحكوت رفقة نجله وأشقائه.
وتبقى أمّ العواجل الإخبارية هي الإعلان من المحكمة العسكريّة في البليدة يوم 5 أفريل الماضي عن الزج بـ”أرباب الجزائر” في الحبس، يوم سِيق الجنراليْن توفيق وطرطاق والمستشار السعيد بوتفليقة إلى الحبس المؤقت، ثمّ قرار قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا بإيداع أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعمارة بن يونس الحبس، مع وضع الوزير السابق عبد الغني زعلان تحت الرقابة القضائية، قبل النظر في ملفات 6 وزراء آخرين على ذمّة التحقيق، فضلاً عن والييْ العاصمة والبيض.

محاكمات 2019.. التاريخ والجغرافيا لا يعيدان نفسيهما!

تلك الحرب الشرسة على الفساد شدّت من عضد الثقة بين الشعب والجيش في مرافقة مطالب الحراك، ما أزعج أطرافا حاولت دوما الوقيعة بين الطرفين، للتمدّد في حالة الفراغ، فراحت تستحضر “قضيّة الخليفة” التي انتهت قبل سنوات بتبرئة نحو 50 متهما، بينهم عدد كبير من
المسؤولين في مؤسسات عمومية، وهيئات حكومية، وحتّى وزراء لا زال الجزائريون يردّدون كلامهم أمام هيئة المحكمة بكثير من التندّر والسخريّة، وكذلك قضايا الطريق السيّار سابقا، وفضائح “سوناطراك” التي تراوح مكانها حتى الآن، وإن كان فريق آخر يثير المسألة بحسن نيّة، من خلال التحذير من السيناريو المصري، الذي عرف مع بداية الثورة توقيف العديد من كبار المسؤولين السياسيين، قبل أن يفرج عنهم بالجملة بعد 3 جويليّة 2013 بصعود السيسي.

تحرير العدالة والتزام الجيش.. حصانة ضد الإفلات من العقاب

وإذا كانت السياسة لا تقبل الجزم في أحكامها، بل تقوم في تحليلاتها على طرح كل الفرضيّات، فإنّ المراقبين يؤكدون أن وضع الجزائر بعد حراك 22 فيفري يجعل من قضيّة المحاكمات المدنيّة والعسكريّة التي تعيشها البلاد منذ أسابيع مختلفة كثيرا عن سابقاتها، من حيث السياق القضائي والسياسي والتاريخي عن كل الملفات المذكورة، سواء في الداخل أو الخارج.
وفي هذا الصدد، يوضّح المتابعون أنّ أهم ضمانة لتفعيل العدالة في حقّ المفسدين من هؤلاء المحبوسين (قد تثبت براءة بعضهم) هو تحرير القضاة أنفسهم، فقد كانوا مكوّنا رئيسا في ثورة الشعب، كما عرف الجهاز تغييرات مهمّة مسّت مواقع حساسّة، ظلّت العصابة تعطّلها للإفلات من العقاب، ما يعني أن العدل والإنصاف سيكون هذه المرّة هو الفيصل في الحكم، دون وصاية من أيّ سلطة.
ومن المتغيّرات الجوهريّة كذلك هو مرافقة المؤسسة العسكريّة بكل سلطتها الدستورية والأدبية والواقعية لمؤسسة القضاء في المعركة ضدّ الفساد، والتزامها القانوني والسياسي الكامل بإسنادها المطلق، وهو ما عبّر عنه الفريق قايد صالح يوم 30 أفريل الماضي بقوله: “لقد اطلعت شخصيا على ملفات ثقيلة، تكشف عن نهب الأموال العامة بأرقام ومبالغ خيالية، وقدمت كل الضمانات الكافية، وتعهدت بمرافقة جهاز
العدالة في أداء مهامه النبيلة والحساسة، بعد أن تحررت من كل القيود والضغوطات والإملاءات بعيدا عن الانتقائية والظرفية، وسيتم تطهير بلادنا نهائيا من الفساد والمفسدين”، وعليه، فلا يمكن، برأي المراقبين، في ظلّ هذا التعهد القويّ، أن تكون تلك المحاكمات التاريخيّة مجرّد مسرحية في نهاية المطاف، بل إنها صفحة جديدة في مسار العدالة الجزائريّة.

التغيير والتلاحم.. جدار الصدّ في وجه العصابة

أمّا ثالث الضمانات، والتي تعدّ صمام الأمان في ملاحقة الفساد، فهي وعي الحراك نفسه، وإصراره على التغيير الفعلي، عن طريق استرجاع السيادة الشعبيّة، كمصدر وحيد للسلطة السياسيّة، وهو ما يجعل، دون شك، استقلالية العدالة مكسبًا غير قابل للتصرّف، كما أنّ تطويع القضاء مستقبلا أضحى أمرًا غير ممكن، ليسقط في المرحلة القادمة منطق

“إذا سرق فيهم الكبير تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف سجنوه”!

ولا يغفل المراقبون عن التذكير بأن التلاحم حقيقي بين مؤسسة الجيش والحراك، فيما يتعلّق بالتخلّص من العصابة والدولة العميقة بكل أذرعها المالية والسياسيّة، وهو ما يجعل عودة هؤلاء إلى المشهد بإفلاتهم من العقاب المستحق غير واردة على الإطلاق، لأنّ ذلك، لو حصل، سيتعدّى نكسة الثورة الشعبية إلى تهديد خطّة الجيش ذاتها في التحرير السياسي للبلاد من خاطفيها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!