-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سمعت صوتا تافها

عمار يزلي
  • 646
  • 0
سمعت صوتا تافها
ح.م

لست أدري لماذا يثرثر الناس في الهاتف أكثر من مما يثرثرونه في الهواء الطلق؟.. لاسيما النساء.. الرجال أيضا.. فيهم من إذا بدأ.. لا ينتهي.. والكلام في لا شيء.. أحيانا ليس كلاما أصلا: أسئلة وأجوبة.. وأجوبة على أسئلة سأل عنها الآخر، فأجاب عنها بالنيابة عنه: كي راك؟.. لا باس؟.. بخير.. غاية.. صافا.. بيان.. مطرّح.. (وكلها تعني نفس الشيء وتسأل عن ذات الشيء ) ليشرع في موجة من أسئلة ثانية (بالمقابل يكون الطرف الآخر قد طرح نفس الأسئلة أو مثلها..): واش راهم الصغار؟.. العائلة.. الدراري.. كانش قراية.. كانش خدمة.. كي راه الشايب.. والحاجة.. خوك؟.. صافا؟.. بخير.. قاع بخير.. (.. وعودة إلى الأسئلة في صيغة جمع المذكر والمؤنث السالم والمريض..)..

هذا المدخل، ضروري، كالمقدمة الأطلالية في القصيدة الجاهلية.. والتلفون يعد كل هذه اللحظات.. فهو لا يميز بين الغث والسمين.. الذين صنعوه، إنما صنعوه وعمموه لبيع الوقت.. بفلوس.. أولا يقول المثل الإنجليزي Time is money ؟.. والمثل العربي: الوقت من ذهب؟ (ربما فهمناه من فعل ذهب يذهب.. أي ضاع.. ولهذا فنحن نعمل على تضييع الوقت وقتله.. بفلوس..).

إحدى السيدات اللواتي أعرفهن، قالت لي مرة: أفضل أن أعطي الفلوس لموبيليس على أن أعطيها للطبيب.. دعني أتكلم وأهدئ أعصابي..

المسكينة، عندما تأخذ الهاتف، تجلس على كرسي وثير، فلا يمكنها أن تجلس على أي كرسي.. لأن المسألة مسألة ساعات: تبدأ الحديث بالسؤال عن صحة الآباء والأجداد وقوم ثمود.. وعاد.. وفرعون ذي الأوتاد وصولا إلى العصابة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد… ثم تبدأ الشطر الثاني من الأسئلة.. بدءا من العصر الموحدي إلى غاية 11 سبتمبر.. تسأل عن الجميع، حتى من لا تعرفهم.. حتى جارات الجارة.. مرة سمعتها تقول لامرأة على الطرف الآخر: كي راها هاذيك.. كي يسموها.. بعدة.. هذيك اللي قلت لي عليها تلاقيتيها فالطرولي.. راها بخير؟.. كي راهم أولادها (الخلقة، لم يكن عندها لا ولد ولا بنت ولا حتى زوج.. لأنها حسب ما فهمت من إجابة الأخرى.. كانت شابا وليس امرأة..)..

كلام في كلام.. والكونتور يدور.. والوحدات تروح وحدة وحدة بالعشرات.. وعندما تأتي الفاتورة، إذا كانت أبوني.. تكون الزوجة أو من يسارع إلى الشكوى.. والاحتجاج: علاه؟ سرقوني.. السراقين.. (وفعلا كثير من المتعاملين يسرقون وسرقوا وكونوا ثروة طائلة بالسرقات).. أنا عندي شركة؟.. علاه؟ عندي.. البيت الأبيض؟.. ترامب اللي يظل في طويطر.. وماراهش يدفع هذه الحسبة.. تدفعها حسيبة؟.. غاية.. (ترامب لا يخلص هذه الحسبة ولا غيرها.. لكن يخلّصها غاليا حين تأتيه الفاتورة من السماء..)

ثم تضيف: عندي deux puces.. وحدة أبونمون.. نتاعكم جاتني فيها قريب مليون والأخرى غير البارح فليكسيت مائة ألف… تاكلوا الرهج…

المسكينة… في هذا البلد.. صرنا نبحث عن الهدرة بالدراهم حتى لا نمرض.. بالهم… والسراق واللي معهم…

     

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!