-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شبابنا في حاجة إلى من يستثمر فيهم

سلطان بركاني
  • 288
  • 0
شبابنا في حاجة إلى من يستثمر فيهم
ح.م

كثيرهم أولئك الشّباب الذين ترى مظاهرهم بعيدة عن الدّين، وهي حال يُلامون عليها، لكنّك تجد عندهم من الخير والجود والإيثار ما يدهشك، الواحد منهم لو طلبت منه إعانة لمسجد أو فقير أو محتاج أذهلك بموقف يحفر في ذاكرتك.. عندما تقترب منهم تجد عندهم حبّا عجيبا لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وغيرة عظيمة على دين الله وعلى أمّة الإسلام، وتجد عند كثير منهم من الاحترام والتقدير للعلماء والدّعاة وأئمّة المساجد، ما لا تجده عند بعض من صلحت مظاهرهم من الملتزمين المفتونين بالطّوائف والتّصنيف والتّجريح!

مشكلة أولئك الشّباب الذين بعدوا بمظاهرهم وأحوالهم وأفعالهم عن دين الله هي أنّ نفوسهم غلبتهم والمجتمع خذلهم، وبعضَ المتديّنين آيسوهم من رحمة الله.. المشكلة في أهمّ أسبابها في نظرتنا إلى هؤلاء الشّباب وفي تعاملنا معهم، ونحن أحوج ما نكون لتلمّس هدي قدوتنا محمّد –عليه الصّلاة والسّلام- في التعامل مع المخطئين، ومع من يقعون ضحايا لأنفسهم.. تأمّل معي أخي قارئ هذه الكلمات؛ هذا أحد الصّحابة، يُدعى عيَاض بن حِمَار رضي الله عنه، كان يُضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان النبي –عليه الصّلاة والسّلام-جَلده في شرب الخمر أكثر من مرّة، فأتى به يوماً فأمَر به النبي –صلّى الله عليه وسلّم- فجُلد، فقال رجل من القوم‏:‏ اللهمّ العنه، ما أكثر ما يؤتى به رسول الله، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام‏:‏ ‏”‏لا تلعنه، فوالله ما علمت إلا أنّه يحبّ الله ورسوله‏”‏‏.‏

إنّنا في أمسّ الحاجة لأن نستثمر في هؤلاء الشّباب الذين يملكون في دواخلهم خيرا كثيرا وغيرة لدينهم وبغضا للظّلم والأثرة، نحن في حاجة لأن نستثمر فيهم، وليس لأن نكسر النّخوة والغيرة التي في نفوسهم.. تجد الشّابّ مقصّرا في بعض فرائض دينه، لكنّه يتحدّث بكلّ حسرة وأسى عن واقع الأمّة، وتلمس في كلامه الصّدق والغيرة، فيأتيه شابّ آخر ملتزم، فيكسر خاطره بكلّ جفاء وقسوة ويقول له: أنت لا تصلّي الفجر وتتكلّم في واقع الأمّة أو تخرج لتنكر منكر الظّلم! وربّما لا يدري هذا الشابّ الملتزم أنّ قلّة الغيرة لدين الله ولمحارمه في النّفس ربّما تكون بمنزلة إضاعة صلاة الفجر.. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمن يرى محارمَ الله تُنتهك وحدوده تُضاع ودينه يُترك، وسنّة رسول الله يُرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللّسان شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق؟!”..

نعم إضاعة صلاة الفجر كبيرة من الكبائر، لا ينبغي أن يسكت عنها، لكن لا ينبغي أن نزيد إليها كبيرة ذهاب الغيرة لدين الله وكبيرة ترك إنكار المنكر.. ليس شرطا أن يكون من يتحرّك لدين الله وينصر المسلمين ولو بلسانه، ليس شرطا أن يكون معصوما، بل ربّما يكون مذنبا مقصّرا لكنّه يكره ذنبه ويكره تقصيره، ويتمنّى أن يقلع عن ذنبه ويتوب من تقصيره، ولنا في قصّة أبي محجن المشهورة خير مثال.. أبو محجن الثقفي، أحد رجال هذه الأمّة وأسودها من التابعين.. كان يشرب الخمر ومع ذلك كان مضرب المثل في الغيرة على الإسلام والشجاعة النادرة في الدفاع عنه. أُتِيَ به إلى سعد بن أبي وقاص–رضي الله عنه- يوم معركة القادسيّة ضدّ الفرس وقد شرب الخمر، فأمر به سعدٌ إلى القيد في انتظار أن يقام عليه الحدّ، وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس، وصَعدوا به فوق العُذيب ليتابع المعركة ويديرها، فلمّا التقى الجمعان، قال أبو محجن وهو في قيده: “كفى حزنًا أن تطردَ الخيل بالقنا * وأترك مشدودا عليّ وثاقيَا”، ثمّ قال لامرأة سعد بن أبي وقاص: أطلقينِي ولك اللَّه عليّ إن سلَّمنِ اللَّه أن أرجع حتّى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتُم منّي، فما كان من امرأة سعد إلا أن حلّت وثاقه، فوثب كالأسد على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثمّ أخذ رمحا، ثمّ خرج، فجعل لا يحمل على ناحية من العدوّ إلاّ هزمهم، وجعل النَاس يقولون: هذا ملكٌ من الملائكة، لما يرونهُ يصنع بالعدوّ، وجعل سعدٌ يقول: “الركض ركض البلقاء، والطّعْن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد”، فلمّا هزم العدوّ، رجع أبو محجن حتّى وضع رجله في القيد، وأخبرت زوجة سعد سعدا بما كان من أمر أبي محجن، فقال سعد: لا واللّه لا أضرب بعد اليوم رجلا أبلى الله المسلمِين على يديه ما أبلاهم”، فخلّى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشرب الخمر إذ يقام عليّ الحدّ، وأطهر منها، فأمّا إذا تركتني، فلا والله لا أشربها أبدا.. وهكذا تاب أبو محجن رحمه الله، حينما وجد من يعرف قدره ويستثمر في غيرته لدينه.. وكذلك هم كثير من شباب الأمّة، يحتاجون إلى من يستثمر في الغيرة والحمية التي يحملونها في قلوبهم للدّين وللحقّ، ليخرج منهم أسدًا ينصرون الله ورسوله.

شبابنا معادن أكثرهم نفيسة، بل معادن بعضهم من ذهب تحتاج إلى من يصقلها.. يحتاجون إلى من يدلّهم على الطّريق، ويعلّمهم كيف يغلبون أنفسهم وشهواتهم وكيف ينتصرون على الشيطان الذي ملأ قلوبهم يأسا من رحمة الله، وقال لهم إنّكم قد ضمنتم جهنّم ولا داعي للمحاولة.. شبابنا في حاجة إلى من يحنو عليهم، ويدلّهم على الطّريق التي ينتصرون بها على النّفس والشّيطان، ويعزّز فيهم غيرتهم لدينهم، ويحذّرهم هذه الأهواء التي تقتل في نفوسهم الغيرة على الدّين باسم “المنهج”.. كثير هم الشّباب الذين كانوا حال غفلتهم يغارون لدين الله، لكنّهم عندما هداهم الله وارتادوا المساجد طاف بهم بعض الطّائفين، فعلّموهم الطّعن في العلماء والدّعاة وأئمّة المساجد، وأماتوا فيهم الغيرة على الدّين، وقالوا لهم إنّ الحديث عن خذلان بعض الحكام لأمّة الإسلام ليس من السنّة، وإنّ السنّة هي أن تسكتوا عن ولاة الأمر ما دمتم لا تستطيعون الدّخول عليهم لنصحهم سرا، وتكتفوا بالدّعاء لهم فقط!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!