-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شتّان بين وضع رياضة البدن ورياضة العقل!

شتّان بين وضع رياضة البدن ورياضة العقل!

لا يحتاج أحدٌ إلى بيان لملاحظة الاهتمام الفائق الذي يعيره الجمهور الواسع والسلطات للرياضة البدنية ونخبها، وبصفة خاصة كرة القدم، مقارنة بالاهتمام الذي يوليه هؤلاء جميعا لنخبة الشباب الذين برزوا في مجال العلوم والتعلم. فقد عاد فريقنا الوطني إلى أرض الوطن مكرَّما ومحتفى به وبطاقمه من أعلى هرم السلطة إلى أبسط المواطنين. كل ذلك بعد أن وفّرت السلطات لآلاف المناصرين الطائرات المدنية والعسكرية وتكفلت بنفقات أخرى استفاد منها المتجهون إلى القاهرة في هذا الإطار الكروي. كم كلّف ذلك خزينة الدولة؟ لا ندري، لكنه لا شك بأنه مبلغ لا يستهان به في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد.

الحدث الرياضي والحدث الرياضياتي

وبالموازاة مع هذا الحدث الرياضي، احتضنت مدينة باث Bath البريطانية العريقة -التي تبعد عن لندن بنحو 180 كلم- من 11 إلى 21 جويلية الأولمبياد العالمية للرياضيات (الدورة الستون لهذه المنافسات)، شارك فيها أزيد من 600 تلميذ قدِموا من 112 دولة، منها الجزائر. وقد فازت الجزائر هذه المرة بالمرتبة 77 (من 112 دولة)… علما أن ترتيبها خلال السنوات الماضية كان كالتالي: المرتبة 62 (2015)؛ 82 (2016)؛ 73 (2017)؛ 92 (2018).

ومن ثمّ نلاحظ أن الجزائر قد حسَّنت وضعها مقارنة بنتيجة السنة الماضية وأيضا بنتيجة 2016. أما ترتيب الدول العربية الأخرى المشارِكة هذا العام فكان كما يلي: السعودية (المرتبة 33)، سوريا (55)، المغرب (64)، تونس (74)، العراق (93)، مصر (96)، الإمارات (110). وهذه نتائج دول أخرى: الصين والولايات المتحدة (الرتبة 1)، إندونيسيا (14)، الهند (15)، إيران (23)، فرنسا (25)، تركيا (30)، مليزيا (70).

وقد تكوّن الفريقُ الوطني هذه السنة من التلاميذ الخمسة الآتية أسماؤهم (بالترتيب حسب نتائجهم في المنافسات العالمية): عبد الجليل حزواط ( تحصل على ميدالية برونزية)، ريحان سيدهم وعبد اللطيف أنس شنتوف ومحمد بورابية (تحصلوا على تقدير مشرف)، وأمزيغ إسلام هليل. وأشرف على تدريب هؤلاء الفتية المفتشان عبد الله رحماني وجمال عوادي.

ومهما يكن من أمر، فهذه النتيجة التي حققها تلاميذنا تُعدّ مشرفة جدا نظرا للظروف التي تمّ فيها التدريب ونظرا لعدم تعاون وزارة التربية مع كفاءات وطنية في الداخل والخارج. ونحن هنا نؤكد على هذه النقطة لأنها تشكّل حجر الزاوية عندما يتعلق الأمر بمنافساتٍ عالمية سواء كانت في الرياضيات أو في غيرها من مختلف النشاطات الفكرية أو البدنية.

من المسؤول؟

بطبيعة الحال، فإن المسؤولية تقع على عاتق السلطات المعنية؛ فخلال السنوات الثلاث 2015-2017 عرف تدريب التلاميذ في سياق المشاركة في منافسات الأولمبياد قفزة نوعية حين تولى أمرَ هذا التدريب الأستاذ القدير مليك طالبي المنتسب لجامعة الرياض. وهكذا، بعد أن رُتب فريقنا عام 2009 في المرتبة الأخيرة، استطاع أن يحسن وضعه ويحتل المرتبة 62. لكن وزارة التربية لم تنتهز الفرصة السانحة لتواصل هذا الجهد في التدريب بتفعيل التعامل مع هذا المدرب الجزائري الناجح والمتطوع لخدمة بلده.

وقد أبدت وزارة التربية عجزا صارخا في تمويل هذا النشاط بمال زهيد؛ إذ لم تتمكن حتى من توفير مصاريف النقل والإقامة للتلاميذ الخمسة أو الستة المشاركين في المنافسات العالمية، ناهيك عن المدربين الذين لا يتقاضون أي تشجيعات مادية. وهذا راجعٌ من دون شك إلى عدم اكتراث كبار المسؤولين بالنخبة وبالنشاط الداعم لهم. ولهذا اكتفت الوزارة بما لديها من إطارات غير مختصين في هذا النوع من التدريبات.

في العام 2018، بذل زملاءٌ جهودا جبارة من أجل إقناع وزارة التربية بجلب مدربين جزائريين من الخارج ومن الجامعة الجزائرية للمشاركة في التدريب، وتم الاتصال بهؤلاء الخبراء ورحَّبوا بالمبادرة، كما أتصل زملاء آخرون بجهات أوروبية رحبت هي الأخرى بمشروع التعاون في هذا الإطار مع وزارة التربية. لكن هذه الوزارة لم تكلف نفسها آنذاك حتى بالرد على هؤلاء بكلمة طيبة أو ببرقية مجاملة وتجاهلت تماما كل تلك النداءات والمبادرات رغم أن جميع المراسلات بهذا الشأن وصلت إلى مكتب السيدة وزيرة التربية السابقة!

ومن هنا نستخلص، للأسف، أن هذا الإهمال الذي يضرب نخبنا كان متعمدا، وإلا كيف تعجز وزارة التربية على التكفل بالمشاركين في هذه المنافسات؟ ففي كل سنة، منذ 2015، يُطرح مشكل التكفل بنفقات سفر وإقامة 5 أو 6 تلاميذ مع المشرف أو المشرفين الاثنين المرافقين، وتلجأ الوزارة إلى التسوّل من الغير لضمان ذلك. وفي هذه السنة لا ندري كيف كان الحال، غير أن صورة التقطت لتلاميذنا الخمسة المشاركين تظهرهم بالمطار يرتدون كلهم قمصانا بلون أبيض، رُسم عليها العلمُ الوطني والعلامة التجارية “رامي” للعصير والمشروبات، مما يدلُّ على أن صاحب هذه الشركة قد موّل الفريق، علما أنه سبق له أن موَّله عام 2015 أيضا.

نورد كل هذه التفاصيل لاطْلاع القارئ على الوضعيات المزرية التي تعيشها نخبُنا في المجال العلمي. وقد لا يصدِّق القارئ عندما نقول إن بعضا من هؤلاء التلاميذ لم يجد قميصا يرتديه يوم التتويج في البلد المضيف، ولم يجد آخرون ما يشترون به لقمة تطفئ جوعهم في المطار الأوروبي حين قضوا ساعات طوال ينتظرون الرحلة الموالية!

وبالموازاة مع ذلك، تسود مظاهر التمويل والترف المادي لدى نخبنا الرياضية. وبطبيعة الحال، فالنخب العلمية لا تطالب السلطات بإقامة المهرجانات المكلفة ولا بمصاريف زائدة بل تطالب بتشييد مراكز لائقة للبحث العلمي توفر ظروف الإبداع والابتكار، ومراكز تعليمية تتناسب مع طموحات الشباب المتألق. هذه المؤسسات هي التي ستساهم بفعالية في إخراج البلاد من بؤرة التخلف.. فمتى نعي وننطلق في هذا المسار الذي سلكته كل الدول المتقدمة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • ابو شيماء

    اقترح تحويل المسابقة مادامت رياضة الفكر وهم شباب الى وزارة الشباب و الرياضة وتبحث لهم عن مدربين

  • د. الوافي

    يجب سن عقوبات قاسية جدا ورادعة على الطلبة والتلاميذ الغشاشين في الامتحانات - خاصة باستعمال الهاتف - في جميع مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي ، لأن في رأيي أن أهم سبب في انحطاط المستوى العلمي هو الغش وتساهل جميع أطياف المجتمع معه إلا ما رحم ربي.

  • رفيدة

    من الطبيعي جدا أن يلتف المواطنين البسطاء حول الحدث الرياضي أكثر من الحدث الرياضياتي، وذلك لأن الجميع يفهم حيثيات كرة القدم، بينما لوم الحكومة هو حق!
    ولعلَّ أكثر ما يُبهج بعد كل حدثٍ علمي همشته الحكومة ما تبديه الطبقات الواعية من المجتمع من فخر وانشغالٍ بها، وتلك بوادر خير حتما.

  • Karim

    Toutes les composantes de l'homme( physique intellectuelle morale et spirituelle) doivent être développées . Si on voit que l'on se préoccupe plus du foot ball et de la musique que du de l'intellect , la faute est aux politiques.

  • raid

    نحب كرة القدم لكن العلوم اولى يا استاذ حكامنا في عقولهم احذية وبطونهم منفوخة من الاكل مثل الكرة نحن نطالب بفدرالية للرياضيات الفكرية والعلمية (العلوم ) على غرار كل الفدرليات الرياضية وتخصيص مزانية لها مثل جميع الفدرليات

  • riad

    نحن نحب كرة القدم لكن العلم اولى يا استاذ حكمنا في رؤوسهم احذية وبطونهم منفوخة مثل الكرة من كثرة العلف مثل الاربقار والتي تدر على الاقل الحليب نطلب استحداث فدرالية لهذه الرياضة العقلية ويمنح لها ميزانية مثل كل فروع الرياضات الاخرى