-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شرعية الإنجازات بعد شرعية الانتخابات

شرعية الإنجازات بعد شرعية الانتخابات
أرشيف

مَن يعتقد أنه قادر على تصحيح الأوضاع والاختلالات التي تعرفها البلاد بمفرده، أو من خلال ربح كل شيء مقابل خسارة الآخرين، مُخطئ كل الخطأ.

منطق الصراع في وضعنا الحالي لا يُمكن أن يؤدي إلى البناء أبدا، بل التوافقات المتوازنة على برامج عمل مرحلية مدروسة لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات هي ما يُمكنه أن يضعنا على الطريق الصحيح.

مواصلة التعامل مع بعضنا البعض وفق منطق أنا على الطريق الصحيح وأنت على الطريق الخطأ لا يستقيم، وببلادنا بالذات. ينبغي أن نعرف أن بين الخطأ والصواب هناك ملايين الاحتمالات التي تجمع ولا تُفرِّق. لِمَ نَنسها ولا نرى سوى طرفي الخط: الصواب والخطأ. باستثناء المسائل المرتبطة بالعبادات والتوحيد، البقية بطبيعتها تتحرك على سلم الخطأ والصواب صعودا ونزولا.. لِمَ لا نَبحث عن نقاط الالتقاء القريبة بدل نقاط الابتعاد البعيدة، ثم نشرع في العمل والإنجاز؟
يبدو لي أنه علينا اليوم أن نفكر بغير المنطق الثنائي التقليدي (إما خطأ أو صواب) أو المنطق الأرسطي (مقدمة، مقدمة وسطى، نتيجة)، بل نلجأ إلى المنطق ثلاثي القيم (صواب، خطأ، لا صواب ولا خطأ)، وأشكال المنطق الأخرى المتعددة القيم وما أكثرها، التي يُمكِنها أن توصلنا إلى حلول أكثر واقعية وأقل تكلف في الميدان.
لا أتصور أن ما يدفع الناس لحالتي الغضب والثورة يبرر التشبث بالمنطق الثنائي في التعامل مع الواقع: أنا الصواب وهو الخطأ. كما لا أتصور أن تحقيق الصواب المطلق وإزالة الخطأ المطلق أمران قابلان للتحقيق في المسائل السياسية وخاصة عندما يتعلق الأمر بكيفية ممارسة الحكم وبوسيلة الانتخابات.

عكس ذلك:

ـ ما هو قابل للتحقيق وما يجمع الناس هو الدخول في ديناميكية الإصلاح التي يُمكنها أن تنعكس على حياة الناس..

ـ وما هو قابل للتحقيق هو بناء رؤية مستقبلية واضحة والشروع في تنفيذها في أقرب الآجل..

ـ وما هو قابل للتحقيق هو الشروع في العمل والإنجاز أساس كل شرعية.

لا يمكننا في ظل خصائص المجتمع الذي نعيش فيه بناء الشرعية من خلال الانتخابات فقط، إنها جزء من الحل وليست كل الحل، لأنها ستبقى في المستقبل المباشر مسألة مثيرة للجدل وسببا في الخلافات. لقد ازدادت الصعوبات التي تعترض الانتخابات في كافة البلدان، بازدياد التطور التكنولوجي وما تلعبه منصات التواصل الاجتماعي من تأثير، وكذا ما تلعبه سلطة المال بكل أنواعه. لم تسلم منها حتى البلدان الأكثر خبرة في مجال الممارسات الديمقراطية. وسيزداد الوضع سوءا في هذا المجال في البلدان الديمقراطية الليبرالية ذاتها فما بالك عندنا.

لذلك ليس أمامنا سوى التوجه أكثر نحو شرعية الإنجازات حيث يكون المقياس الأول والأخير فيها: ماذا قدَّمت وما الذي تستطيع تقديمه لهذا البلد؟ وعلى هذا الأساس سيُصبح الفرز أكثر موضوعية حتى عند الترشح للانتخابات. سيكتشف الناس أن الكثير ممن يمارسون ما يوصف بالعمل السياسي لم يُقدِّموا شيئا للبلاد كجهد وكعمل وكعطاء إنما هي فقط المناورات. بعضهم لم يعمل يوما في حياته عملا حقيقيا…

ولعل هذا سيكون مصدر أمل لنا لنسلك طريقا آخر غير ذلك الذي تعودنا السير فيه… أنْ تَسبق الإنجازات الملموسة السياسة وليس العكس، أنْ نَخرج من دائرة وعود الحملات الانتخابية، ومن القول: “في القريب العاجل سنتحول إلى الانجاز وسنبني لكم دولة عصرية ديمقراطية… إلى آخر الكلام”! سننتهي من هذا، وإذا انتهينا، منه ستعود الثقة تدريجيا ويعود الأمل…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • محمد عبد الهادي

    ما المعايير والمؤشرا التي يمكن من خلالها تقييم شرعية الانجاز ؟ وهل تصلح شرعية الانجاز في ظل شرعية انتخابية مشبوهة؟

  • ابن الجبل

    فلنتوقف عن المشي تحت الطريق وفوق الطريق . ولندخل الى الطريق .. عندئذ نكون قد بدأنا السير واتضح النهج...!!

  • خالد

    على ( النخبة ) أن تفرق أولا بين واقع فيه صراع بين الحق و الباطل و واقع آخر فيه تنافس أهل الحق فيما بينهم لتقديم الأ حسن لشعبهم و لبلدهم .....الحالة الثانية تستدعي الانتخابات أما الحالة الأولى تستدعي عمل ضخم للنخبة و العلماء و الخبراء و الحكماء و خيرة المجتمع ....فأين هم!؟