-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شركات التكنولوجيا : خطر على الجامعات؟!

شركات التكنولوجيا : خطر على الجامعات؟!
ح.م

كانت الأستاذة الفخرية بجامعة هارفارد شوشانا زوبوف Shoshana Zubof قد ألفت عام 2019 كتابا مثيرا نال رواجًا واسعًا، وكان أيضا محلّ نقد من قبل بعض الأكاديميين الغربيين. جاء هذا الكتاب بعنوان “عصر رأسمالية المراقبة” (The age of surveillance capitalism)، ومن بين ما أوردته الكاتبة تحذير من تأثير عمالقة شركات التكنولوجيا على السيادة الأكاديمية. وكذلك فعلت، في مطلع هذا العام، الأستاذة كارين مايكس Karen Maex، رئيسة جامعة أمستردام الهولندية المختصة في الهندسة الإلكترونية. دعنا نتعرف على دواعي هذا التحذير الذي أوضحه الأستاذ يان مايكلبوست Jan Myklebust  ضمن مقال في أسبوعية “أنباء الجامعات في العالم” التي تصدر في لندن.

العصر الرقمي

 تشير الأستاذة شوشانا زوبوف إلى أن العصر الرقمي الفعلي قد رأى النور في مطلع هذا القرن، حيث تمّ في ذلك الوقت تخزين 25 % فقط من مجمل البيانات والمعلومات في العالم تخزينًا رقميًا. وبحلول العام 2007، كانت هذه النسبة أقرب إلى 97% ! وتلفت الباحثة الأنظار إلى أن شركات مثل “جوجل” و”تويتر” و”فيسبوك”، تقوم دون طلب موافقة المعنيين، بجمع معلومات حول سلوكاتنا عبر الإنترنت، وهي المعلومات التي نقدمها لهذه الشركات باستخدام خدماتها “المجانية”. فلم نعد نحن “نستخدم خدمات البيانات بل هي التي تستخدمنا”.

 وتؤيد هذه الرؤية الأستاذة كارين مايكس إذ دعت قبل أيام، المفوضين الأوروبيين إلى اقتراح “قانون الجامعة الرقمية” لتأمين وضع الجامعات كمؤسسات تعليمية وبحثية مستقلة، وللدفاع عنها ضد ضغوط كبريات شركات التكنولوجيا.        فقد ألقت كارين مايكس يوم 8 جانفي الجاري خطابها السنوي الذي عنونته “حماية المعارف المستقلة والعامة” ألحّت فيه على المسؤولين الأوروبيين للسعي إلى عدم ترك مستقبل المعرفة في أيدي “رجال أعمال لامسؤولين يتخذون قراراتهم وراء  أبواب مغلقة”!

وتعوّل كارين مايكس على جهود المفوضية الأوروبية للموافقة على تشريع جديد يقنّن الخدمات الرقمية من أجل وقف التأثير السلبي لعمالقة التكنولوجيا على خيارات المواطنين في مواضيع مختلفة، الناجم عن استعمال هؤلاء المواطنين للكم الهائل من المعلومات الضخمة المخزنة في قواعد بيانات تلك الشركات. وترى الباحثة مايكس أن القرارات التي تتخذها عمالقة التكنولوجيا لها تأثير واسع النطاق على مجتمعاتنا، وبوجه خاصة الجامعات. ولذلك لا يمكننا ترك الأمور تسير على هذه الحال.

 وشبه أحد الباحثين الوضع الحالي في شقّه التكنولوجي بوضع الطرقات عند ظهور إشارات المرور الضوئية في الشوارع بالألوان الأحمر والأخضر والبرتقالي. فقد لجأ آنذاك الخبراء إلى وضع تلك الإشارات في مفترقات طرقات المدينة عندما زادت حركة السيارات. والآن لدينا مثل هذه الزيادة في حركة مرور المعلومات على شبكة الإنترنت، ولا بد من وضع “قواعد تجعل عالم الإنترنت موثوقًا وآمنًا لجميع مستخدمي الطرق الرقمية” حتى نتجنب الفوضى. وهنا تشير الباحثة مايكس إلى أن ذلك ينطبق على مستقبل الجامعات والتعليم والبحث المستقل، إذ لا يمكننا ترك القرارات الخاصة بمستقبل المعرفة لمجالس إدارة الشركات المغلقة.

 ونبهت مايكس إلى أن الجامعات والمكتبات خلال الثمانينيات من القرن الماضي تأثرت بالتطورات التكنولوجية الرقمية الجديدة التي انعكست على طريقة عمل الناس وإنتاج المعرفة اليوم. وأدانت الهيمنة المفرطة المتزايدة لكبريات شركات التكنولوجيا وقارنت دورها بدور “سادة السوق” حيث تقرّر تلك الشركات اليوم من يمكنه الوصول إلى المعلومات ومن تحجب عنه المعرفة. كما توجّه التفاعلات بين المستخدمين وتحوّل هذه التفاعلات إلى بيانات. وهذا الوضع ينتهك السيادة الأكاديمية ويتجاوز “وظيفة النشر” التي كان يضطلع بها في البداية عدد كبير من تلك الشركات.

لا تمييز بين العلم والسياسية!

وتوضح مايكس أن تلك الشركات الخاصة تواصل توسيع دورها في رحاب الجامعة، بينما يتقلّص الطابع العمومي لنظام المعرفة المستقل وتضيّق عليه الخناق. وتضيف : “لكن هذا ليس كل ما في الأمر. فبالإضافة إلى احتكار تخزين البيانات الخاصة بالتعليم والبحث وغيره، تلعب هذه الشركات أيضًا دورًا كبيرًا في توجيه المناقشات العامة : عند القيام بذلك، فهي لا تميّز مثلا بين المعلومات العلمية والمصالح السياسية أو غيرها من المصالح”.

  ومن بين الأسئلة التي يمكننا طرحها : ما الذي يجب علينا فعله لتكون القيمة المضافة التي تقدمها المنصّات الإلكترونية وشركات البيانات في خدمة الجامعات ضمن دورها الأكاديمي العام؟ وفي هذا السياق، دعا البرلمان الأوروبي الشركات المعنية إلى توفير الشفافية واحترام حقوق المستخدم.

لكن الأستاذة مايكس لا تكتفي بهذه الدعوة بل تريد تحديد الأدوار : “يحتاج المجتمع إلى وصيّ على المعرفة العلمية، وصيّ يخدم المصلحة العامة على أساس القيم الأخلاقية العامة. نحن بحاجة إلى مساحة مركزية حيث يمكن العثور على البيانات والمعلومات، والوصول إليها على نطاق واسع”. وأوضحت أن القيمة المضافة التي توفرها المنصّات الكبرى وشركات البيانات ينبغي ألا تؤدي بتلك الشركات إلى اكتسابها هيمنة مفرطة على المؤسسات الجامعية. ولذلك فإن أداء مهام الجامعات في مجال التعليم والبحث واستقلاليتها أمور بالغة الأهمية في التعامل مع الجهات الرقمية.

وفي إطار التنويه بالحفاظ على دور الجامعة وتأمينه من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا الرقمية، بلغ الحدّ ببعض الباحثين في مركز أبحاث البيانات بجامعة غرونينجن (Groningen) الهولندية أنهم منكبون الآن على محور بحث عنوانه “الكرامة الإنسانية في العصر الرقمي”، وهم يرون أن مباني الجامعات وهياكلها في العصور الماضية والتقاليد الرائعة المعمول بها في المجتمع الأكاديمي قبل ظهور العصر الرقمي صارت الآن مهددة بالاندثار!

ولذلك يجمع هؤلاء الباحثون على أن المجتمع الأكاديمي يحتاج إلى التدقيق بعناية في علاقته مع عمالقة تكنولوجيا المعلومات : لا شكّ في أن منتجات هذه الشركات توفّر خدمات جليلة للجامعات، ولكنها في نفس الوقت تهدّد الحرية الأكاديمية والاستقلالية.

 وخلاصة القول إنه لا يمكن نكران فضل كبريات شركات التكنولوجيا على التعليم والبحث العلمي في كل مكان، غير أن رقيّ الجامعات ونجاحها يقتضي منها الحذر والعمل للحد من محاولات هيمنة تلك الشركات عليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • يوجد

    يوجد روبوتات فيسبوكيون مدمنيين على لايكات

  • Non grata

    Comme d'habitude, notre Professeur est au top de la réflexion profonde et critique.
    Merci Professeur.