-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شغف الجزائريين بالتاريخ.. لماذا؟

شغف الجزائريين بالتاريخ.. لماذا؟

كشف الإقبال العريض لزوار المعرض الدولي للكتاب، المنعقد بالجزائر هذه الأيام، عن شغفٍ كبير لقطاع واسع من الجزائريين، ومن مختلف الفئات والمستويات، بالكتاب التاريخي المحلّي، بل وتحديدا بالمذكرات الشخصيّة للمجاهدين وكبار المسؤولين السابقين في الدولة، مثلما نقلت العديد من وسائل الإعلام.
لا شكّ أن النزوح نحو القراءة في كافة الاتجاهات، مؤشرٌ إيجابي على مستوى الوعي الفكري والثقافي والعلمي لدى الجزائريين، كما أنّ التطلع لمعرفة الأسرار والحقائق بشأن وقائع الماضي وسيرة الأبطال وصنّاع الأحداث، هو غريزة معرفيّة، إن جاز التعبير، لدى كلّ الشعوب.
غير أنّ الاهتمام المتزايد للجزائريين باستكشاف دهاليز التاريخ واقتحام كواليسه، بكلّ ألغامها وصراعاتها وأخطائها ورموزها، لا تفسّره فقط رغبة القراءة المطلقة أو الحنين نحو الماضي، بل هو بالأساس تعبيرٌ طبيعي عن حالة الظمأ الشديد التي تستبدّ بهم في مواجهة القحط التاريخي، بفعل تراكم عوامل متداخلة، حالت دون الإطلاع على سجلّ التاريخ بكل سلبياته وايجابياته بشكل موضوعي ومنصف.
الأخطر من ذلك في تقديرنا، هو أنّ تهافت الجزائريين على أسفار التاريخ يُترجم انعدام ثقتهم بالمطلق في كل الروايات الرسميّة المدوِّنة لأحداثه، والتي هي مقرَّرة في برامج التعليم والإعلام منذ الاستقلال.
إنّ ضعف النزاهة العلميّة لدى السلطات العموميّة، لاعتبارات سياسية وجهوية وشخصيّة، في توثيق حقائق التاريخ الوطني، بعد 56 عامًا من استرجاع السيادة، دفع بجزائريين إلى استقراء الأحداث المفصليّة والخلافيّة من مصادر غير رسميّة، بحثًا عن الحقيقة المفقودة، لكن مثل هذا الأمر يُعدّ في الواقع سلاحًا ذا حدّين؛ إذ بقدر ما يضع الحقائق في متناول الجميع، فهو يحرّفها أحيانا ويزوّرها أو يشخْصنها، عندما تغلب الذاتيّة على شهادات الرُواة، فينسبُون لأنفسهم كلّ آيات الكمال، رامين خصومهم أو منافسيهم بأشنع الأوصاف.
كما أنّ فوضى التاريخ الناجمة عن نقص الشفافيّة في تناول محطاته البارزة، كرّس ولعقود من الزمن النزعات الجهويّة المقيتة بين مناطق الوطن الواحد، حتّى كادت تصنع منها قنبلة موقوتة، بدل أن يكون قاسمًا مشتركًا لاجتماع الجزائريين، لذلك لا غرابة أن نجد كتابات الكثير دفاعيّة تجاه وقائع المنطقة ورجالها، مهما بدت قاتمة في أعين الآخرين، أمّا منشورات مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة فهي منفلتة من كل الضوابط العلميّة والأخلاقيّة، ما يعني أنّ التاريخ لدى هؤلاء صار أداة قذرة لإدارة لعبة الصراع الجهوي والسلطوي.
نحن لا ننتقص هنا من قيمة الشهادات التاريخيّة التي يُلقي بها أصحابها إلى الجيل الجديد، بل هي ضرورة ملحّة، خصوصًا في ظل طغيان ثقافة التكتّم والمجاملة لدى عليّة القوم، وإيثار الكبار الحفاظ على مصالحهم الماديّة والعائلية مقابل التزام الصمت إلى حين.
بيد أنّ قواعد المنهجية البحثية تؤكد أنّ المذكرات والشهادات، مهما سمت مراكزُ موقّعيها، ليست هي التاريخ أو الحقيقة المطلقة، بل هي المادة الأولى والخامّ التي يشتغل عليها المحقق المتخصِّص لغربلة الغث والسمين منها، فلا نجعلها قرآنًا نجادل بها كل مخالف.
هذه الحيثيّات تفرض التأنّي والنضج في التعاطي مع التاريخ، والنظر إلى نتائجه الحضارية الكبرى، كفعل بشري تراكمي، وليس بصفته أحداثًا معزولة ومتفرّقة، حتّى نجعل من موروثنا الزاخر محطة إقلاع وعبور نحو المستقبل، عوض أن يظلّ كابحًا يشدّنا إلى الوراء لأجل تصفية حسابات سياسويّة أو مناطقيّة ضيّقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • مخضرم

    بكل بساطه ان التاريخ الدي درسناه في حكم الحزب الواحد كان منتقاء ودرسونا ما ارادوا وما كان يليق لسياستهم فكل المواضيع كانت مزيفه ولدالك نبحث عن الحقيقه وعن الفكر والفكر المضاد اليوم اصبحنا نعرف كيف نميز بين الحقيقه والمزيف

  • simberk

    إن المسلمين اعتبروا الهجرة بداية تاريخهم في الحياة ولم يعدوا ميلاد نبيهم ولا مبعثه مبدأ لذلك التاريخ الحافل البعيد ولم يكن هذا التصرف إلا فقهاً منهم في دينهم وبصيرة نافذة في معرفة حقيقته وتقديس روحه
    بدا لي من دراسة التاريخ ومن دراسة الانسان العربي بالذات أن الامة العربية تفقد انسانيتها يوم تفقد الإسلام
    العيب في دراسة التاريخ اننا أحياناً نطالع صفحاته لنقرأ أنباء الانتصارات والهزائم ، وأخبار المواليد والوفيات … ولكن التاريخ شئ آخر وراء هذا الظاهر ، وهو أن تعرف ما المقدمات التي انتظمت حتى انتهت بالنصر أو الهزيمة

  • م/ أولاد براهيم.

    لا ياأخي التا ريخ هو كل شئ أنظر ماذا يقول ميكيافلي في كتابه الامير le prince يقول أنه كان يعلم الساسة طرق الخديعة؛ والمكر؛والكذب؛والانتهازية..؛ ولما درس التاريخ في آخر اليامه. أدرك أن أحداثا وقعت رغم الكذب؛؛؛ فصحح؛ وقال .أحذروا مكر التاريخ فلا مستحيل في التاريخ.. فالتاريخ بابعاده الثلاث هو أساسي ؛وضروري لاستمرار الحياة بدون انقطاع؛ فلا شئ في الوجود يستغنى عن التأريخ؛ ولا شئ لا يوجد به التاريخ باسطا أجنحته بين الابعاد.مهما كان سواء عن طريق التاريخ؛ أو طريق الماضي؛والحاضر؛ والمستقبل ( الاستشراف) أقرأ تاريخ الشعوب التي تطورت بسرعة مثل البيابان مثلا وخاصة الامبراطور الميجي تجد الجواب الشافي .

  • karim

    هل يوجد في الصحافة (الند للند) صانعي القرار داخل المؤسسات الإخبارية ماهو تفكيرهم في صناعة الراي العام "الذكاء الاعلامي= مستقبل الاخبار كيف نفهمه. وهل فعلا يوجد مستقبل للاحبار. هل يوج اقتصاد للمعرفة في الجزتئر"" نريد ان نسمع""

  • م/ أولاد براهيم.

    يقول شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتورأبوالقاسم سعد الله رحمه الله.: .. نحن الجزائريين نصنع التاريخ ؛ ولكن لا نقرؤه..

  • الطيب ــ 2 ــ

    هو بداية نهاية " الشرعية الثورية " أي المطلوب هو التاريخ الصحيح كما هو بإجابياته و سلبياته للانطلاق نحو مستقبل مشرق بشرعية جديدة هي شرعية العلم و الكفاءة و تطوير البلد و هو ذاته استمرارًا لمبادئ ثورة نوفمبر المجيدة و تحقيقًا لرغبة الشهداء التي لخصوها في بيانهم في الحقيقة . و في نفس الوقت الاستفادة من التاريخ بعدم الوقوع في نفس الأخطاء .

  • الطيب ــ 1 ــ

    الشعب ــ طبعًا ليس كله ــ يلجأ إلى التاريخ في الآونة الأخيرة خاصة ، لأنه وصل إلى مرحلة من الوعي تبّين له فيها أنّ هناك تناقض كبير بين الواقع الذي يعيشه سياسيًا و ثقافيًا و اقتصاديًا و اجتماعيًا و هو واقع التخلف و أعظم ثورة صنعها الأجداد و الآباء في العصر الحديث فهو لم يهضم هذا التناقض الغريب فيريد البحث عن مكمن الخلل فتراه يقرأ لمن يكتب عن تاريخ الجزائر الحديث خاصة المذكرات و الشهدات و عن المحطات التاريخية و الشخصيات التاريخية الأكثر ظهورًا و الأكثر جدلاً .لماذا الآن ؟! لأننا نعيش منعطفًا تاريخيًا هو بداية نهاية " الشرعية الثورية " ....يتبع

  • ابن الجبل

    أرى أن هناك سببين رئيسيين لشغف الجزائريين بالتارخ الجزائري . العامل الأول : هو أن ثورة الجزائر أعظم ثورة في العالم على مدى قرون من الزمن على الاطلاق ، سواء من حيث عدد الشهداء أو في كيفية التضحية وحب الوطن . أما السبب الثاني : فهو أن التاريخ الجزائري مازال مجهولا عند الجزائريين، فيه كثير من اللبس والغموض... هناك مناطق وأشخاص لم يعطهما التاريخ حقه ، كقرى دمرت عن آخرها أو عائلات استشهدت بكاملها بعدما أعطت كل شيء ... اذن ، الشعب يريد الحقيقة الكاملة عن الثورة .

  • صالح بوقدير

    ليس التاريخ من يصنع المستقبل فقدأكلوا به وشربوا على حساب الشعب كفى استفلالا للتاريخ فقد دمرت البلدفأمريكا بدون تاريخ ومع ذلك فهي سيدة العالم إن من يصنع المستقبل هو العلم هو العمل هي الحرية فإذا استطاع الشعب أن يتسلح بالعلم ويفتك حريته ويشمر للعمل فإنه قد مهد الطريق لمستقبل زاهر وعيش كريم أما التشوق لمعرفة ماجرى فهومن باب الفضولية وملإ الفراغ ورحم الله من قال:إن الفتى من يقول هاأنذا وليس الفتى من يقول كان أبي