-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شيخ الإسلام فيلسوفًا

شيخ الإسلام فيلسوفًا
ح.م

” فإنّي كنت دائما أعلم أنّ المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذّكي، ولا ينتفع به البليد. ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت من صدق كثير منها، ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه وكتبت في ذلك شيئًا، ولمّا كُنت بالإسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم المتفلسفة بالتهويل والتّقليد، فذكرت له بعض ما يستحقّونه من التّجهيل والتّضليل، واقتضى ذلك أنّي كتبت في قَعدةٍ بين الظّهر والعصر من الكلام على المنطق وما علّقته تلك الساعة‏. ثمّ تعقّبته بعد ذلك في مجلس الى أن تمَّ، ولم يكن ذلك من همّتي فإنّ همّتي إنّما كانت فيما كتبته عليهم في (الالهيّات)، وتبيّن لي أنّ كثيرا ممّا ذكروه في المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيّات، مثل ما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانيّة، بل فيما ذكروه من الحدود التي تعرف التّصوّرات، بل ما ذكروه من صور القياس ومواده اليقينيّات”.

ورد هذا الكلام في سِفرٍ كبير عنوانه ” نصيحة أهل الإيمان في الرّد على منطق اليونان ” ومن عنوانه ندرك فكرته وموضوعه وحجم الجهد الّذي بذله صاحبه في الرّد على المنطق الأرسطي ومثلما ذكر، فإنّه ما كان ليكتبه إلاّ لما رآه من تعظيم لفلسفة أرسطو في مصر، وبالإسكندريّة خاصّة، وأغلب الظّنّ أنّ تلك الكتب التي وقعت بين يديه كانت في حقيقة الأمر تراجم وشروحات لابنِ رشد على مقالات أرسطو، وأنّ هؤلاء الّذين كانوا مفتونين بتلك المقالات هم أتباع ابن رُشد المعجبين بمنطق أرسطو.

وحتّى نتقدّم رويدًا رويدًا الى موضوع هذا المقال فإنّه يستحسن بنا أن نعرّف بصاحب هذا الكتاب فنقول قبل أن نذكر اسمه وبعضًا من حياته أنّه ورجل عاش في أحلك الظّروف التي أحاطت بالإسلام في بداية القرن الثّالث عشر: مغول وتتار يمسحون مدن الاسلام مسحًا، ويبيدون أهله شرّ ابادة، وبقايا ممالك صليبيّة تسعى للتحالف معهم لإستصال شأفة الاسلام، وملوك مسلمون أصابهم الوهن والخور، ودخل بينهم الشّقاق يتردّدون في الدفاع عن أراضي المسلمين، وطوائف من النّصارى تعمل عيونًا للممالك الأفرنجية في بلاد الشّام، وفرق دينيّة شيعيّة اسماعيليّة ونصيريّة غالت في غيّها وضلالها، لا تتوانى عن التّعاون مع هذا العدوّ أو ذاك، ومذاهب فقهيّة سنّية أنهكها الجدل وعلم الكلام لإثبات العقائد، وكثرة التّفريعات من أجل استخراج فتوى أواستنباط حكم، وعامّة شعب غشيتها غيبوبة التّصوّف، فغاب عنها معنى العقل ومعنى الجمال فتشوّشت أذهانها وتاهت في عالم الوهم والكشوفات وبحثت عن الحقيقة في وجدان الشّيوخ وخُروقات الأقطاب، وأقاصيص المدّاحين في الأسواق.

1ــ هو أكبر من أن يُنبّه على سيرته:

في هذا الظّلام الدَّامس من سنة 661ه الموافق ل 1263م وفي هذه الظّروف وهذا الوقت الّذي احتاج فيه الإسلام الى من يجدّد معانيه،ويتصدّى لهجمات أعدائه،ويرفع من همّة أتباعه ولد تقيّ الدّين أحمد بن عبد حليم بن تيميّة بحرّان ببلاد الشّام وعاش بها يسيرًا ثم رحل وهو طفل صغير الى دمشق فعاش بها إلى أن مات بسجن قلعتها سنة 728ه الموافق ل1328م.

ولأنّ ابن تيميّة علمٌ من أعلام فكرنا البشري، وليس في حاجة للتّعريف به، فإنّه لا يسعنا أن نضيف الى ذكر صفاته العقليّة والخلقيّة التي ذكرها من كتبوا عنه من أنّه كان: ذا حافظةٍ قويّة، لِما يسمع ويقرأ، وذا بديهة حاضنة، وحجّة دامغة، واحاطة غريبة بالآراء المختلفة للعلماء في كلّ علمٍ وفكرٍ وفنّ، فقد أحصى الباحثون عدد الكتب التي كتبها فوجودها حوالي 591 كتابًا، منها 138 كتابًا في الفقه والفتاوى، و112 كتابًا في التّفسير وعلومه،وبيان توافق العقل البشري مع الوحي االإلهي. وأن نجمع بين ما قاله عنه معاصروه وتلامذته وما قاله عنه المستشرقون الغربيّون ممّن اهتموا بفكره وفلسفته.

أمّا تلامذته فأعظمهم وأهمّهم ابن قيّم الجوزيّة الّذي سار على نهجه وكتب على طريقته فقال عن شيخه: “شيخ الإسلام والمسلمين القائم ببنيان الحقّ ونصرة الدّين، أحيا الله به من السّنة ما كان دارساً، وفتح به من العلوم مقفلها، وأزاح به عن النفوس عِللها، فقمع به زيع الزائفين، وشكّ الشّاكين وانتحال المبطلين، وصدقت به بشارة رسول رب العالمين بقوله صلى الله عليه وسلم:” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. وأمّا عن رجاحة عقله وحدّة فكره فقال:” ومن أراد معرفة هذا فليقرأ كتاب شيخنا وهو”بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح” فإنّه كتاب لم يطرق العالم له نظير في بابه، فإنّه هدم فيه قواعد أهل الباطل من أساسها، فخرّت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيّد فيه قواعد أهل السنة والحديث، وأحكمها ورفع أعلامها، وقرّرها بمجامع الطّرق التي تقرّر بها الحقّ من العقل والنّقل والفطرة، فجاء كتابا لايستغنى من نصح نفسه من أهل العلم عنه، فجزاه الله عن أهل العلم والإيمان أفضل جزاء، وجزى العلم والإيمان عنه كذلك”.

أمّا الامام الذّهبي الشّافعي المذهب فقال عنه في معجم شيوخه:”هو أكبر من أن يُنبّه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الرّكن والمقام لحلفتُ على أنّي ما رأيت مثله، وأنّه ما رأى مثل نفسه”.

وكذلك ابن حجر العسقلاني قال عنه في تقريظه لكتاب “الرَّد الوافر”:” وشهرة إمامة الشّيخ تقيّ الدّين، أشهر من الشّمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ الى الآن على الألسنة الزّكيّة ويستمرّ غدًا كما كان بالأمس، ولا يُنكر ذلك إلاّ من جهل مقداره، أو تجنّب الإنصاف، فما أغلظ من تعاطى ذلك، وأكثر عُثاره… ومع ذلك فكلّهم معترف بسعة علمه، وكثرة ورعه، وزهده وشجاعته، ونصرته للإسلام والدّعوة الى اللّه في السّر والعلن…”.

وتتطابق هذه الصُّورة التي رسمها لنا معاصرو ابن تيميّة مع صورة الانبهارالتي شكّلها عنه المستشرقون الغربيّون الّذين درسوا مؤلّفاته، ونحاول أن نحصر أراء هؤلاء المستشرقين في ثلاثة منهم كلّ حسب دولته.

فنبدأ بأوّلهم وهو الفرنسي هِنري لاووست الّذي قضى خمسين سنة في دراسة الفكر الاسلامي، وألّف سِفرا من 755 صفحة عن فلسفة ابن تيمية السّياسيّة أسماه ” نظريّات ابن تيميّة في الإجتماع والسّيّاسة”. فقد قال لاووست: ”  العالم الكبير تقي الدين أحمد بن تيمية الذي لم يزل أثر أفكاره وآرائه حياً عبرالأجيال حتى أيّامنا هذه…عالم متفتّح الذّهن يمقت الانزواء والانطوائية ويحبّذ المساهمة الفعّالة في الأعمال النّافعة والمفيدة للأمّة… وابن تيميّة رجلٌ فذٌّ حقًّا، لم يتكرّر في تاريخ أمّة الاسلام، بل لم يكن له شبيه في أيّة أمّة أخرى”. وأنَّ كتاب ابن تيميّة ” السّياسة الشّرعية في اصلاح الرَّاعي والرَّعيّة” ألّفه صاحبه بطلب من السّلطان قلاوون، وأنّ الكتاب صار مرجعًا لدولة المماليك ابتداءً من هذا العهد.

أمّا المستشرقة  الألمانيّة كوج جولن فقد تساءلت في أطروحة دكتورا قدّمتها لجامعة برن بسويسرا بعنوان “نقد ابن تيميّة للمنطق الأرسطي ومشروعه المُضاد” عن مدى تأثير ابن تيميّة في المنهج التجريبي في الغرب، وتأثيره على فلاسفة أوربّا، ومن الأمثلة التي ساقتها تطابق رأي  ابن تيميّة مع جون لوك الانجليزي، ففي كتابي الفيلسوفين نجد نفس العبارات، فابن تيميّة كتب في كتابه “نصيحة أهل اليونان في نقد منطق اليونان”: ” وهؤلاء يقولون أنَّ المنطق ميزان العلوم العقليّة ومُراعاته تعصم الذّهن عن أن يغلط فكره كما أنَّ العروض ميزان الشّعر، والنّحو والتّصريف ميزان الألفاظ العربيّة… ولكن ليس الأمر كذلك فإنّ العلوم العقليّة تُعلم بما فطر اللّه عليه بني آدم من أسباب الإدراك لا تقف على ميزان وضعيّ لشخصٍ معيّن ولا يُقلّد في العقليّات أحد بخلاف العربيّة فإنّها عادة لقومٍ لا تُعرف إلاّ بالسّماع وقوانينها لا تُعرف إلاّ بالاستقراء…” عبارات ابن تيميّة هذه تتطابق مع كتبه الفيلسوف جون لوك بعده بثلاثة قرون في كتابه “رسالة في فهم البشر”:”إنَّ اللّه لم يكن مُمسكًا إلى حدّ أن يخلق الانسان حيوانًا ذا رجلين ويترك عقلانيّته لأرسطو … واذا إعتبرنا أنّ القياس حتمًا آلة العقل ووسيلة العلم تكون النّتيجة أن قبل أرسطو لم يكن أحد قد علم شيئًا عن طريق التّعقّل أو استطاع أن يعلم.”

وأخيرا نعرض ما قاله الانجليزي جوهان هوفر من جامعة أوكسفورد الّذي اعتبر ابن تيميّة كأحد أعظم المفكّرين، وأكثرهم إنتاجًا في العالم الاسلامي حيث كتب يقول: ” إنّ ابن تيميّة شخصيّة عصريّة، يقف في منطقة وسط بين بداية الاسلام وحاضره، وأنّه صاحب أضخم ردّ على الأديان في الإسلام،وعلى الشّيعة،وردّ على المنطق الأرسطي. وهو في الحقيقة شخصيّة عصريّة باعتبار الابستيمولوجيا عنده، والطّريقة التي يُقارب بها النّصوص وغير ذلك، وقد كتب عملا ضخمًا جدًّا يُناقش فيه أنّ الوحي الاسلامي يوافق العقل،أي أنَّ النّقل يوافق العقل… آمن بصلابة أنّ الدّين الاسلامي جَذريّ وموافق للعقل، وعمل بجدّ ليبيّن ذلك…وهذا ما يريده المسلمون اليوم، يريدون عقلانيّة تفسّر القرآن والحديث النّبويّ الشّريف بطريقة معقولة…”.

2ــ الوجود ليس شفّافًا والعقل ليس بمطلق النّفاذ:

لم يكن شيخ الاسلام ابن تيميّة هو أوّل من انتقد الفلسفة اليونانيّة والمنطق الأرسطي بل سبقه إليه كثيررون من فقهاء الاسلام وفلاسفته، أمّا نقد الفلسفة فقد سبقه الى ذلك أبوحامد الغزالي الّذي انتقد مسائلها من داخلها و بوسائلها، ففنّدها، وقوّض أساساتها.

وأمّا المنطق الأرسطي الّذي ركّزنا عليه في هذا المقال فقد سبقه اليه أبو سعيد السّيرافي في مجلس مناظرة بينه وبين أبي بشر متَّى بن يونس أحد مترجمي الكتب اليونانيّة وشارحها. وقد سجّل أبوحيًّان التّوحيدي تلميذ السّيرافي نفسه هذه المُناظرة في كتابه “الإمتاع والمؤانسة”، ونقل لنا صورة لها، فقد بيّن السّيرافي لمتَّى في هذه المناظرة بطلان المنطق الأرسطي، و”أنّ نظام اللّغة وقواعدها هي التي يُعرف به صحيح الكلام من خطئه. و يُميّز المعنى الصّحيح عن السّقيم بقوَّة العقل! … ثمّ قال له: واترك كلّ هذه الأمور وانتبه الى هذا الموضوع” حيث أنّ رجلاً يونانيًّا قد أسّس المنطق وجعل في نصب عينيه في تهيئة المنطق، الموافقة للّغة، واصطلاح الشّعب اليوناني، وراعى الرّسوم والأوصاف التي تعرفها اليونان من هذه اللّغة في عرفهم. في هذه الصّورة من أين وبأيّ دليل يُلزم هذا العمل على التّركي والهندي والفارسي والعربي لينظروا في المنطق اليوناني، ويجعلوه حُكما في نفعهم وضرّهم؟ ويقبلوا كلّ ما شهد لهم ويتركوا ما أنكر عليهم؟!”.ثمّ انتهى السّيرافي أن لا حاجة أصلاً للمنطق، فهو أصلاً لا يحلّ الخلافات، ولا ينتفع به بليد ولا يحتاج اليه ذكيّ.

ومن النّتيجة التي توصّل اليها أبوسعيد السّيرافي في نقده، انطلق عبد الحليم بن تيميّة في كتابه ” نصيحة أهل الايمان في الرّد على منطق اليونان” في تقويض أساسات المنطق الأرسطي، وبعكس السّيرافي الّذي يبدو أنّه لم يطّلع على المنطق اليوناني إلاّ من خلال سؤاله لمتَّى، وجواب متّى له، فانتقده انتقادًا خارجيًّا، وسريعًا، فإنّ ابن تيميّة كان قد درس المنطق اليوناني وتعمّق فيه حتّى تبيّن له أنّ سبب فساد عقائد الفلاسفة راجع إلى فساد المنطق وبطلان حدوده التي اتبعوها في البرهان والتّبيان. ومن عصارة كلام ابن تيميّة على المنطق الأرسطي أنّ:

ــ قضيّته الكلّية (الحدّ الأوّل) تصويريّة افتراضيّة لا توجد إلاّ في الذّهن والقضيّة الجزئيّة الصُّغرى (الحدّ الثّاني) عينيّة واقعيَّة، والعقل يتوصَّل إلى القضيّة الجزئية المحسوسة قبل الكلّية الافتراضيّة، فالكلّي أمر في الذّهن لا وجود له في الواقع ،ففي الواقع لايوجد إلا المحسوس المجّرب.

ــ أنّ الأشياء المعلومة بالتّواتر والتّجربة والحدس يختصُّ بها من علمها بهذا الطّريق، فلا تكون حجّة على غيره بخلاف غيرها فإنّها مشتركة يحتجّ بها على المُنازع.

ــ البرهان المنطقي لا يلتفت الى استقراء الجزئيّات فلا يبدأ بأمور جزئيّة ليصل إلى قوانين، بعكس الإستقراء العلمي الّذي المبني على التّجربة والملاحظة الدّقيقة للجزئيّات لاستخلاص القوانين الرّبّانيّة في الكون والإنسان، وهنا تبيّن لشيخ الاسلام أنّ كثيرا ممّا ذكره المناطقة هو”من أصول فساد قولهم في الإلهيّات،مثل ما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانيّة، بل فيما ذكروه من الحدود التي تعرف التّصوّرات، بل ما ذكروه من صور القياس ومواده اليقينيّات”.وانتبه مثلما قال المرزوقي إلى أنّ “الوجود ليس مكشوفًا، وأنّ العقل ليس بمطلق النّفاذ” كما زعم الفلاسفة فكتب كتابه ” موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول”  الّذي جاء فيه: ” أمّا كتابنا هذا فهو في بيان انتفاء المعارض العقلي وابطال قول من زعم تقديم الأدلّة العقليّة مطلقًا…” وفي رسالة بعث بها عبد اللّه بن حامد أحد تلاميذ ابن تيميّة الى ابن قيّم الجوزيّة يصف فيها فرحته بعثوره على كتاب “درء تعارض العقل والنّقل”:

ــ لمّا اطّلعت على مباحثه واستدلالاته التي تزلزل أركان المبطلين، ولا يثبت في ميادينها سفسطة المتفلسفين…وكنت قبل وقوفي على مباحث إمام الدنيا، قد طالعت مصنفات المتقدمين، ووقفت على مقالات من المتأخرين، من أهل الإسلام، فرأيت منها الزّخارف والأباطيل، والشكوكات التي يأنف المسلم الضعيف في الإسلام أن تخطر بباله، فضلا عن القوي في الدين، فكان يتعب قلبي، ويحزنني ما يصير إليه الأعاظم من المقالات السخيفة والآراء الضعيفة، التي لا يعتقد جوازها آحاد الأمة…ويسوؤني ذلك، وأظل أحزن حزنا لا يعلم كنهه إلا الله، حتى قاسيت من مكابدة هذه الأمور شيئا عظيما، لا أستطيع شرح أيسره. وكنت ألتجئ إلى الله سبحانه وتعالى وأتضرع إليه، وأهرب إلى ظواهر النصوص، وألقى المعقولات المتباينة والتأويلات المصنوعة، فتنبو الفطرة عن قبولها. ثم تشبثت فطرتي بالحق الصريح في أمهات المسائل،غير متجاسرة على التصريح بالمجاهرة…إلى أن قدر الله سبحانه وقوع مصنف الشيخ الإمام (إمام الدنيا) في يدي، قبيل واقعته الأخيرة بقليل، فوجدت فيه ما بهرني من موافقة فطرتي لما فيه، وعزو الحق إلى أئمة أهل السنة وسالف الأمة،مع مطابقة العقول والنقول،فبهت لذلك سرورا بالحق وفرحا بوجود الضالة التي ليس لفقدها عوض. فصارت محبة هذا الرجل محبة ضرورية، تقصر عن شرح أقلها العبارة ولوأطنبت.

ومن ثم يستنتج ابن تيمية عِلّة التناقض بين الإسلام والمنطق لأنه يعود في النهاية إلى اعتبار العقل الإنساني في صورته المنطقية الجزئية مقياسا للوجود وهو معنى السفسطة بحيث إن الانتباه إلى هذا التناقض هو الذي كان الخيط الهادي إلى ثورتيه الفلسفتين اللتين أنهتا الميتافيزيقا القديمة ومعها علم الكلام وما يستمده منهما التصوف وخاصة تصوف وحدة الوجود فقال:” ذلك أي تصوّر واجب الوجود عند الفلاسفة والمتكلمين من منطلق قسمة ابن سينا الثلاثية للكلي : بشرط وبلا شرط وبشرط وأمثاله هو سبب ما اشتهر بين المسلمين أن المنطق (أي الأرسطي) وحقيقة لوازمه (الميتافيزيقية شروطه وما يترتب عليها) يجر إلى الزندقة. وقد يطعن في هذا من لم يفهم حقيقة المنطق (الأرسطي) وحقيقة لوازمه. ويظن أنه في نفسه لا يستلزم صحة الإسلام ولا فسادة ولا ثبوت حقّ ولا انتفائه وإنما هو آلة تعصم مراعاتها عن الخطأ في النظر.وليس الأمر كذلك بل كثير مما ذكروه في المنطق يسلتزم السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات.” المصدر نفسه

وكل من له معرفة بالثورة المنطقية والرياضية التي جعلت منطق أرسطو ورياضيات أقليدس مجرد عنصر جزئي من المنطق مشروط بمسلمات ميتافيزيقية تجعله لا فاعلية له إلا عند البقاء في النظرية الوجودية الهيلومورفية القائلة بالمقولات العشروبالجواهر الثواني و من بالأعراض الذاتية إلخ الشروط التي من دونها لا معنى للمنطق الأرسطي

وقد أنهى ابن تيميّة بتقويضه للمنطق الأرسطي مثلما يقول المرزوقي بلا رجعة معركة الدِّيكة بين المُتكلّمين والفلاسفة أيُّهما أدرى بالحقيقة النّظريّة عامّة، والحقيقة القصديّة خاصّة و ذلك من خلال نظريّته فيما بعد المنطق التي أدركت حقيقة القصور المنطقي الّذي كان سائدًا قبل ثورته (صريح المعقول الصوري الذي غاية التصوير فيه النمذجة للمضمون المفترض).

كما أنهى بلا رجعة كذلك معركة خدم السُّلطان بين الفقهاء والمتصوّفة أيُّهما أدرى بالحقيقة العمليّة عامّة والحقيقة الشّرعيّة خاصّة وذلك من خلال نظريّة ما بعد العمل التي أدركت القصورالتّاريخي الّذي كان سائدًا قبل ثورته(صحيح المنقول أو علم ما بعد التّاريخ كما حاول وضعه ابن خلدون لنقد الأخبار والتمييز بين ما يعلم وما لا يعلم من التاريخ).

3ــ كي لا نظلم ابن تيميّة فلنقرأ فتاويه في سياقها الزّماني والمكاني:

في الحقيقة ما عرفت مفكّرا ولا مثقّفا كبيرا في تاريخ عالمناالاسلامي أساء سفهاء العامّة ومثلهم سفهاء الخاصّة* فهمه، مثل ابن تيميّة، أمّا سفهاء العامّة فهم أولئك البُلّه الّذين شوّهوا الدّين ونفّروا الخلق منه باستدلالاتهم الخاطئة، واسقاط فتَاوَاه في غير محلّها، وفي واقع غير واقعها، ثمّ زعموا أنّهم على منهجه.وأمّا سفهاء الخاصّة من شانئيه من أشباه المتعلّمين الّذين يحفظون النّصوص حفظًا، فيبحثون في كتاباته لعلّهم يجدون زلّة من زلاّت قلم الرّجل أولسانه فينزلون به أوصاف التّطرّف والتشدّد، والقول بالتّكفير، وأنّ ابن تيميّة هو مصدر الإرهاب، والشّرور التي يُعانيها المسلمون اليوم. كلّ ذلك لأنّ البُنية الذّهنية لعقولهم أعجز من أن  تفهم أفكاره وفتاواه.

 إنّ ما يرونه تشدّدا وتطرّفا مع بعض الفرق الدينيّة سواءً الاسلاميّة أو النّصرانيّة انّما كان انعكاسًا لظروف العصر الّذي جاء فيه وجلّ فتاويه كانت فتاوى ظرفية وتعزيريّة تكيّفت مع الزمان والمكان الّذي عاش فيهما.

والحقّ أنّ ابن تيميّة لم يكن أوّل من أفتى بتلك الفتاوى التي نراها اليوم متشدّدة أو متطرّفة بل سبقه الى ذلك من الفقهاء والعلماء من هو ذو شأن.

وأنا أقرأ في كتاب دولة الاسلام في الأندلس (جزء عصر الطّوائف) للمرحوم محمّد عبد اللّه عنّان وأقلّب الصّفحة تلوَ الصّفحة حتّى وصلت الى صفحة النّصارى المعاهدون وموقف دولة المرابطين منهم، فوجدت أنّ الإمام ابن عبدون الفهري الأندلسي (1050ـ1135م) كاتب سرّ بلاط عليّ بن يوسف بن تاشفين،وقبله كان كاتبًا للأميرعمرالمتوكّل بن الأفطس أمير بطليوس كان أكثر تشدّدا وتطرّفا بلغة عصرنا من ابن تيميّة. وأنّه كتب كتابًا يدعو فيه الى الإشتداد في معاملة النّصارى المعاهدين وتجريدهم من كثير من ضروب الحرّية التي كانوا يتمتّعون بها من قبل.

وكان عليّ أن أرجع الى المصدر الّذي اعتمده الكاتب في تبيان موقف المرابطين من طائفة النّصارى المعاهدين والّذين عاشوا في المدن الأندلسيّة التي بقيت تحت حكم المُسلمين بعد سقوط دول ملوك الطّوائف واستيلاء المرابطين على ما بقي من دولة الاسلام في الأندلس.

وكان المصدر هو رِسالة في  الحسبة والقضاء لإبن عبدون الأندلسي المالكي وضعها في بداية العصر المرابطي وممّا جاء فيها:

1ــ يجب أن يُقطع ببلاد الإسلام ضرب النّواقيس

2ــ وأنّه نظرًا لفساد أخلاق القساوسة، يجب أن يُؤمروا بالزّواج كما في ديار المشرق.

3ــ ويجب ألاّ يترك في دار القسّيس إمرأة ولا عجوز ولا غيرها.

4ــ كما يجب أن تمتنع النّساء الإفرنجيّات من الدّخول الى الكنيسة إلاّ في يوم فضلٍ أو عيد.

5ــ ويجب ألاّ يُباع من اليهود أو النّصارى كتاب علم إلاّ ماكان من شريعتهم، لأنّهم يترجمون كتب العلوم وينسبونها الى أهلهم وأساقفتهم، وهي من توليف المسلمين.

هذه الفتوى عندما نقرأها في سياق الزّمان والمكان الّذي أعقب سقوط الدّولة الأمويّة في الأندلس وظهور امارات ملوك الطّوائف، واشتداد الرّوح الصّليبية ضدّ المسلمين وانحسار النفوذ الاسلامي وسقوط أكبر مدنهم وأعظمها (طُليطلة). نفهم أنّ هذه الفتوى ماكانت إلاّ صدى لمواقف النّصارى المعاهدين المتّسمة بالعدوان والخيانة.

وهي أشدّ تطرّفًا من فتوى ابن تيميّة الّذي أفتى بمنع بناء الكنائس لكنّ الظروف التاريخية للفتوى كانت شبيهة بظروف فتوى ابن تيميّة وهي الظّرف التي تعاون فيها الكاثوليك الأرمن مع الصّلبيين القادمين من أوربّا. وتآمر فيها الصّليبيّون مع التّتار لتقويض دولة الإسلام. ومن الطّريف ما جاء في رسالة ابن تيميّة  الى “سرجون” حاكم قبرص يذكّره فيها بتعاون رئيس النّصارى بمدينة سيس (مدينة سيس جنوب تركيا) مع التّتارومع هذا فإنّ المسلمين بقوا على عهدهم يعاملون أهل الملّة النصرانيّة بالاحسان. ثمّ شرح له كيف استنقذ هو نفسه أسرى اليهود والنّصارى من التّتار ولم يرضَ أن يستنقذ أسرى المسلمين وحدهم. وممّا جاء في الرّسالة:

” وقد عرف النصارى كلهم أنّي لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم غازان وقطلوشاه وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين. قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يطلقون. فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى، الذين هم أهل ذمتنا، فإنا نفكهم، ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، وأطلقنا من النصارى من شاء الله فهذا عملنا وإحساننا”.

ثمّ بيّن له احسان المسلمين الى السّبي من النّصارى الّذين عندهم:

“وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحد إحساننا ورحمتنا بهم كما أوصانا خاتم المرسلين حيث قال في آخر حياته: (الصلاة، وما ملكت أيمانكم) قال الله تعالى في كتابه: “ويطعمون الطعام على حبه: مسكيناً، ويتيماً، وأسيراً”.

عندما نقارن بين فتوى ابن عبدون المالكي وابن تيمية الحنبلي، أحدهما يعتمد في استنباط الأحكام واصدار الفتاوي على وأصول  قواعد المذهب الّذي يتبعه، والآخر مجتهد مستقلّ يعتمد في فتواه على النّصوص الشّرعية مباشرة (الكتاب والسّنّة). نفهم سرّ تطابق الفتوى وسرّ تشدّد الأوّل (ابن عبدون) على الثّاني (ابن تيميّة)

إنَّ حسن حالات المرء المعنوية، ودرجته الإيمانية لا تكفِ للوصول الى الحقيقة، ولن تمنعه من التّقلّب بين الخطأ والصّواب،أي على الفقيه أن يرتقي بفهمه الى درجة النّباهة التي وصل اليها ابن تيميّة الحنبلي وابن عبدون المالكي.

وعندما نُلمّ بكامل هذه النّوازل التي ألمّت بالعالم الاسلامي في تلك الفترة (بداية الرّبع الأوّل من القرن ال13م)، ساعتها يُمكننا أن نفهم ما نراه اليوم تشدّدا وتطرّفا من شيخ الاسلام عبد الحليم بن تيميّة، وكلّ من يقرأ فتاويه في هذا السّيّاق، ولا يلتفت إلى ما يكتبه الخُرّق والبلحُ والسّفّه يفهم أنّها ما كانت إلاّ فتاوي ظرفيّة اذا تعلّق الأمر بالوضع السّيّاسي الذي عاش فيه أو تعزيريّة اذا ما تعلّق الأمر بسلوك الأفراد أو الجماعات في تلك الفترة. وننصف الرّجل ولا نجد غير أن نقول عنه إنّه عبقريّ من عباقرة الأنام. أو نقول مثلما قال عنه ابن دقيق العيد وابن الوردي: ” رأيت رجلاً كلّ العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد ويدع ما يريد… كانت له خبرة تامّة بالرِّجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث مع حفظٍ لمتونه الّذي انفرد به، وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه… وكان يكتب في اليوم واللّيلة من التّفسير، أو من الفقه، أو من الرّد على الفلاسفة  نحوا من أربعة كراريس، وله التّآليف العظيمة في كثير من العلوم…

4ــ لماذا يكرهون ابن تيميّة:

مثلما حاز ابن تيميّة حبّ علماء المسلمين، حاز أيضًا عداء بعض علمائهم، وتعدّيهم عليه فنال في زمانه والى يوم النّاس هذا عداء الصّوفيّة لمّا كتب كتابه “بُغية المرتاد في الرَّدّ على أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتّحاد” في الرّد على كبراء التّصّوف الفلسفي كابن عربي، وابن سبعين،وغيرهما، والقائلين بالولاية لأفراد معيّنين يكونون بعد الأنبياء،وهذا ما اعترض عليه ابن تيمية ايضًا وقال أنّ  ولاية  اللّه قد تكون للتّاجر، وتكون للصّانع، كما تكون للإمام،  و للخطيب كلّ حسب صواب فعله، ومدى اخلاصه لخالقه وأن لا واسطة بين الانسان وخالقه، ممّا يعني تحرّرالعقل البشري من سطوة الامام المعصوم أوالقطب الرّبّاني فالكلّ يعمل لمرضاة ربّه حسب طاقته الايمانيّة والفكريّة. أمّا النّوع الّذي يُسمّى بالتّصوّف السّني والّذي يختصّ بالزّهد والعبادة وتزكيّة النّفس وتهذيبها مستمدّا ذلك من الكتاب والسنّة ومنضبطًا بهما فلم يعادِه ابن تيميّة ولا قال بحرمته بل كتب فيه كتابًا زكّى فيه رجاله، وكلّ الّذي نبّه إليه أن قال: “أنّ الزّهد المشروع هو ترك العبد ما لا ينفع في الدّار الآخرة، وأما ما يُعين العبد على طاعة اللّه فلا يجب تركه”. وأثنى على الجُنيد فقال:

ــ ” فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التّصوّف والمعرفة كان قد اهتدى ونجا وسعد، ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوّى بين الجميع لزمه ألاّ يفرّق بين الحسنات والسّيّئات وبين الأنبياء والفسّاق…”

كما غضبت منه الشّيعة ولاتزال لأنّه كتب كتابه “منهاج السّنّة النّبويَّة في الرّد على الشّيعة والقدريّة” للرَّدّ على كتاب “منهاج الكرامة” للعالم الشّيعي ابن المطهّر الحِلّي المعروف بالشّيعي، أنكر فيه حجج عصمة الامام، وتوارث الولاية والامامة في الاسلام، وأنّ العِصمة لا تكون إلاّ للمبلّغ الأوّل صلّى اللّه عليه وسلّم. والحقّ أن ابن تيميّة لم يكفّر جميع مذاهب الشّيعة إلاّ النّصيريّة والاسماعيليّة منها، أمّا باقي فرق الشّيعة فقد حصرهم في دائرة الضّلال وليس دائرة الخارجين عن الاسلام، وصفة الضّلال هي محلّ إجماع بين علماء أهل السّنّة، وفي هذا يقول عنهم في فتاويه:”وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرّافضة والجهميّة وغيرهم إلى بلاد الكفّار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفّارا”.

وحمل عليه بعض أهل السّنّة حملة شعواء لمّا قال بعدم جواز شدّ الرِّحال الى القبور، وعدم جواز تجليل مثل هذه الأمور، كابن حجرالهيتَمي والنّبهاني…

وأمّا المتعصّبون للمذاهب الفقهيّة فقد أبغضوه لمّا قال بأولويّة النّص الشّرعي على قول المذهب وعاداه الفلاسفة والمعتزلة وعلماء الكلام لمّا دحض منهجهم وسفّه فكرهم، وكشف أستارهم، وهتك أسرارهم، وقال بحجب الغيب وعجز العقل ادراك ما وراء عالم الشّهادة، وأنّ حدود القضايا المنطقيّة لا توصلنا الى معرفة عالم الغيب، وانّما منهج القرآن الّذي دعا الى التّأمّل والنّظر في جزئيّات الكون كي نصل الى عظمة ووحدانيّة الخالق مستشهدًا في ذلك بقوله تعالى في سورة  الأعراف الآية 185: ” أو لم ينظروا في ملكوت السّموات والأرض وما خلق اللّه من شيء” والآية 101 من سورة يونس:” قل أنظروا ماذا في السّموات والأرض”.

وفي العصر الحديث عندما سُئل الفيلسوف التّونسي أبو يعرب المرزوقي لماذا يكرهون ابن تيميّة ولماذا يحقدون عليه قال:

لقد كانت خلافات ابن تيمية مع الكبار الذين هم من حجمه، وليس مع الصغار ولا حول الصغائر، وكان كلامه مع أكبر ممثليي الأفكار والرؤوس، لا مع الأذيال والبعبوس.

إنّ كل من تعرّض إليهم ابن تيمية ممن عاصروه أو سبقوه من المسلمين وغيرهم كانوا يتصورون أن الوجود شفّاف وأن العقل مطلق النفاذ.

فكيف لا نتصور كرههم لابن تيمية وهو لم يقطع رزقهم المبني على الدجل فحسب بل قوّض عليهم بيوتهم الخربة التي كانوا يتصورونها علما، هذا فيما يتعلق بكره بعض أهل الدّين والملّة لابن تيمية.

ولقد عودي ابن تيمية وظلم (معرفيا) قبل أن يُظلم (خلقيا أو عقديا)، خصوصا بعد تغول المدّ الصفوي، ولقد عودي وظلم من قبل مليشيّات الدّعاية الصّفوية والهزيمة السنّية وأبواقهما الحمقاء

أما عن كره العلماني والماركسي والليبرالي لابن تيمية، فهم على أنماط:

ولأبدأ بالماركسي (وأكثرهم هرجا: ناصر حامد أبو زيد): خرافة العلاقة بين النّص والواقع بالمعنى الماركسي؛ من يصدقّها اليوم إذا كان حقا مطّلعا؟

هؤلاء يريدون أن يسوّقوا فكرا متخلّفا ليظهروا بمظهر الفلاسفة المجددين: تجار روبافيكيا وليس منهم (من ماركسيي العرب وعلمانييهم وليبرالييهم) من يمكن أن يضاهي نفاذ فكرابن تيمية لأسس الفلسفة الغربية الحديثة، اليونانية الجوهر.

وأما جمهور العلمانيّين والليبراليين، فإن ادّعاء أن قوانين العقل الإنساني هي قوانين الوجود فهوعين السّذاجة، وهذه السّذاجة صاغها ابن خلدون بعبارة جميلة: رَدُّ الوجود إلى الإدراك، وهنا يردّ عليهم ابن تيمية بما ذكرناه سابقا من نفي (الشّفافية المطلقة للوجود)

أما من يدّعون التّيميّة كذبا من حلفاء الطّواغيت، فهؤلاء ليسوا حجة عليه، أولا، لأنّ ذلك يناقض فلسفته وأخلاقه وتاريخه، وثانيا، لأن ذلك دليل غباء، وهو (ابن تيمية) يشتعل فطنة: فمن يموّل العسكر لا يأمن تشجيع الانقلاب عنده حتما.

وهو ليس مكروها من النّخب وحدها، بل هو مكروه أيضا من موظيفهم، ولعلهم يشجعونهم على تشويهه تقربا من حماتهم ورعاتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • alilao

    لكل زمان معاركه ومعاركنا اليوم ليست هاته.

  • مهاجر

    أحسنت البيان المنصف لشيخ الإسلام ابن تيمية.

  • محمد

    مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لا يمكن الإستغناء عنها. بل الواجب علينا الإستغناء عن العلمانيين الذين يتخذون الفلسفة سلما للقضاء على مستقبل الناس في الدار الآخرة. استدرك العلماء بعض الأخطاء التي تعد على الأصابع لشيخ الإسلام لأنه إنسان يصيب و يخطئ و أذكر ذلك حتى لا يضن معارضوه أن من هم على منهجه متعصبون له ليس لهم تفتح. التفتح بارك الله فيكم هو تفتح العقل و ارتقاءه أما اتباع أصحاب الشهوات و الشبهات فهذا انحطاط و ليس تفتحا و من حكمة الله أن يجعل لكثير منهم التمكين في الأرض ليبتلي الناس و يمتحن ايمانهم.

  • خليفة

    ما احوجنا الى الاطلاع على تراثنا الفكري و الديني ،و محاولة التعرف على هذه الشخصيات الفكرية التي تمتلك قدرات عقلية و نقدية تتجاوز بها مستوى بعض الفلاسفة في العصور القديمة و حتى الحديثة ،يجب ان نعيد قراءة فكر هؤلاء قراءة واعية و في اطارها الزمكاني ،حتى نتفهم مواقفها من بعض الحركات الفكرية ،و كذا الفتاوى التي اصدرتها انذاك،لاحقاق الحق و ابطال الباطل ،يبدو ان ابن تيمية من خلال نقده للمنطق اليوناني ،يبدو انه يحمل فكرا عقلانيا نقديا ،علما و انه فقيه و متبحر في علوم الدين ،و هذا ما يثبت عمليا انه لا تعارض بين العقل و النقل.

  • رضوان

    بغض النظر عن السجالات الفكرية حول هذا المجهد العالم أو ذاك، فاننا بحاجة الى عودة هذه المقالات لتملأ صفحات صحفنا لكي نهزم مجتمع السوق الذي قاده الاستهلاك الى الاهتمام باسترضاء الغرائز فحسب، بدلا من تغذية العقول والأذهان والأفهام، وهكذا استحكمت الأنانيات وأزمة الأخلاق

  • حقائق متطابقة ...

    قرأت لابن تيمية ..وقرأت من الفكر الغربي الأوربي دراسات جادّة ونقديّة .... تطابقات عجيبة بين ما كتبه
    الرجل منذ مئات السنين وما توصّل إليه الأوربيون بعد قرون من ذلك...
    والأعجب أنّ الفكر الأوربي يقترب يوما بعد يوم من حقائق الإسلام ....
    سوف يأتي الوقت الذي يصير فيه أكثر الناس تمسكا بالإسلام هو أقرب إلى الحقائق التي يثبتها العلم الحديث... العلم الجادّ والدراسات النقديّة المتتابعة ... وليس الأفكار البالية التي لا يزال العلماني والحداثي يتشبثّ بها ...

    تحياتي للكاتب ...
    ودعواتي لكلّ مريد ومتبّع للحقيقة ...
    ورحمة الله على شيخ الإسلام ...
    وسلام على المرسلين ...
    والحمد لله ربّ العالمين ...

  • جزايري حر

    مقال مفيد بار ك الله فيك ... شيخ الاسلام هو ابن تيمية
    وأن تعمر في هذه الدنيا ولم تقرأ لابن تيمية ... حتما سيفوتك الكثييير