-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
دراسة منهجية للباحث والمفكر العالمي هنري لوزيير

صناعة السلفية : الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين

الشروق أونلاين
  • 1917
  • 3
صناعة السلفية : الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين
ح.م

صدر حديثا كتاب “صناعة السلفية: الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين”، للباحث والمفكر العالمي هنري لوزيير، عن داريْ إبن النديم الجزائرية والروافد الثقافية اللبنانية، في طبعة عربيّة من ترجمة عمرو بسيوني وأسامة عباس
يرصد العمل الرصين عملية تشكُّل السلفية في نسختها المعاصرة منذ عشرينيات القرن العشرين تقريبًا وصولًا إلى تسعينياته، مركزًا اهتمامه على الحقبة الأولى، وملامح السلفية فيها، وتطورها حتى آلت إلى السلفية التي نعرفها الآن، حيث يتكوّن من مقدمة، وستة فصول، وخاتمة. تعرّض المؤلّف في البداية للظاهرة التي يواجهها كتابُه، وهي قلَّة اعتناء كثير من الباحثين في الدوائر الغربية بمصطلح (السلفية) إلى حدّ عدم معرفته أساسًا، منطلِقًا من ذلك إلى عرض (مشكلة الكتاب)، وهي اللَّبْس الحاصل في مفهوم (السلفية) الذي غدا عند كثير من الباحثين المتخصصين في مجالهم فضلًا عن عموم المثقفين: إشكاليًّا.

وبَسْط ذلك الإشكال بوضوح: أن السلفية – بما هي ظاهرة فكرية إسلامية معاصرة- تعاني من فجوة مظلمة حول لحظة تأسيسها، وبعبارة واضحة: متى ظهرت السلفية المعاصرة؟ وكيف؟ وزاد الطينَ بِلَّةً وجودُ مُسلَّمة في الدوائر الغربية البحثية أن بدء الظاهرة السلفية كان على صورة حركةٍ إصلاح حداثية في الإسلام، تزعمها الأفغاني ومحمد عبده (وهي الصيغة الحداثية للسلفية)، ثم انتقلت إلى نسخة أكثر محافَظةً مع استمرار جوهرها الإصلاحي الحداثي مع رشيد رضا، وصولًا إلى النُّسَخِ (الرَّجْعِية) -بمعنى انسحاب الجوهر الحداثي- من السلفية المعاصرة الوهابية (وهي الصيغة النقاوية للسلفية)، ولكلٍّ منهما خصائص خطابية مختلفة، تعرّض لها المؤلف باختصار.

حاول المؤلف في المقدمة أن يشير إلى أنّ الثغرة الأساسية في بحث موضوع تشكُّل السلفية المعاصرة هي ثغرة منهجية، ترجع إلى الاعتماد على مسلمات بحثية دون تدقيق في أساسها، وبما يستلزم فرض قراءة مسبقة على المصادر الأولية، وقراءتها قراءة تأويلية بالاعتماد على الأدبيات الثانوية. وبناء على ذلك تنشأ مشكلة دائرية في منهج البحث. وللتخلص من هذه المعضلة؛ يجب التحرر من جميع هذه المسلمات، والرجوع أولًا وبصورة أساسية إلى المصادر الأولية لآباء السلفية المعاصرة وسلفهم، للوقوف على، ومحاكمة؛ هذه المسلمات البحثية، والوصول إلى الحقيقة في سياقها التاريخي.

ويستعرض الباحث في الفصل الأول”معنى أن تكون سلفيًّا في القرن العشرين” محددات معنى مصطلح السلفية التاريخي، وكيف كان يستعمل في أول القرن العشرين، قبل التحولات المفاهيمية اللاحقة.

وهذا ليؤكد الكاتب فكرته حول حداثة استعمال السلفية بالمعنى الأيديولوجي الشمولي قبل القرن العشرين، والمعنى اللاهوتي الضيق الذي كانت تستعمل به في تلك الحقبة الاستعمارية، قبل ترسُّخ السلفية المعاصرة الشمولية، وذلك عن طريقٍ مزيد من الاستقراء لدوكسوغرافيا الإسلاميين بعامة والإصلاحيين بخاصة في بواكير القرن العشرين واستعمالهم لمصطلح السلفية، بما يؤكد -وفقًا للكاتب- أنه كان بالمعنى اللاهوتي الضيق.

ثم تعرض الكاتب لأسباب سوء استعمال مصطلح (السلفية)، بحيث جرى تعميمه وراء بُعده العقدي بحيث يصبح لقبًا لمنهج إسلامي شموليّ، وتناول الحديث عن تسمية بعض المجلات والمكتبات والمطابع بالسلفية، ودورها في ذلك، بل تعرّض لبعض العبارات الموسّعة للسلفية -بحسب رأي المؤلف- للقاسمي ورشيد رضا في أوائل القرن العشرين، واعتبر ذلك استعمالًا مُربكًا وجديدا للسلفية.

وبحث المؤلف بعد ذلك سؤالًا: “لماذا تبنى الكثير من الإصلاحيين المعتدلين العقيدة السلفية؟”، وأرجع السبب في ذلك إلى أن العقيدة الكلامية الصعبة والمشوشة للعامة كانت عائقا للإصلاح في وجهة نظرهم.

وفي دمج بين البحث النظري، والتطبيق على حالةٍ: استعرض المؤلف في ذلك الفصل أيضًا قصة تحول الهلالي -المثيرة-؛ من الصوفية إلى السلفية أوائل القرن العشرين.

وفي الفصل الثاني”رشيد رضا وردّ الاعتبار للوهابية وعواقبه”، وهو فصل تأريخي في شق كبير منه، تناول تطور بواكير الحركة السلفية المعاصرة في الفترة خلال عشرينيات وثلاثينيات، حيث يركز المؤلف على نظرة رشيد رضا الإصلاحية وملاءماتها السياسية عقب سقوط الدولة العثمانية، وموقفه من الشريف حسين، ثم ميله الكبير إلى الدولة الفتية الجديدة في الجزيرة العربية (السعودية)، ودفاعه المستميت عن الحركة الوهابية ودولتها السعودية.
ويرصد في ذلك الفصل حركة الابتعاث الكبيرة التي وفدت في تلك الفترة على السعودية من مجموعة من تلاميذ رشيد رضا ودوائره: محمد بهجة البيطار، ومحمد حامد الفقي، وعبد الظاهر أبو السمح، ومحمد عبد الرزاق حمزة، ثم تقي الدين الهلالي.

وفي ذلك السياق تعرّض المؤلف لطبيعة دور هؤلاء الدعاة الجدد، وكذا تعرض لبعض الأحداث الدالّة لهؤلاء المبتعثين، وبخاصة الهلالي، وما رافق مهمتهم هناك من صعوبات وتحديات بسبب توجهات العلماء النجديين من جهة، ورغبات القيادة السياسية من جهة أخرى.

ومع التأريخ المفهومي للتطورات التي دخلت على مفهوم السلفية رويدًا رويدًا، رصد المؤلف كيف أن نسبة التسامح العقدي التي كان يتسم بها مشروع رضا السلفي الإصلاحي -وتلاميذه-؛ قد بدأت في التقلُّص شيئًا فشيئًا مع تماهيه مع مشروع الدولة الجديدة بأيديولوجيتها الصارمة النقاوية والبرجماتية في آن. واستعرض شواهد لذلك.

أما الفصل الثالث “السلفية النقاوية في عصر القومية الإسلامية”، فقد رصد من خلاله ظهور السلفية النقاوية مع صعود القومية الإسلامية.

وقد تميزت هذه الحقبة بأمرين: أولا: ظهور اسم السلفية مجرَّدًا دالًّا على منهج إسلامي شامل، لأول مرة -بحسب المؤلف- في عشرينيات القرن العشرين، وكان ذلك في بعض المجلات الجزائرية، وكذلك بالمزامنة في كتابات محمد بهجة البيطار. ثانيهما: ظهور اسم السلفية علمًا لأول مرة -بحسب تنظير المؤلف- على منهج فقهي.

وفي هذا السياق يؤكد المؤلف أن فكرة اللامذهبية قديمة، ولكن الجديد هو استخدام مصطلح السلفي للتعبير عن هذه الفكرة، ومع ذلك فقد استمر نوع من التصالح مع المذهبية وإبداء الاحترام لها كما في كتاب (الإسلام الصحيح) لأبي يعلى الزواوي أحد تلاميذ رشيد رضا.

وفي تلك الفترة بدأ يظهر تمايزان للسلفية، مفهوم يدعو للاعتقاد الحنبلي الجديد وعدم الابتداع، وكان هذا متركزًا في الشرق، ومفهوم آخر حداثي للسلفية يشبه على نحو مذهل -وفق المؤلف- ما فهمه ماسينيون أو ما ادعاه بالأحرى عن نشأة السلفية، ويمثله المصلح المغربي المعروف علال الفاسي، ربط ذلك المفهومُ السلفيةَ بالدعوة إلى العقل ونبذ التقليد والتحرر من قيود عصور الانحطاط، فكانت هذه السلفية الحداثية مجرد نزوع إحيائي أكثر منه دعوة لأقوال معينة في العقيدة أو الابستمولوجيا المنهجية، وهو بذلك مخالف لمفهوم السلفية النقاوية.

وفي الفصل الرابع “مفارقات الحداثة وظهور السلفية الحداثية”، أفرد المؤلف فصلًا عن تطور السلفية النقاوية في المشرق، ثم انتقل إلى فصل آخر عن السلفية الحداثية وظهورها في المغرب.

ففي سياق ظهور فكرة القومية الإسلامية للتحرر من الاستعمار، وبما أن فكرة القومية نفسها فكرة حداثية؛ فمن الطبيعي أن يكون الفكر الديني الملتف حولها فكرًا حداثيًّا، بخلاف السلفية النقاوية التي كانت حديثة، وإن لم تكن حداثية، فلم تتبن قيم الحداثة الأساسية في السياسة والاجتماع.

ومع ذلك وُجدت بعض العلاقات بين السلفية النقاوية والغَرْب الذي يمثل قيم الحداثة، وقد كان الهلالي مجسِّدًا لذلك الاشتباك والالتباس في العلاقة: يظهر هذا من عداوة الهلالي للاستفادة من المدرسين الأجانب في الجامعات المغربية، ثم سفره هو نفسه إلى الخارج لاحقًا للدراسة مع المستشرقين، حيث تخرج في جامعة برلين ودرس الآداب فيها، وصولًا إلى الدكتوراه.

وبالبحث في صفات السلفية الحداثية في المغرب، ومقارنتها بأختها النقاوية في المشرق: فقد اشتركت السلفيتان في رفض البدع والخرافات -وإن لم يكن للأسباب نفسها-، والدعوة إلى العودة إلى القرآن والسنة. وأما السمة الأخرى للمصلحين المغاربة فهي أنهم روَّجوا لمفهوم ضيق من الانتماء، والقومية القُطْرية بخلاف النقاويين، وكذلك تبنَّوْا المفاهيم الديمقراطية الغربية كما نلحظ في كتابات علّال الفاسي.

وبذلك قدَّم المؤلف فصلًا جيدًا في بيان معنى السلفية عند علال الفاسي، واستقصاء شواهدها في آرائه العلمية والتعليمية والإصلاحية والسياسية. ويقدم المؤلف ملاحظة مهمة حول أن السلفية “الحداثية” لم تلق ذلك الانتشار في المشرق، الذي نجحت فيه النقاوية، على خلاف المغرب الذي بزغت فيه السلفية الحداثية.

أما الفصل الخامس”البحث عن علة الوجود في حقبة ما بعد الاستعمار”، فإن المؤلف يبرز أهميةَ التمزُّقِ في فترة ما بعد الاستعمار، وكيف افترقت السلفية النقاوية عن الحداثية في هذه الحقبة حين فقد الاتحادُ مغزاه وعلةَ وجوده، وهو التحرر من الاستعمار.
ثم طبَّق المؤلفُ سماتِ هذه المرحلة على الهلالي في الخمسينيات والستينات في حقبة ما بعد الاستعمار.
وفي الفصل السادس”الانتصار وتحول السلفية النقاوية إلى أيديولوجيا”، يعرض الباحث ترسّخ السلفية النقاوية والمرحلة النهائية لصياغتها كمنهج شامل أيديولوجي بدءًا من السبعينيات.

ويعزو المؤلف ذلك الجهد التنظيمي لصياغة السلفية الشاملة المنهج كأيديويوجيا ومحاولة صياغتها في السبعينيات بصورة كبيرة إلى المفكر السلفي المصري الدكتور مصطفى حلمي، في كتابه: قواعد المنهج السلفي (1976)، حيث أصبحت السلفية منهجًا إبستمولوجيا، وليس مجرد تصور عقدي، وإن كان لم يخض كثيرا حول سلفنة الفقه، إلا أن استعماله المدونة الحركية لقطب وغيره، فضلا عن استعمال المصطلحات الغربية والفلسفية جعلته يتعرض لانتقادات نقاوية بدوره، من الألباني مثلا.

ثم ختم المؤلف كتابه بذكر خاتمة، ذكر فيها نتائج بحثه، حيث لصور من نماذج جديدة سلفية تجاوزت النقاوية كمجموعة “سلفيو كوستا” وحركات سلفية قومية في الصين وغيرها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • رامي

    السلفية تقوم على اصول علمية راسخة لا تتبدل بتبدل الزمان و المكان و الرجال وهي قائمة على الكتاب و السنة بفهم السلف و ليس بأهواء الرجال و تقديم العقل البشري على الوحي الالهي و لا التلون في الدين لإرضاء الناس أو التودد إلى الكفار

  • ق

    الدين بنظرة غربية؟؟!

  • بادي

    salafi 100%