-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وفاء للحمير والطمينة والشرشم في زمن الآلات الحديثة

طقوس مثيرة خلال حملات الحرث والبذر التقليدية بالأوراس

صالح سعودي
  • 2057
  • 5
طقوس مثيرة خلال حملات الحرث والبذر التقليدية بالأوراس
ح.م

أبدى عدد من الفلاحين الناشطين في أعماق الأوراس وفاءهم لممارسة حملات الحرث والبذر بالطرق التقليدية، وذلك بالاعتماد على المحراث الخشبي الذي تجره عادة الأحمرة أو البغال أو الأحصنة، يحدث هذا رغم توفّر الجرارات ومختلف أنواع الآلات الحديثة مقارنة بالسنوات الماضية.

في الوقت الذي عرفت تقنيات ممارسة الفلاحة تطورا معتبرا، موازاة مع وفرة الآلات الحديثة، لا يزال بعض الفلاحين أوفياء للوسائل البسيطة، خاصة الذين يقطنون في المناطق الجبلية والنائية من مناطق الأوراس، وهو الأمر الذي وقفنا عليه في عدة مناسبات، حيث إن بعض الفلاحين بمنطقة غسيرة لا يزالون أوفياء لهذا الخيار، مثلما وقفنا عليه في أحد بساتين تفلفال، في أجواء تسودها البساطة وروح التفاؤل، وهو نفس المظهر الذي يميّز العديد من المناطق الجبلية لبلدية تكوت ومناطق أخرى من آريس وإشمول وإينوغيسن وثنية العابد ونقاوس ورأس العيون، ونواح أخرى من ولاية خنشلة وتبسة وأم البواقي وغيرها، وإذا كان الكثير يعترف بأفضلية الآلات الحديثة، وفي مقدمة ذلك الجرار الذي يسهل المهمة أثناء عملية الحرث والبذر، إلا أنّ عزلة بعض المناطق وضيق مسالكها تجعل بعض الفلاحين يفضل الاستعانة بالحيوانات التي تتكيّف مع مثل هذه التحديات، وفي مقدمة ذلك الحمار الذي تتعدد مهامه بين الحرث وحمل مختلف المتطلبات ذهابا وإيابا بين الحقول والبساتين والوديان والمنازل.

الطمينة والشرشم والبيض والرمان أثناء تدشين حملة الحرث والبذر

ويحتفظ سكان الأوراس بعدة طقوس تلازم عملية البذر، حيث يؤكد الأستاذ مصطفى جغروري أنه إذا حان موسم الحرث تحضر النسوة الشرشم والطمينة والبيض والرمان. وقبل البدء فيه ينتظرن أن يبدأ فلان أولا لأنهم يتبركون به، وإذا رأوه يستعد للخط الأول في اليوم الموعود تنثر كبار النسوة بعض الشرشم على قطعة الأرض المزمع حرثها، وقطعا من البيض، وتدفن كرة من الطمينة، وتضرب السكة بالرمانة فتنفتح، ثم تعطي ما بقى من هذه النعم للأطفال. هذا كلّه تيمنا بالخير الوفير، مضيفا أن هذه الأشياء كلّها والأطفال رمز للنمو والنماء والكثرة والخير، وزعيمهم في الحرث قد يخبئ “دلاعة” في خلية النحل حتى يوم الحرث، فيفتحها على السكة، وتكون من نصيب الأطفال، ثم يبذرون الحب ويسمون باسم الله، ويصلون على رسول الله، ويدعون الله بما تيسر من الدعوات. وبعد ذلك يشقون أول شق في الأرض بالمحراث تجره البغال أو الحمير. وإذا تعسر على الحيوانات جر المحراث تأخذ المرأة بزمام البهائم لتوجهها في خط مستقيم.

يحدث هذا في الوقت الذي يصيح الرجل في البهائم: “عل.. زل.. اطلع.. أششا.. هشا سعدي.. يا رب رزقانغ.. يا رب لعمال فلاگ.. يا رب لعمال عليك والطلبة فيك”، لاسيما مع صعوبة الشتاء وشدة البرد والصقيع والجليد والثلج، ويضيف الأستاذ مصطفى جغروري بالقول: “قد تنكسر السكة وقد تعلق بصخرة وقد تحرن الحيوانات فلا تستجيب، إلا أنّ فلاحي أيام زمان يتوكلون على الله، ويتحملون كل الصعاب وينتظرون الغلّة وهم متفائلون.

وإذا كانت المكننة قد فرضت نفسها في عصرنا الحالي، ما جعل الفلاحة بالطريقة التقليدية تصنف في خانة أيام زمان، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الفلاحين من الوفاء لحملات الحرث والبذر بالطرق التقليدية، سواء في الأوراس أم العديد من مناطق الوطن، علما أنهم كانوا يتفادون قديما الحرث في شهر نوفمبر، على أساس أنه شهر لا تنبت فيه الأرض ولا يثمر فيه الشجر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • ناصر

    ألفت إنتباه الإخوة الفلاحين بالمناطق الفلاحية الجبلية والوعرة أن هناك جرارات حرث صغيرة ويدوية لكنها قوية لحرث هذه الأراضي بالمناطق الوعرة، وما عليهم إلا التوجه إلى مصالح العتاد الفلاحي والشركات المنتجة للجرارات لاقتنائها أو استيرادها إذا لزم الأمر، وأسعارها في متناول الجميع والله ولي التوفيق .............

  • توحشت البساطة

    الله الله عليك يا أيام زمان ... لما كنا صغار كنا نحلم بحياة الرفاهية مثل أوروبا وأمريكا ، ولما كبرنا وعشنا بفضل الله تلك الحياة ، أصبحنا نشتاق لحياة الماضي المتميزة بالبساطة ....يا ريت تستضيفونا عندكم بعض الأيام ومرحبا بكم عندنا كذلك في الخارج ..سلام

  • omar one dinar

    بصورة. ..على الجرار العلم وطني ...ليش لا على الحمار. بالأمس كان هو وسيلة التنقل وراء الحدود المجاهدين الكبار بوجدة كان الحمار هو وسيلة تنقلهم للهجوم على والو

  • تونسي

    مشكور على هذه اللفتة إلى عالم الفلاحة التقليدي يا سي صالح. نحن في جبال الشمال التونسي لا زلنا نطبخ الشخشوخة بالرمان يوم بدء "الزريعة". وكان أصحاب الأرض يختارون واحدا منهم (على غفلة منه) ويطلون وجهه بقايا الشخشوخة المتبقية في قاع الجفنة ثم يقولون "هذا عام فلان". فإن جاء العام صابة قالوا "فلان وجهه مبروك". وإن جاء العام "عجرودة" لا يقولون شيئا بل يلزمون الصمت. وتحية إلى أهلنا بالأوراس.

  • Jiji34

    نحيو كلمة طقوس علاه راهم يعبدو في البقر !!!! هذه عادات و تقاليد ...تحيه لناس الشاويه الاحرار