-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عباس وحماس.. من أين تبدأ وتنتهي الحكاية؟

صالح عوض
  • 542
  • 0
عباس وحماس.. من أين تبدأ وتنتهي الحكاية؟
ح.م

نجد ضرورة لإعادة قراءة ما حصل في الساحة الفلسطينية في السنوات الاثنتي عشرة السابقة لكي نعرف مرتكزات المرحلة التي نعيش.. ومن هنا بالضبط كان يجب أن نعرف أن ما حصل هو الذي دفعنا إلى ما صرنا عليه من أزمات خانقة في النظام السياسي الفلسطيني وفي معيشة ملايين الفلسطينيين وفي هوان المؤسسة الفلسطينية وضعفها.
بلاشك نحن إزاء عقدة تاريخية بين تيارين متناقضين متناطحين سقط فيها ضحايا أبرياء، وقد أصاب الضرر كثيرا القضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني.. وبسرعة يجب الخروج من الحيادية المخلة بالشرف والوعي والاقتراب من الكلام المفيد الجاد مهما كان قاسيا.. فما يحصل الآن من تداعيات الانقلاب الذي قامت به حماس على أهل غزة أمر فظيع لم يعد بالإمكان تحمله.. وهنا أريد أن أغلّب اللغة السياسية على المبدئية لكي أقترب من تمثّل منطق حماس التي قامت بعملية الانقلاب على أجهزة السلطة التنفيذية في غزة.
لقد فازت حماس في انتخابات 2006 ولا يهم هنا أبدا الحديث عن الظروف الاستثنائية التي يسرت لحماس الفوز في حين يؤكد الجميع أنه ما كان يمكن أن يحصل الفوز لولا التشتت الفتحاوي في الترشح وتبعثر الأصوات.. كما أن الشعب أراد أن يعاقب السلطة على تجاوزات الأجهزة الأمنية وفساد هنا وهناك متأملا أن حماس تحمل معها الزهد والطهارة والعدل.. ثم أن حماس شاركت في الانتفاضة المجيدة وبذل شبابها تضحيات جسيمة قدموا من خلالها شهداء أعزاء من قادة وكوادر وعناصر.
فازت حماس وترأست التشريعي وشكلت حكومتها، وهنا ضروري أن نعيد للأذهان كثيرا من نصائح الحريصين على حماس بأن لا تشكل حكومة لأن استحقاقاتها أكبر من طاقة حماس في هذه الظروف حيث سيكون من الصعب التوافق بين الحكومة والمقاومة.. وبطريقة غير قابلة للفهم انقلبت حماس على نفسها وعلى أجهزة السلطة فيما هي تترأس حكومتها وقاد الحملة قرارٌ غير مفهوم تزعمه رجال ليست لهم معرفة أو خبرة بالسياسة الإقليمية والدولية ولا يفرقون بين المبتغى والممكن.. انقلبت حماس بعد أن كانت التفاهمات والحوارات بينها وفتح بلغت مراحل عديدة، وقد توسط الجميع لإنجاح الاتفاقات وتعاهدوا عند الحجر الأسود في الكعبة أن يحافظوا على الدم الفلسطيني.. انقلبت حماس على نفسها ووجدت في ذلك دعما إقليميا من بعض الدول.. وبلا شك أن هناك استفزازات متتالية قام بها البعض في الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي عز عليها أن تجد نفسها تحت سيطرة حماس.. وكان المفترض التحلي بالصبر على بعضهم بعض والتعايش السلمي بين المكوّنات السياسية والتعاون فيما يتم الاتفاق عليه.
لم يكن رد حماس الصارخ القوي على “مفاسد السلطة وتجاوزاتها في المرحلة التي سبقت” أو على تجاوزات عناصر الأمن الاستفزازية قادرا أن ينظف المؤسسة الفلسطينية أو يضع حدا لتغول الأجهزة الأمنية بل بالعكس تماما فلقد كان بإمكان حماس في ظل التدافع السلمي والتناصح والحضور داخل المؤسسة الجامعة ان تحقق الكثير في صالح أهدافها المعلنة وأن تكرس نفسها جزءا أصيلا من الكيانية السياسية الفلسطينية ويصبح من المستحيل الاستغناء عنها أو تهميشها، أما ما قامت به فلقد كانت نتيجته الواضحة السريعة أنها استفردت بغزة وضاعت منها الضفة الغربية.. ومنذ تلك اللحظات بدأ التخبط في عملية المواءمة بين المقاومة والسلطة.. وبرزت الأعباء الكبيرة والاستحقاقات وفُرض الحصار الإقليمي وبدأت الإغلاقات التي لم تنته حتى على عهد الرئيس مرسي المقرب من حماس.. وبدأت تجليات المأزق فلئن كانت تنتقد الفوضى في التسيير والمفاسد في السلطة فإنها وقعت في أزمات خانقة من التضييق عليها وإفقادها عنصر المال وتفاقم المشكلات الحقيقية لقطاع غزة الذي حوصر حصارا شديدا.. وكان جراء ما فعلته حماس توقف المجلس التشريعي عن العمل بشكل جماعي وتجمد المؤسسة الفلسطينية الجامعة ووضع الشرخ في الكيان السياسي الفلسطيني الذي سريعا ما تحول إلى شرخ جغرافي.
هنا لابد من الإشارة إلى عدم وضوح الرؤية لما عليه الموقف الإقليمي تجاه فوز حماس وحكومتها ثم انقلابها رغم أن كل شيء كان واضحا أمامها؛ فلم يكن النظام العربي قابلا بقيام كيان سياسي للإخوان المسلمين في منطقة حساسة كفلسطين.. كان الأمر واضحا ان هناك رفضا إقليميا قويا لتفرد حماس بغزة بل عدم قبول اقليمي بمشاركة حماس بقوة في النظام السياسي الفلسطيني.. فلهذا حسابات كثيرة لدى صناع القرار في النظام العربي فماعدا سورية لم يعترف أحد بحكومة حماس ولم يستقبل أي نظام عربي قيادات حماس علنيا ويمنحهم الفرصة كاملة إلا سورية التي وضعت تحت تصرفهم معسكرات تدريب في مواقع استراتيجية ويسرت لهم الحركة دخولا وخروجا وبشكل آمن.
لقد اشتدّ الحصار على قطاع غزة الحاضنة الأساسية للمقاومة ولحركة حماس والسبب المباشر هو وجود حركة حماس في موقع السلطة.. وتعرض القطاع الى ثلاثة حروب مدمرة 2008 و2012 و2014 لازالت آثارها التخريبية ماثلة، وشنت عديد الأطراف حملة من الحصار على قطاع غزة للضغط على حماس التي انخرطت في مفاوضات مع السلطة لإنهاء الوضع الجديد في غزة وتفاهم الجميع على مصطلح الانقسام البغيض وضرورة إنهائه..
لم تكن نوايا السلطة هي تلك التي تتحكم في توجه حماس للانتهاء من الملف ورغم عشرات الحوارات واللقاءات والاتفاقيات إلا أن الانقسام استمر في التكريس.. هنا كانت حماس تبحث عن مخرج للازمة التي يعاني منها الشعب في غزة فوجدت الفرصة في الالتقاء بشخصيات فلسطينية لها علاقات اقليمية قوية لاسيما مع مصر ولها علاقات صراعية مع راس السلطة في رام الله وألقت بحجر في المياه الراكدة بتشكيلها للجنة إدارية أخذت تصويتا عليها من أعضاء حماس في المجلس التشريعي.. لم تدرك حماس أن هذا الأمر سيعقد مسألة المصالحة ويذهب بها إلى مواطن سوء الظن في ظل تأليب مستمر غربي وصهيوني على كل ماهو فلسطيني.. وهنا لاحت في الافق معالم “صفقة” القرن الأمريكية واقتراحات باستبدال قيادة السلطة وبناء دولة في غزة.
الآن وصلت حماس وعباس إلى نقطة الصفر النهائية.. فإما حماس أو عباس.. وهذا أمر خطير بلا شك.. فصحيح أن كل سعي السلطة من خلال نشاطها الدبلوماسي لم يصل إلى أي مكسب حقيقي في دائرة التفاوض مع العدو الصهيوني أو الوعود الأمريكية ووصل الأمر بها إلى حالة تشبه العزلة في المنطقة العربية التي انخرطت في سياقات سياسية جديدة أصبح من الضروري لها تقديم رأس فلسطين والقدس عربون صداقة جديدة وتحالف جديد إقليمي ودولي.. صحيح أن السلطة لم تحقق شيئا ولكن نسيت حماس شيئا مهما أن منظمة التحرير لم تصبح منظمة تحرير إلا بدماء قيادة فتح ونضالها المستميت وبوعي حركة فتح التي أنقذت منظمة التحرير من سطوة الأنظمة العربية.. ونسيت حماس أن القانون الأساسي للمنظمة لن يسمح لها بالتزعم أبدا، ولقد عانت الجبهة الشعبية وسواها من هذه المسألة وأن فتح ستظل زعيمة لمنظمة التحرير حتى انتهاء المنظمة إما بوجود بديل عنها أو وصولها إلى أهدافها.
الآن وصلنا إلى النقطة صفر.. ولعل كتائب القسام اقتربت من الصواب كثيرا عندما قدمت مقترحا بالانسحاب تماما من حكم غزة وإحداث فراغ سياسي.. لكن الأمر الآن أصبح أكثر تعقيدا.
غزة تدفع ثمن لإصرار فلسطيني على تعذيب النفس وغزة العظيمة تدفع ثمن هذا الإصرار.. وليس هناك بديل عن لقاء فلسطيني من دون وساطة لإنهاء الفصل الرديء من العلاقة البينية.. سلطة واحدة ومشروع واحد وداخل الإطار الواحد نتحاور ونتجادل ونختلف ونتدافع بالتي هي أحسن ويمنع البتة الانقلاب على الذات وتقسيم القرار والمؤسسة والوطن.
غزة تدفع ثمن لإصرار فلسطيني على تعذيب النفس وغزة العظيمة تدفع ثمن هذا الإصرار.. وليس هناك بديل عن لقاء فلسطيني من دون وساطة لإنهاء الفصل الرديء من العلاقة البينية.. سلطة واحدة ومشروع واحد وداخل الإطار الواحد نتحاور ونتجادل ونختلف ونتدافع بالتي هي أحسن ويمنع البتة الانقلاب على الذات وتقسيم القرار والمؤسسة والوطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!