-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“عطر الخطيئة” من “آخر يهود تمنطيط”

حبيب راشدين
  • 3266
  • 9
“عطر الخطيئة” من “آخر يهود تمنطيط”
ح.م

من الشيخ فركوس الذي يرى في عامة المسلمين في هذا البلد “أهل أهواء” إلى أمين الزاوي الذي زعم أن التدين في الجزائر منذ الاستقلال “منغلق” يمنع العيش المشترك، إلى “خبراء” من “الكراسك” ينصحون بـ”تطهير” كتاب التربية الأسلامية من سورة الإخلاص، وشلة من أساتذة الفلسفة تدعو إلى دعم المقرر الإسلامي بمادة مقارنة الأديان، في هجوم منسَّق يستهدف الركن الأم في الهوية الوطنية الذي وحَّدنا في مواجهة المحتل، وجمع شملنا بعد الاستقلال.
كلمة السر وصلت للتو من باريس في صيغة وثيقة وقع عليها 300 من النخبة السياسية والثقافية الفرنسية التي عالج حمضُها النووي “المجلس التمثيلي لمؤسسات يهود فرنسا” (le CRIF) تطالب المسلمين بـ”تطهير” القرآن الكريم من الآيات التي تدعو إلى قتال اليهود على حد زعمهم، والتي تكون في تقديرهم هي السبب في نشوء ما وصفوه بمعاداة المسلمين للسامية، وتحفز القيادات الدينية الإسلامية على إنجاز مراجعة جريئة للقرآن الكريم تحاكي ما صنعته الكنيسة في فاتيكان اثنين مع الأناجيل.
لا غرابة أن يخرج علينا أمين الزاوي وهذه المفرزة النائمة من الجحور ليضيفوا إلى تهمة “تدين المسلمين بمعاداة السامية” تهمة “الانغلاق” المانع للعيش المشترك، تهمٌ يعضدها من شارك في فعاليات “المؤتمر السادس حول ثقافة العيش المشترك” بمدينة سطاوالي، من أمثال أستاذ الفلسفة مدور جلول والدكتور عمر بوساحة، مع المرافعة على ما وصفوه بـ”حرية المعتقد واحترام كل الطوائف”.
رقصة “ساركو ـ فالس” على إيقاع ليونيداس
ربما كان يحسن بنا أن نتصدى بسرعة وحزم لبيان عصابة الـ300 (في ترميز لأسطورة فيلم الـ300 وهي تسوِّق لخرافة هزيمة إمبراطورية فارس على يد 300 فارسٍ يوناني بقيادة ليونيداس) وقد دعت المسلمين في المهجر إلى تحريف القرآن طواعية، لنتوقف ولو للحظة عند الأقطاب من الموقعين: من ساركوزي، مجرم الحرب الذي خرَّب ليبيا إلى الصهيوني ماونيل فالس، وثلة من قادة حملة الإسلاموفوبيا في فرنسا من الكتَّاب والصحفيين، وتوابعهم من “عرب الخدمة” مثل صلصال وشلغومي، لأن البيان لم يكن موجها للمسلمين من ابناء الجالية فحسب، بقدر ما كان استهلالا لحملةٍ رديفة تريد زراعة فتنة جديدة في ربوع العالم الإسلامي، بعد أن استنفدت الفتنة المذهبية قوة الدفع في المشرق، وتراجع حضور ما يوصف بـ”الإسلام السياسي” بعد أن نحره شبقُه للسلطة في مسارات الربيع العربي المغشوشة، وافتضاح الإرهاب بالرايات السود الكاذبة.
قبل الخروج إلى العلن بهذه الدعوة الصريحة إلى تحريف القرآن الكريم في أكثر من صيغة: بعضها يبدو ناعما مثل الذي صدر على لسان أمين الزاوي وأقرانه من أيتام الحقبة الاستئصالية وفلول أحزاب علمانية “أخطأت في الشعب” وأخرى بدأت مبكرا في مصر والمغرب وبعض دول المشرق، تقاول بلا تقية وعلى مدار الساعة في الإعلام المصري والخليجي والمغربي والتونسي لـ”تطهير” التراث الفقهي الإسلامي، ابتداءً بتصحيف طوعي لصحيحَيْ البخاري ومسلم، ثم بداية اقتراب بعض الحكومات في تونس والمغرب من إعادة صياغة التشريع الإسلامي في الميراث والزواج بما يُرضي اليهود والنصارى وأحبار نادي بيلدربيرغ.
صناعة “عهد جديد” من أسفار تلمود قديم
قبل عشر سنوات كان بوسعنا أن نمر مرور الكرام وبلا خوف على هذه “الهلوسة الفكرية” التي خبرناها مع أقطاب الاستشراق الغربي، ولم تنجح في اختراق الجسم الإسلامي حتى في أحلك ساعات زمن الانحطاط وهيمنة الاستعمار، مع أنها كانت بمستوى فكري أرقى وأذكى مما تصدِّره اليوم المدرسة الصهيونية التلمودية الحديثة، لأن اطروحة “العيش المشترك” و”الحوار بين الأديان”، و”حرية المعتقد” هي صناعة صهيونية تلمودية بامتياز، سبقت الثورة الفرنسية ورافقتها في كواليس تحرير ما سمي بـ”تصريح حقوق الإنسان” (1789) ثم طوَّرتها المحافل الماسونية على امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين على المستويين السياسي: (في المحافل الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة واليونيسكو واليونيسيف) وعلى المستوى الديني بـ”تحريف المحرَّف” من كتب النصرانية بجميع كنائسها حتى تحقق لها النصر العظيم في فاتيكان اثنين.
هذه الحملة التي سوف تنمو وتتعاظم في السنوات القادمة بلا شك، قد انتقلت من مرحلة إدارة الفوضى الخلاقة بالأدوات الصلبة التي استهدفت الدول ككيانات سياسية فأسقطت بعضها، إلى مرحلة متقدمة تدار الحرب فيها بأدوات ناعمة تريد تعميم الفوضى الخلاقة في صميم معتقد مليار ونصف مليار مسلم، وكأني بها تريد تجديد فكر المنظر البروسي كلاوزفيتز، حتى تكون “صناعة الفتنة في الدين محض مواصلةٍ للحرب بطريقة أخرى” ما دامت “الماكيافيلية” في السياسة و”الصدمة والترويع” بالحرب لم تفلح مع المسلمين.
الرايات الكاذبة لإرهاب فكري ناعم
وإذا كان الأمر كذلك، وأغلب الظن أنه كذلك، فإن هذه الدعوات هي جزءٌ من الحرب التي لم تضع أوزارها على المسلمين منذ الحرب الصليبية الأولى زمن البابا أوربان الثاني، أو قل منذ خيانة اليهود من بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير للمسلمين، فلم تمنع المسلمين مع ذلك من احتضان اليهود في ربوع الخلافة العثمانية، وحمايتهم من بطش الحضارة المسيحية زمن حروب الاسترداد القشتالية في الأندلس والـ”بوغرومات” التي نصَّبها لهم ملوك المسيحية وجمهورياتها الليبرالية على السواء.
ربما يحسن بنا في بلد مثل الجزائر مهدد مستهدف بعد أن استعصى حتى الآن على أي اختراق بأدوات ربيع الشعوب المزيف، وصمد أمام الإرهاب المصنَّع تحت رايات إسلامية كاذبة في المخابر الغربية، يحسن بنا أن نعيد تعريف الإرهاب (من حيث أنه سلاحٌ لتخريب الدول والمجتمعات بالعنف المسلح البدائي كما بأسلحة الدمار الفكري الناعم) باستكشاف فروعه الناعمة وذئابه النائمة المتنكرة بياقات بيضاء، وقد بدأت تخرج من جحورها تباعا تساومنا في الهوية وفي المعتقد بفكر إرهابي استئصالي صرف، قد تقاسم الأدوار مع “داعش” كقوة متوحشة لتخريب العمران وسفك الدماء، ليتفرد هو بمهمة تخريب الأنفس بتدنيس المقدس.
شبق الانتساب لـ”الشعب المختار” ولو بزنى المحارم
أفلا يذكِّركم كلام أمين الزاوي وهو يراوغ بدعوة “المغرب العربي الكبير لم يبدأ تاريخه مع الفتوحات الإسلامية” بكلام عرّاب الخراب العربي بيرنار هنري ليفي منذ سنتين وهو يهذي: “الجزائر قبل أن تكون عربية وإسلامية كانت أرضا يهودية، وأقول أرضا يونانية رومانية، بل وأزعم أنها كانت فرنسية، رغم محاولة بعضهم طمس هذه الآثار”؟ أليس هذا ما كنتَ تريد الجهر به يا أمين زاوي لولا شيء في نفسك من بقايا “تقية” العلمانيين؟ أم إنما تريد ـ كما رافعتَ في رواية “آخر يهود تمنطيط” ـ أن يتحاور عرب الجزائر وأمازيغها بلغة اللاتين كما كانت تفعل “عمَّتك” اليهودية “آكلة الرجال” في الرواية مع “النحل البربري” الذي لا يرطن ـ حسب زعمك ـ سوى بلسان لكيوس أبوليوس اللاتيني المبين؟ أم تريد أن نشرح تصريحا لا تعريضا وبأدوات فرويد المضامين الخفية في رواية “عطر الخطيئة” التي قد تُفشي لنا سرَّ هوسك الروائي باليهوديات “أمهات” و”عمات” وأن زنى المحارم (هوسك الروائي الثاني) يسمح لا محالة بالعبور المرن إلى النسب السامي لسلالة شعب الله المختار؟ لا بأس عليك من التصريح، لأن “آخر يهود” هذا الزمن المغتصبين لفلسطين هم حسب آرثر كوستلر ليسوا من “تمنطيط” بل هم بقايا شتات مملكة الخزر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • محمد

    لافض فوك ايها المنافح عن الدين والوطن والكرامة هكذا ينبغي ان نسقط اوراق التوت فتبين سوءاتهم للمللأ
    انني اشد على يديك بكل قواي

  • Dzdz

    الله يبارك يا سي حبيب انا من قرائك الاوفياء كل يوم تبرهن انك الأفضل

  • franchise

    -مشكلتنا هي الثنائينة: متطرفون تغريبيون/متطرفون إسلاميين، فرغم مظهرهما الخارجي المتباين في كل شيء، إلا أن وجود طرف من هذه الثنائية مرهون بوجود الطرف الآخر، فالعلاقة بينهما في الحقيقة هي علاقة تعايش. و لن نستطيع معالجة طرف بدون الإلتفات إلى الطرف الآخر.

  • الحقيقة تقال

    توقفت عندعوام ناس نعم حقيقة نحن في ظلال ومنعرف فركوس مني امام مني طالب علم لكن هذي هي حقيقة..صار كل واحد يفتي ويحلل ويدير واش يحب ....... ولكن اتعجب منكم كيف تكفررون شيعة لانهم يتبركون بالقبور وتزكون صوفية وهم يفعلون نفس امر وربما اسوء

  • جزائري حر

    نكتة فرنسية تقول أن الصنيين الدين يدهبون للتسوق في باريس لا يعلمون ان مقتنياتهم من أصل صيني. هده النكتة تواتي اليهود لأنني اظن أن اليهود لا يعلمون أنهم يتقاتلون فيما بينهم.

  • نادية

    مجرد الاشارة الى امين الزاوي ( مدلل الباكسيين الجزائريين ) تعطيه اهمية .. فهذا الصغير يجب ان يبقي صغيرا فهو لا يريد الا ان يذكره الاخرون باي شكر .

  • dahmane

    اين فركوس من هذا بالاحرى جزء من اللعبة كما كانوا من قبل فعدونا الاول من بني جلدتنا ففتاوى شيوخ بريطانيا بمكة عهد الاستدمار الفرنسي بعدم محاربة فرنسا عنا ببعيد فلا يسلط علنا عدوا الا من انفسنا.

  • Karim

    لا فض فوك يا حبيب . تحليل اكاديمي يفحم الزاوي ومن معه .
    كتب الله لاغلبن انا ورسلي . صدق الله العظيم

  • أبو وائل الجزائري

    رغم اختلافنا مع الكاتب حبيب راشدين في مقالات سابقة حول بعض تفسيراته لربيع الشعوب العربية المناضلة تحت القهر والجبروت الداخلي والهيمنة الخارجية... فإننا نحييه هذه المرة لوقوفه إلى جانب الأمة ودينها في وجه من يريدون تهديم الحصن المنيع الذي وحدنا والذي احتمينا به منذ 14 قرنا ولا سيما في القرون الأخيرة ضد الغزاة الفرنسيين ووحدنا بعد الاستقلال ضد معاول الهدم وما أكثرها في الداخل والخارج وضد تفتيتنا وصدنا عن الهوية الجزائرية الإسلامية العربية الأمازيغية الشاملة... نحييك يا أستاذ ونشد على أزرك في هذه الجبهة من التدافع