-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علاج كوفيد 19 بالكلوروكين: الحق في المعرفة

جمال لعبيدي
  • 1069
  • 1
علاج كوفيد 19 بالكلوروكين: الحق في المعرفة
أ ف ب
ممرض في مرسيليا يعرض عبوتين من الدواء: الأولى من نيفاكين والتي تحتوي على الكلوروكين والأخرى من بلاكوريل والتي تحتوي على الهيدروكسي كلوروكين يوم 26 فيفري 2020

هل يوجد حقا علاجٌ بالكلوروكين لـ”كوفيد 19”؟ هل دواء الكلوروكين يشفي من هذا المرض؟ إذا كان الجواب بنعم، كيف؟ وما هي حجج الإثبات التي لا تقبل الشك؟ وإذا كان الجواب بلا، لماذا يعطى للمرضى؟ ألا يؤدي إعطاؤه إلى نشر الأوهام والتقليل من اليقظة في الكفاح ضد الوباء وفي تعبئة مختلف وسائل الوقاية؟ هذه هي الأسئلة المطروحة في هذا المقال، وهي موجهة للمختصّين وللسلطات الطبية والسياسية على السواء.

لقد تراجع الوباء إلى حد بعيد في بعض البلدان الآسيوية والأوربية، في الوقت الحالي على الأقل، وانتقل فيها إلى مرحلة الزوال، كما يبدو. هذا حال الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، إلخ، في آسيا، حيث يعود النشاط الاقتصادي بالتدريج. وهذه حال إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، في أوربا، حيث تقرر تخفيف الحجر. في فرنسا، مثلا، أصبح العدد اليومي للمصابين بـ”الكوفيد 19”، يوم 8 جوان، يقترب من نظيره في الجزائر وكذلك عدد الوفيات (13 في نفس التاريخ). ومع ذلك، لا يعدُّ الأمر محسوما بعد، والوباء، حسب المنظمة العالمية للصحة، يزداد خطورة في جهات أخرى من العالم (أجزاء من أوربا الشرقية وآسيا الوسطى وأمريكا، إلخ)1.

في الجزائر، نلاحظ بقلق أن عدد المصابين بقي، منذ عدة أسابيع، عند نفس المستوى – بين 100 و200 حالة يومية – ولم ينتقل، حتى الآن، نحو الانخفاض بصورة محسوسة، وكذلك الأمر بالنسبة للوفيات.

هذا الوضع القارّ، هذا “التسطُّح” في المنحنى البياني، يدل على أن نتائج هامَّة قد تحققت، منذ البداية، في خضم معركة التحكم في الوباء ووقف انتشاره، هذا صحيح، لكنه يدل أيضا على وجود نوع من “القنبلة الموقوتة” غير الخاضعة للسيطرة والقابلة للانفجار في أي لحظة. إن هذا العدد من الحالات، التي تتراكم يوما بعد يوم ببطء وانتظام، يشير، في ظل عدم إجراء الفحوص على مستوى واسع وانعدام التتبُّع الفردي للمرضى، إلى وجود عددٍ أكبر بكثير من حاملي الفيروس يختفي وراءه.

خلال الكفاح ضد الوباء، أقدمت السلطاتُ الطبية كما أقدم بعض الأعضاء في اللجنة العلمية لمتابعة تطور الجائحة، على إبراز وجود علاج، هو الكلوروكين، ووجود بروتوكول لتوظيفه، هو بروتوكول الأستاذ رؤولت من “المعهد الاستشفائي الجامعي” بمرسيليا. تم ذلك مرارا وتكرارا، وهو ما يجعل السؤال التالي يفرض نفسه: هذا الإلحاح على وجود علاج شاف، ألا يحمل خطر نشر الأوهام وانحسار اليقظة اللازمة والحث، في النهاية، على تبني سلوكيات ضارّة، كعدم ارتداء الكمامات والتهاون والاستهانة بالتباعد الوقائي؟ بل ألا يؤدي ذلك الإلحاح بالسلطات الطبية نفسها إلى سوء تقدير أهمّية الإجراءات الوقائية: الفحوص، التتبّع، الحجر المكيَّف بحسب الأوضاع والإنذارات… إلخ، في حين أنها الإجراءات الوحيدة غير القابلة للنقاش من حيث الفعالية لوقف انتشار الوباء وإزالته؟

باختصار، الاعتقاد بوجود علاج فعال الآن” للكوفيد 19”، ألا يشكل بحد ذاته واحدا من العوامل التي تفسر حاليا صعوبات القضاء على الوباء في الجزائر؟

العلاج المعجزة؟

ألم يقع، في الجزائر، نوعٌ من التسرع عند الحديث عن بروتوكول أو “علاج” الأستاذ رؤولت؟ أليس في ذلك إسرافٌ لغوي؟ في 31 ماي، على الساعة 19، على “كنال ألجيري”، ذهب أحد الأعضاء في اللجنة العلمية الجزائرية إلى حدِّ وصف ذلك العلاج بـ”الشافي”. وكثيرا ما تذكر التصريحات اليومية، في الجزائر،عبارة “أشخاص تماثلوا للشفاء” وتشير، في نفس الوقت، إلى تلقي هؤلاء الأشخاص ذلك العلاج، دون رفع اللبس عما إذا كان الشفاء ناتجا عن “العلاج” نفسه أم كان تلقائيا، مثلما هو الحال بالنسبة لـ98% من المرضى في العالم، كما هو معلومٌ الآن.

لهذا العلاج فائدة ما، ربما، والحكم في ذلك للمختصّين؛ فالدراسات الجارية الآن وتلك التي ستُجرى في المستقبل ستوضح هذه المسألة بكل تأكيد. أما الآن فمن الواجب الحفاظ على رباطة الجأش. إن وجود علاج يشفي من “الكوفيد 19” لو ثبُت، لكان خبره من الأهمية والضخامة ما يجعله يقلِّب الوضع رأسا على عقب على مستوى العالم بخصوص هذه الجائحة، سواء على الصعيد الطبي أو على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. كما أنه قد يكون كفيلا بإحداث منعرج في تاريخ الطب نفسه. هل من المعقول إذن الحديث عن “علاج” لهذا المرض؟ لحسن الحظ، يبدي كثيرٌ من أعضاء اللجنة العلمية الجزائرية رأيا عن هذا “العلاج المعجزة” يطبعه قدرٌ أكبر من الحذر والتروي ويفضلون الإلحاح على الإجراءات الوقائية الاجتماعية، قبل كل شيء.

ذلك الإسراف اللغوي، المتمثل في استعمال لفظة “علاج” كورونا بالكلوروكين، نعثر عليه كذلك عند الرئيس ترامب في الولايات المتحدة والرئيس بولسونارو في البرازيل. إنه إسرافٌ يسمح لهما، ربما، بدعم موقفهما السياسي المبني على الاستخفاف بخطورة الجائحة ومعارضة سياسة الحجر، على الخصوص، وحتى الوقاية بغية إعطاء الأولوية لخيار الاقتصاد على حساب خيار الإنسان.

والحال أنه في الجزائر اتخذ رئيس الجمهورية موقفا مناقضا تماما لذلك الموقف وأعلن أكثر من مرة، آخرها عند تقديم تهانيه للشعب الجزائري بمناسبة عيد الفطر، أنه يعطي الأولوية المطلقة للخيار الإنساني وأنه يضع صحّة الجزائريين فوق كل اعتبار.

تسييسُ الطب

الرئيسان ترامب وبولسونارو يظهران علنا بلا كمامات، كما أنهما جعلا من شخصيهما مدافعين على بروتوكول رؤولت. على إثر بروز هذه المواقف، اندفع الناس في البلدين نحو الصيدليات للحصول على الكلوروكين الثمينة. وراح “العلاج” بالكلوروكين يتحوَّل، منذئذ، إلى موضوع مراهنة سياسية. فقد توقف الحديث في الطب وبات السؤال، البسيط للغاية، عما إذا كان هذا العلاجُ يشفي أم لا، عرضة لتحريف وجهته من الميدان العلمي والطبي إلى الميدان السياسي والإيديولوجي. هكذا كثر الكلام عن مؤامرة تقف وراءها المخابر الكبرى التي لا تنظر بعين الرضا إلى توفر علاج قليل الكلفة، “علاج الفقراء”، أو عن تآمر بعض البلدان الغنية على البلدان الفقيرة لنفس الغرض، أو عن تآمر “المؤسسة”، النخب، “المنظومة القائمة” على الشعب… في الجزائر أيضا، يجري تداول بعض هذه المواضيع حتى في الوسط الطبي، لاسيما بين أنصار علاج الأستاذ رؤولت 2، وعلى الخصوص موضوع تلاعب المجموعات الصيدلانية الكبرى. حقا كل ذلك موجودٌ في الواقع، لكن يجب الاحتراز من الأفكار الجاهزة. أن يكون الإنسان ضد النظام شيء، وأن يكون ضد العلم شيء آخر. هذا هو الخطر المحدَق بأصحاب ردود الفعل اللاعقلانية الخاصة بالأوبئة والمخاوف المترتبة عنها. العلم والطب، العاجزان مؤقتا، يتركان المكان للآراء، بل وحتى للمعتقدات.

يجب أن نسجل بأن البلدين اللذين أذيع فيهما الاعتقاد بفعالية هذا العلاج على لسان أعلى السلطات السياسية، أي الولايات المتحدة والبرازيل، هما البلدان اللذان بلغت فيهما الأزمة الطبية أخطر درجة.

في المقابل، الصين لم تتكلم أبدا عن “علاج”. يجب التأمُّل في تجربتها: إنها لم تتردد عن تبليغ الشعب بأن العلاج غير متوفر حاليا وبأن الكفاح ضد الوباء هو كفاحٌ اجتماعي قبل كل شيء، كفاح بسلاح الوقاية قبل كل شيء. هنا يكمن ربما سر فعاليتها ونجاحها.

يجب إذن طرح سؤال آخر: كيف تمكّن الاعتقاد – وهو اعتقاد بالفعل- بوجود علاج فعال ضد “الكوفيد 19” أن ينتقل إلينا؟ لننظر في تسلسل الوقائع، وعندئذ سنسجِّل بعض التناقضات المتعلقة بهذا العلاج.

تناقضاتٌ عجيبة في التصريحات

الثلاثاء 31 مارس 2020، أعلن وزير الصحة على القناة الإذاعية الجزائرية 3، أن “اللجنة العلمية المنصَّبة على مستوى وزارة الصحة قررت الشروع في استعمال الكلوروكين لعلاج كافة حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد 19 وكذا لعلاج كل من تظهر عليه أعراض العدوى”3. للعلم، كانت المنظمة العالمية للصحة تنصح، خلال شهر مارس، بالتحلي بالحذر في هذا الباب، نظرا لضآلة عدد الحالات التي خضعت لذلك العلاج. فقد كان عدد المرضى الذين تلقوا العلاج، يوم 16 مارس، على أيدي أ. رؤولت قد بلغ 20 مريضا4 فقط وقدم أ. رؤولت أولى نتائج تلك التجربة يوم 23 مارس.

في اليوم الموالي، 24 مارس، أعلن عضوٌ في اللجنة العلمية لمتابعة تطور الوباء، عن بدء استعمال هذا العلاج على مستوى مدينتي البليدة والجزائر. لكنه أضاف شارحا أن الكلوروكين لن تستعمل إلا في الحالات الخطيرة: “هذه الوصفة لن تُعمَّم على كافة الحالات. بناءً على المستوى الراهن لتطوُّر المعلومات، لن تكون حالات الإصابة الخفيفة في حاجة إلى هذا الدواء، لأنها ستُشفى بصورة طبيعة. وعلى كل حال، لماذا إعطاء هؤلاء مادة قد ينجرُّ عنها آثار ثانوية”. وعليه “لن يكون معنيا بهذه المادة سوى من كانت حالته معقدة وتثبت عليه الأعراض الخطيرة من المرض” 5.

الاثنين 25 ماي، ناقض ممثلٌ عن وزارة الصحة هذا الكلام قائلا بأن “في الحالات المؤكدة، نستخدم الكلوروكين والأزيثروميسين (علاج أ. رؤولت). ثم سوف يتم اللجوء إلى بروتوكول معين في الحالات الخطيرة” 6.

في اليوم التالي، الثلاثاء 26 ماي، وقع تبدُّلٌ جديد في الخطاب إذ أعلن عضو بارز في اللجنة العلمية أن “في الحالات الخطيرة، لا تنفع الهيدروكلوروكين” وأنه “يتعين أن نلاحظ أن استعمال الهيدروكلوروكين في بعض البلدان العربية والإفريقية أظهر فعالية عندما وقع في وقت مبكر”

تجدر الملاحظة إلى أن هذه التناقضات في الخطاب كانت تواكب التغييرات التي يشهدها خطاب أ. رؤولت، بالحرف الواحد تقريبا. لقد أعلن بنفسه، يوم 31 مارس، بشأن بروتوكوله العلاجي بأن “الكلوروكين فعالة فقط إذا أعطيت في البداية” وأكد على ذلك قائلا بأن “العلاج يجب أن يكون مبكرا”

إذن: هل هذا العلاج فعَّالٌ أم لا؟ يبدو على كل حال أن هناك نوعاً من الثقة الكاملة في كل ما يقوله أ. رؤولت في هذا الشأن.

يقع ذلك بالرغم من وجود جدال على المستوى الدولي حول هذا الموضوع، الشيء الذي كان يُفترض أن يدفع إلى الحذر، عملا بمبدأ الحيطة. لقد تحوَّل دواء الكلوروكين إلى موضوع خلافي بين المنظمة العالمية للصحة – التي أوقفت التجارب السريرية المتعلقة به ثم تراجعت ، وبين البلدان التي تستعمله ضد “الكوفيد 19”. هكذا شهدنا عضوا بارزا في اللجنة العلمية لمتابعة الوباء في الجزائر ينتقد، على غرار الرئيس ترامب، “رد الفعل المتأخر” للمنظمة العالمية للصحة اتجاه الوباء 9. فأصبحت الجزائر على نحو غريب، ورغما عنها، طرفا في ذلك الخصام البائس، خصام يعتبر، كما هو معلوم، من الآثار الجانبية لتهجمات الرئيس ترامب الحالية على الصين. هل يتماشى هذا مع نظرة الجزائر ومصالحها الإستراتيجية؟ لقد منحت الجزائر على الدوام أهمية قصوى لمنظومة الأمم المتحدة: منظمات التربية، الصحة، التغذية والزراعة، إلخ، نظرا لفوائدها الجمة، لاسيما بالنسبة للبلدان في طريق النمو. والحال أن الولايات المتحدة تبدو عازمة، في الوقت الراهن، على النيل من هذه المنظمات، الواحدة تلو الأخرى.

هكذا أخذت مسألة استعمال الكلوروكين حجما يزداد ضخامة شيئا فشيئا، مثلما نشاهد، وأصبحت بطرق غير مباشرة عديدة، مركز مراهنات سياسية، اقتصادية واجتماعية؛ فحذار من التقليل من شأنها. وكل ما قيل هنا يتعلق فقط بالتساؤلات والحيرة الناتجة عن هذه المسألة وليس بجانبها التقني، فالجانب التقني يخصُّ أهل الاختصاص، بطبيعة الحال، والنقاش حوله لا يزال يتوسَّع باستمرار على الصعيد العالمي، فإذا كان للمختصّين الجزائريين أسبابٌ قاهرة تجعلهم يوصون باستعمال الكلوروكين ضد “الكوفيد 19”، يجب أن يعلنوا عنها وأن يقدِّموا الأدلة القاطعة على فعالية هذا الدواء. وعلى السلطات الصحية في بلادنا أن تسهر على ذلك وأن تأمر بالتحقيقات اللازمة؛ فللرأي العام الحق في معرفة كل ما يتصل بهذه المسألة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    هذا هو العلاج الحقيقي ليكوفيد ١٩ في نظري
    نحن كثيرون في المدن نيويورك اوهان بيكين
    إذا أردنا جقاً القضاء على الفيروس هناك برنامج فرعوني لا بد من إتباعه و من الصفر
    Reculer touts la populations qui n'a rien à faire dans les villes sans travail dans des zones isolé
    La création des activité salarial des zones industriels et agronomiques
    تتماشى ونوعية المنطقة و النمو الديموغرافي لتلك المناطق.
    المشكل هو اقتصادي ١٠٠ با ١٠٠
    نحن لا ننتج شيء في المدن
    بل نستهلك
    أصبحت بعض الدول عاجزة عن توفير الدواء والطعام و السكن لهؤلاء
    الذي أحسن معاودة حساباته الاقتصادية من الصفر سيجد الدواء