علماء الأمّة.. بأيّ ذنب يُسجنون وبأيّ جريرة يُعدمون؟
في زماننا هذا الذي ابتلينا به وابتلي بنا، كثر الظّلم في العالم أجمع، وتسلّطت الأمم الكافرة الظّالمة على أمّة الإسلام، وتجبّر الصّهاينة والأمريكان والرّوس والصينيون، وحتى البوذيون.. وراحوا يستعرضون بطشهم وجبروتهم على المسلمين.. لكن مهما كانت المحنة عظيمة ومهما كانت وطأتها على النّفوس ثقيلة، فإنّنا نحمل يقينا جازما بأنّ نهاية هذا الظّلم باتت وشيكة، ولعلّ الله يمنّ علينا فندرك النهاية المحتومة للظّلم والظالمين.. ها هم الصّهاينة يتحسّسون الأرض من تحت أقدامهم، وها هم الرّوس يتخبّطون في أزماتهم، وها هي أمريكا يقودها سفهاؤها إلى حتفها وتصيبها من حين إلى آخر قارعة تنذر بأنّ نهايتها باتت قريبة بإذن الله، ((وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد)).
الظّلم الذي تسلّط على أمّتنا من قبل الصّهاينة وأمريكا وروسيا والصّين هو ظلم أسود دفعنا فاتورته دماءً وأشلاءً في فلسطين وأفغانستان والعراق وسوريا وبورما وتركستان الشرقية، ودفعنا فاتورته مشرّدين ومهجّرين في بلاد الله الواسعة، لكنّ بإزائه ظلما آخر هو أشدّ مضاضة لأنّه سلّط على المسلمين من طرف إخوانهم المسلمين..
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة * على المرء من وقع الحسام المهنّد.
ها نحن نرى ما يقع على عباد الله المسلمين المؤمنين في بعض بلاد الإسلام، من قتل وإعدام وتعذيب وسجن وانتهاك للأعراض، حتى بلغ الأمر إلى حدّ أن يسجن العلماء والدّعاة والمصلحون وتوجّه إليهم التّهم الكاذبة ويحاكموا محاكمات جائرة، وتسلّط عليهم عقوبات قاسية، تصل إلى السّجن المؤبّد، بل وتصل إلى الحكم على بعضهم بالإعدام، بل ويصل الأمر إلى أن يموت بعضهم تحت التّعذيب والله المستعان.. علماء ودعاة ومصلحون لم يعرف عنهم أنّهم دعوا إلى الغلوّ أو برّروا التطرّف، كلّ ذنبهم أنّهم أمروا بالقسط والعدل، وأنكروا الحيف والظّلم، ولم يرضوا لبلاد الإسلام أن تأتمر بأمر أمريكا الباغية وتتحوّل إلى العلمانية المتطرّفة وتسمح بنشر الميوعة والانحلال وتتنكّر لشرائع الإسلام وقيمه، وتمدّ الحبال إلى الصّهاينة ليثبّتوا كيانهم المسخ على أرض الإسراء فلسطين.
العلماء المصلحون يسجنون ويحكم على بعضهم بالإعدام، لا لشيء إلا لأنّهم يقفون حجر عثرة على طريق علمنة بلاد المسلمين وإزاحة ما تبقى من شريعة ربّ العالمين.. أمريكا تؤزّ بلاد المسلمين لتسريع قطار العلمنة، ودهس كلّ من يقف في طريقه؛ فليُدهس سلمان العودة وعوض القرني وليُغيّب في غياهب السّجن سفر الحوالي وعبد العزيز الطريفي وإبراهيم السّكران وأحمد الحازمي ومحمد صالح المنجد، كما غيّب من قبل خالد الراشد وناصر العلوان، ومن قبلهم سعود القحطاني وعلي الخضير ووليد السناني، ومئات آخرون من أمثالهم، كلّ ذنبهم أنّهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأنكروا أن تَمدّ بعض بلاد المسلمين حبال الودّ والولاء إلى الصّهاينة والأمريكان وتستعين بهم في حرب المسلمين.
ليُحكم بالإعدام على صفوت حجازي وعَلَى البلتاجي وعصام العريان وآخرين، وليخلّد خلف أسوار السّجن محمّد مرسي وحازم أبو إسماعيل، وليُحكم غيابيا بالسّجن المؤبّد على الشيخ يوسف القرضاوي وبالإعدام على وجدي غنيم، ولتُتّهم حركة المقاومة الإسلاميّة حماس بالتطرّف، ولم لا الإرهاب… كلّ هذا حتى لا يبقى في الأمّة صوت مرتفع بإنكار التّنسيق والتّعاون مع العدوّ الصّهيونيّ المحتلّ، ومع أمريكا الباغية.
في زمن نبيّ الله موسى عليه السّلام، أوجد فرعون لنفسه مبرّرا في دعوته لقتل موسى ومن معه، فقال: ((ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَاد))، وهي التّهمة ذاتها التي توجّه إلى العلماء والمصلحين الذين يغيّبون ويواجهون أحكام الإعدام.. لكن من أين جاء فرعون بهذه الحجّة؟ لقد أخذها من رجال الدّين والكهنة الذين كانوا حوله، حينما جاؤوه في ثياب النّاصحين الحريصين على سلامة الدّين وأمن البلاد فقالوا: ((أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَك))، فقال فرعون من حينه: ((سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون)).. وها هو المشهد يتكرّر في زماننا هذا الذي ابتليت فيه أمّة الإسلام ببعض المفتونين الذين تدثّروا بعلم الجرح والتّعديل، فأخذوا الجرح وتركوا التّعديل، وليتهم سلّطوا سهام الجرح على أعداء الأمّة من الصّهاينة والصليبيين وعلى أوليائهم من اللادينيين والعلمانيين، ولكنّهم -مع كلّ أسف- سلّطوها على عباد الله المسلمين، بل على العلماء والدّعاة والمصلحين، بحجّة أنّهم ضلاّل ومبتدعة، وأنّهم يريدون تبديل دين المسلمين!
الحكم بسجن وإعدام العلماء لم يصدر هذا العام أو الذي قبله، وإنّما بدأ صدوره قبل 28 سنة، حينما انطلقت بعض الألسنة والأقلام تنهش في أعراض العلماء والدّعاة المصلحين الذين رفضوا الاستعانة بالأمريكان في حرب الخليج الثانية سنة 1990م، وتحرّض عليهم وتحشد الدّعاوى وتلصق بهم التّهم الباطلة، وتَوسّع الأمر حتى لم يَكد يبقى عالم أو داعية مصلح يأمر بالقسط إلا وطالته تلك الألسن والأقلام وحرّضت عليه. وها هي الأمّة الآن تحصد ثمار هذا التّحريض المركّز وتُرزى في علمائها الذين يساقون إلى السّجون ويحكم عليهم بالإعدام من دون جريرة ولا ذنب. ولعلّنا لا نملك بعد دعائنا بأن يصلح الله أحوال هذه الأمّة، ويردّ المفتونين إلى رشدهم، إلا أن نقول كما قال مؤمن آل فرعون: ((أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا)).