-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علي فضيل: اسم ارتبط بتصحيح الميزان لصالح اللغة العربية في الإعلام

علي فضيل: اسم ارتبط بتصحيح الميزان لصالح اللغة العربية في الإعلام
ح.م

يكفي أخي “علي فضيل” فضلا وفخرا في مساره الإعلامي أن اسمه ارتبط بتصحيح الميزان لصالح اللغة العربية مقابل الفرنسية في الإعلام، وتحديدا في مجال الصحافة المكتوبة إن كانت أسبوعيات أو يوميات…

 عندما التحق بالجامعة سنة 1977 كان قراء اللغة العربية يتوارون من الخلق وهم يُخْفُون جريدة “الشعب” تحت ملابسهم أو داخل محافظهم، سواء وهم يتنقلون بين أروقة الجامعة المركزية، أو يتحركون باحتشام في شوارع الجزائر العاصمة. وقليلا ما تقع عينك على أحدهم يتصفحها وهو جالس على كرسي بإحدى مقاهي ساحة “موريس أودان” أو “بور سعيد” أو غيرها من الأماكن. كان سحب جريدة “الشعب” باللغة العربية محدودا، وكان التعليم بالمدارس والثانويات والجامعة أغلبه بالفرنسية. ولم تكن الفرصة متاحة للإعلام المكتوب باللغة العربية ولا الوسائل متوفَّرة ليرى النور، وينتصر في معركتي النوع والكم…

تخرج الأخ “علي فضيل” من الجامعة بشهادة ليسانس في العلوم السياسية والإعلام سنة 1981. كانت دفعته هي الرابعة باللغة العربية. كان من أكثر زملائه تحكما فيها كتابةً ونُطقًا وحتى خَطًّا. وزاده تعلقا بها تَشبُّعَه بالقيم الوطنية وثقافته الإسلامية الواسعة. لم تكن الفرصة مُتاحة في تلك الفترة للعمل في الصحافة سوى بجريدة “الشعب” اليومية، الجريدة الوحيدة باللغة العربية في الجزائر، إلى جانب “المجاهد” الأسبوعي لسان حال جبهة التحرير الوطني. لم تكن جريدتا “النصر” و”الجمهورية” الجهويتان قد عُرِّبتا بعد. التحق بالجريدة مباشرة بعد تخرجه ونجاحه في اختبارات الدخول الكتابية والشفهية والخاصة بالترجمة تلك الاختبارات التي كانت تُجرى للصحفيين المبتدئين حاملي شهادة الليسانس في تلك الفترة، تحت إشراف المدير العام الأخ محمد بوعروج رحمه الله ورئيس التحرير الأخ محمد عباس الذي انتخب فيما بعد أمينا عاما لاتحاد الصحفيين الجزائريين. كنتُ قد سبقته إلى هذه الجريدة بسنة واحدة. ووجدنا أنفسنا نشتغل بنفس القسم (القسم الوطني)، برئاسة الصحفي والرجل الطيب الأخ بشير حمادي رحمه الله، ورئاسة تحرير الأخوين محمد عباس الذي علَّمنا الجدية والصرامة، ثم سعد بوعقبة الذي حرر طاقتنا كشباب في تلك الفترة، إلى جوار نخبة من الصحفيين كان لا يتجاوز عددهم السبع: جمال صالحي، مصطفى هميسي، عبد الله سعايدية، الطيب يدروج، والمرحومين بن حمودة محمد الصالح وعبد اللطيف محمد، ثم التحق بنا أحمد حططاش وبوزفور منصف لفترة قصيرة. لم يكن من السهولة بمكان كسب معركة القراء أمام منافسة الصحافة الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية، والصحافة الفرنسية القادمة مباشرة من باريس مثل “لوموند” و”لوفيغارو” و”لومانتي” وغيرها التي كانت جميعها تباع في الأكشاك وتوزع في الإدارات العمومية…

لم يكن يخطر ببال أحد أن هذا الصحفي الشاب القادم من ريف “بئر غبالو”، ستكون لديه بطاقة الصحفي المحترف، وسيكتسب خبرة إعلامية في وقت قصير، وسيؤسس جريدة أسبوعية ثم أخرى يومية يكون لهما شرف كسر ميزان القوة مع الصحف المفرنسة مجتمعة. لم يكن أحد يتصور أن تتمكن أسبوعية باللغة العربية هي “الشروق العربي” بعد سنوات قليلة من تحرير الصحافة سنة 1990، من التفوق على جميع الأسبوعيات وبعض اليوميات الموجودة آنذاك، ولا أن يتصور تفوق سحب”الشروق اليومي” على جميع الصحف المفرنسة مجتمعة، بل حتى على أعرق الجرائد العربية مثل الأهرام المصرية، بأكثر من مليوني نسخة…

لقد كان هذا يشبه الخيال، ولكنه كان الحقيقة. حيث استطاعت نخبة من الصحفيين والكتاب أن تجتمع تحت العنوان الذي سجله الأخ “علي فضيل” “الشروق اليومي” وتُحقق ذلك الإنجاز الكبير. من بينهم قدماء جريدة الشعب وبخاصة الأخوين سعد بوعقية رئيس التحرير والأخ عبد الله قطّاف رئيس القسم الدولي سابقا بهذه الجريدة، فضلا عن كل المجموعة مخضرمين وشباب الذين تكاتفت جهودهم الفكرية والمادية وخبرتهم ونشاطهم وأصروا على أن تتأسس”الشروق اليومي” وتنتصر ويكون لها كل ذلك الصيت وكل تلك المكانة رغم صعوبات الانطلاقة والعراقيل الكثيرة التي عرفتها.

 لقد كانت بحق مجموعة نادرة، وكان بحق علي فضيل رحمه الله أحد محركيها.

ألا تكفيه هذه مساهمة في التاريخ الإعلامي والثقافي والسياسي للجزائر؟

أظنها كافية بجميع المقاييس… وليس أمام جيل الصحفيين والكتاب الشباب الذي يحمل اليوم ثقل الانتصار هذا على عاتقه سوى مواصلة المسيرة، في عصر أصبحت المنافسة أكثر شراسة، والبدائل أكثر تنوعا، والصراع مع شبكة عنكبوتية لا حدود لها، وليس مع عدد محدود من وسائل الإعلام المكتوبة كما كان الأمر قبل عقدين من الزمن.

لقد تغيرت ساحة المعركة اليوم. وتبدلت الوسائل، والتقنيات، ولم يعد بالإمكان معرفة المنافس من الحليف، وصارت الصعوبات غير مرئية، وكذلك الفرص… وهو ما يزيد من صعوبة مهمة جيل اليوم، للحفاظ على مكاسب الأمس وشق الطريق نحو المستقبل. ولعل هذا كاف لنقول: الانتصار صعب، ولكن ما أصعب الحفاظ عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!