-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علي فضيل.. المُكرّم في الدّاريْن

علي فضيل.. المُكرّم في الدّاريْن
ح.م
علي فوضيل

ها هو حوْلُ الحزن والفراق يكتمل على رحيلك يا فارس الإعلام العربي، وبرغم المُصاب الجلل بفقدانك المباغت في أحلك الظروف، فإنّ صرحك الشروقيّ الذي نفخت فيه من روحك ودمك وعرقك وصحتك، فكان يتنفس بنبضات قلبك الكبير، لم تغب شمسُه الساطعة قطّ، بل إنه يزداد يومًا بعد يوم إشراقًا وتوهّجًا، لتخيب كلّ المساعي الآثمة وتسقط مؤامرات الحاقدين الذين راهنوا على كسر المشروع الوطني الحضاري، حتى يخلُو لهم المشهد الإعلامي للعبث بعقول الجزائريين والخدش في مقوِّمات انتمائهم.

“الشروق” التي تركتها من بعدك أمانة أزليّة، لا تزال في ريادة وقيادة الساحة الإعلاميّة على نهجك وعهدك يا أستاذ علي، لقد تجاوزت مربّع المقاومة والصمود في وجه العصابة وأذنابها إلى مساحات عريضة من آفاق التجدُّد والتمدُّد في جزائر نحلم بها جديدة برجالها وأفكارها وتطلعاتها.

شاء لك القدر أن تترجّل عن صهوة العطاء والإبداع وأنت في ريعان البذل والتخطيط والأحلام والعزيمة، ولكن العزاء الأعظم، بعد شهادة الخلق فيك، أنك لم ترحل حتّى استوت قواعد “الشروق” صلبة ضاربة في الأعماق، وعلا بنيانها شامخًا ناصعًا في الآفاق، يشير إليه القاصي والداني بالبنانِ.

لقد نلتَ عن جدارة واستحقاق لقب أمير الإعلام في الجزائر، ليس مجاملة لك ولا مدحًا في حقّك وقد آويتَ إلى دار الحق الأخرى، بل لأنك شيّدت “إمبراطورية إعلاميّة” من العدم ودون إمكانٍ مادّي، سوى ما كان من رجالٍ ملتفّين حولك، وما تسلَّحتَ به على دوام التجربة من رؤية ثاقبة وشجاعة نافذة وإرادة حازمة، صنعت الفارق والتميّز في مشهد معقّد وساحة ملغّمة ومناخ مغلق، وفي حضرة منافسين لم يكونوا في الغالب شرفاء ولا أوفياء، بل مُنكرين للجميل ومهندسين للدسائس والمطبات.

مع ذلك تحديّتَ كل الصعاب في طريق الصعود نحو النجاح والتألق، حتى تربَّعت على قمة المجد، فتساوى عندك حينها البقاءُ والرحيل، فأختارك المولى مُستريحًا مبتهجًا في جواره الذي لا يُضام.

إذا ذُكر اليوم علي فضيل، وهو الذي لم يغب اسمًا ولا أثرا، قفزت إلى الأذهان قلعة الهوية الوطنية في الجزائر، من إسلام وعربية وأمازيغية وتاريخ ثوري، وحضر في المخيال حصنُ المقدسات والثوابت في الأمة العربية، إنها مؤسسة “الشروق” التي أرساها المرحوم وقفًا منيعًا للذود عنها، فلم يتخلف يومًا عن معركتها ولا قبِل مرّة المساومة عليها، وأنّى له أن يهمّ بذلك وهو سليل بيت عامر بالإصلاح ومشهورٍ بالوطنيّة؟

إذا ذُكر علي فضيل بين الأنام جاء صيتُه مقرونًا بالقضية الفلسطينية التي عاش لها مُنفقًا ومُرافقًا وحاضنًا لأعمالها وجهادها ورجالها في الجزائر وخارجها، ومثلها قضايا المسلمين عبر الجغرافيا على مدار 30 عامًا من بزوغ شمس “الشروق”.

إذا ذُكر علي فضيل وسط النخبة، نطق العلماء والمصلحون والمثقفون برعايته لهم، وإكرامه لأعلامهم، ونفضه غبار النسيان عن رموز الجزائر الخالدين.

إذا ذكر علي فضيل بين المواطنين أشاروا إليه بصحيفة شقت طريقها إلى ربوع الجزائر العميقة بحواضرها وقُراها ومداشرها، وقناة دخلت بيوت الجزائريين، فكانت كلاهما صوتا للبسطاء في تبليغ معاناتهم ونقل همومهم والتعبير الصادق عن طموحاتهم، بعيدا عن إعلام الكذب والتدليس.

إذا ذُكر علي فضيل، رحمه الله، بين الفقراء والمحتاجين، جاءت مبادرات “الشروق” الخيرية شاهدة على البرّ الأصيل دون منٍّ ولا أذى، والإحسان الجزيل إلى الضعفاء في السرّ والعلن، وما خفي كان عند الله أعظم أجرا.

لذلك نم قرير العين يا أستاذ علي، فأنت مكرّم في الدّارين، مكرّم في الدنيا الفانية بأعمالك الجليلة وآثارك الطيبة ومؤسستك الكبيرة التي ستبقى أشهرَ من نار على علمٍ، ترتبط بك وبغرسك المُبارك، وبمرورك اللامع في رواق المميزين من صناع النجاح، وأنت مكرّم في عليّين بمشيئة الله ورحمته، فقد سبقتَ إلى جنان الخلد بعملك الصالح، وما أفضيت به إلى خالقك الرحمان الرّحيم، وما شهد لك به الناسُ من خيرٍ عميمٍ، سيكون لك شفيعًا يوم الحشر الأعظم.

 أما “الشروق” فهي باقية بوفاء قيادتها الجديدة وإخلاص أبنائها صدقة جارية في ميزان الحسنات إلى يوم القيامة، وبخطّها الحضاري ستظلّ غصّة في حلق الحاسدين وأعداء الهويّة والأمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حماده

    أعوذ بالله من الغلو والتعصب المقيت وهل تعلمون الغيب ومصائر الناس في الآخرة؟؟؟ المفروض أنكم أناس مثقفون ولا تقعون في هذا التألي على الله عز وجل
    يكفي ان ندعو له بالرحمة والمغفرة والجزاء الحسن له ولكل المسلمين