-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تتغلب التقاليد على الشعيرة

عندما تتغلب التقاليد على الشعيرة
ح.م

يجب الاعتراف بأن الكثير من المظاهر التي تطبع احتفال الجزائريين بعيد الأضحى المبارك، على غرار بقية الشعائر الدينية، مرتبطة بتقاليد متوارثة وأخرى مستحدثة، منها ما هو بعيد عن الشعيرة نفسها، إن لم نقل يتناقض معها. وعندما يضع الملايين من الجزائريين أيديهم على قلوبهم خوفا من أرقام إصابة وموت مريعة بفيروس كورونا بعد أيام العيد المبارك، فمعنى ذلك أنهم يعلمون بأنهم قد ارتكبوا كبائر صحية وصلت إلى حدّ الموت، عندما كانوا يحتفلون بالعيد، عفوا بالخروف، وهو ما يتنافى مع طبيعة الإسلام المسالم والمبارك الذي لا يدخل أمة أو أرضا إلا وأشرق صحة وعافية وسلاما وأمنا، بل إنه يحوّل خوف الشعوب إلى طمأنينة وسقمهم إلى شفاء.

عندما أقرّ الإسلام الصوم وهو من أركان الدين الحنيف، اشترط أن لا يكون على حساب صحة الإنسان، ووضع صحته في المقام الأول: “ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر”، وعندما أقرّ الصلاة اشترط أن لا تكون على حساب الأمن من الخطر: “وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة”.

 كان الإسلام في كل المشاعر أمنا وسلاما فما بالك في الأمور الدنيوية، ولا جدال في أن الزجّ ببعض التقاليد وبعض الممارسات وربطها بشعيرة الأضحية هو ابتعادٌ حقيقي عن الدين، فمن غير المعقول أن يدرك كل الناس بأن الوباء القاتل الذي بلغت فاتورته السوداء، ملايين الضحايا من البشر وانهيار للحياة المدنية والاجتماعية والمادية، يزداد انتشاره ويزداد فتكا بالناس، وخاصة كبارهم ومرضاهم، عند الالتحامات البدنية ومن دون الاحتياط الخفيف، ومع ذلك يُجرمون مع سبق الإصرار التقارب وقبلات العيد وتناول الطعام الجماعي خلف قطع لحم “ملغمة”، قد تُنهي هذه التجمّعات وهذه الأعياد إلى الأبد.

تمنينا أن تفجر المحنة بعض الصحوة فينا، ويكون الوباء نهاية لبعض السلوكيات الخاطئة المرتبطة ببعض الأعياد على غرار بيع الكلأ في قلب الأحياء الشعبية والتجوال والتباهي بالخرفان في وسط الحدائق والشوارع وسلالم العمارات وتوقيف فضائح بيع السكاكين والسواطير والفحم المنهوب من جثمان الغابات المحروقة، وأن تتحول الأعياد عندنا إلى مناسبات لتبادل رسالة الإسلام الذي قدّس صحة الفرد والمجتمع وجعلها قبل فرائض الإسلام، ولكن يبدو أن التقاليد الهجينة مازالت مسيطرة بالكامل على الوضع الاجتماعي والعقائدي لدى الكثير من الناس.

ينتظر الجزائريون بكثير من الخوف أرقام فيروس كورونا في الساعات القليلة القادمة، وهم يدركون بأنها لو قفزت إلى مئات إضافية، فليس للفيروس نفسه ذنبٌ فيها، وإنما هم المذنبون الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة، وحوّلوا الشعيرة التي قال تعالى فيها: “لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤُها ولكن يناله التقوى منكم” وجعلناها نحن مجرد لحوم ودماء.. من دون تقوى!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • yadif

    l'islam est la religion la plus chère au monde !!!!!!!!

  • فارس

    احسنت المثقف الحقيقي هو الذي ينقد و يوحه المجتع و ليس الذي يتماهى مع تصرفات المجتمع و يبررها

  • hanine

    أحسنت !!!

  • خليفة

    للاسف الشديد ،تغلبت عندنا العادة على العبادة ،و استهان الناس بقواعد الوقاية الصحية و التباعد الاجتماعي،و اختلط الحابل بالنابل ،و كانه لا وجود للوباء ،فعندما تتطغى مطالب الغراءز و الشهوات و الاهواء، تتهاوى العناية بالقواعد الصحية و تهمل التوجيهات الدينية ،نسال الله ان يردنا اليه ردا جميلا،و ان لا يجعلنا من الغافلين ،و ان يرفع عنا هذا الوباء و البلاء ،انه ولي ذلك و القادر عليه و صلى الله على سيدنا محمد.

  • محمد

    بنفس التفكير الخيالي قرر بورقيبة أن لا صوم للعمال الذين يشتغلون بالمصانع وحرارتها حتى استغلته بعض قبائلنا لتناول المحرمات في رمضان استفزازا لمن يتشبث بتعاليم ديننا.الكثير من النوايا الخبيثة تتستر بنفس الأساليب الفلسفية لتحويل المسلمين إلى كفار قصد محو ما بقي لنا من تقاليد حافظت على عقيدتنا ضد كل من جاهر عداءه للإسلام.هلا استحدثتم أساليب جديدة للحفاظ على الدين الحنيف دون أن تعرض حياة الناس للخطر عوض مجاراة الأعداء في مقاومة أي توجه يؤكد على حماية المكتسبات الدينية وعوض الطعن فقط في تقاليد شابتها عوامل الجهل والتخلف.أين انتقادكم للخارجين عن الدين والمرتدين الذين أصبح تأثيرهم فعالا في الجزائر؟

  • Ahmed

    صدقت يا استاذ, وقد حذر الاسلام من الغلو في الدين . جاء في القرءان : " ما جعل عليكم في الدين من حرج ", وقال صلى الله عليه وسلم : بعثت بالحنيفية السمحاء ". فأي غلو وتطرف وحرج فهو ليس من الدين الصحيح, بغض النظر عن درجة التعبد لصاحبه كما عند الخوارج الذين يدعون في ايامنا ارهابيين, او غلاة الصوفية في تضييقهم على النفس, او غلاة الشيعة, او غلاة الوهابية الذين يبدعون واحيانا يكفرون كل من خالفهم.

  • Ldd

    والله واش نفلك منذ حوالي عشريين سنة و انا انتظر من يكتب كتابة كهاذه. جهل الناس قد تحول الى عقيدة