-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تصطبغ حياتنا ومعاملاتنا بالرياء!

سلطان بركاني
  • 327
  • 1
عندما تصطبغ حياتنا ومعاملاتنا بالرياء!
ح.م

لعلّمن أهمّ أسباب الغفلة التي أصبحت تطبع حياة كثير منّا بعد رمضان من كلّ عام، نسيان المآل والمصير، ونسيان الجنّة دار المقام التي خلقها الله ورغّبنا لنكون من أهلها، ولكنّ نفوسنا تأبى لنا إلا أن ننساها ونتعلّق بالدّار الفانية.. عندما ننسى هدفنا ومآلنا، وننسى الغاية والمصير، يطول علينا الأمل، وننسى الموت، وتصبح الدّنيا أكبر همّنا؛ تملأ عيوننا ويستغرق الحديث عنها جلّ أوقاتنا، وربّما تأخذ بمجامع قلوبنا، وهي الحال التي آلت إليها الأمم السّابقة وحذّرناها مولانا سبحانه وتعالى حينما قال: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون)).

لنكن صرحاء، وليكن كلّ واحد منّا صادقا مع نفسه: حديثه وكلامه كلّ يوم، في أيّ شأن هو؟ هل هو في الدّين، وعن الآخرة، أم أنّه عن الدّنيا؟ لسان الحال والواقع يقول إنّ حديثنا كلّه، من ساعة نستيقظ إلى ساعة ننام، عن الدّنيا، وإن ذكرنا الله بعض الوقت فإنّما نذكره بألسنتنا بينما قلوبنا تُسبّح بحمد الدّنيا.. والأمَرّ والأضرّ من هذا أنّنا ألفنا هذه الحال، وما عدنا نجد غضاضة في أن تكون حياتنا على هذا المنوال، خاصّة وأنّ الواحدمنّا يرى كلّ من حوله على شاكلته، إلا من رحم الله. كلّ من تجلس إليه يحدّثك عن الرواتب الزّهيدة والأسعار المرتفعة، وعن الحاجيات والمقتنيات… هذا في مجتمع الرّجال، أمّا في اجتماعات النّساء فإنّ البلاء يعظم والخرق يتّسع؛ فلا تكاد تجتمع امرأتان حتى تبدأ أحاديث الدّنيا التي لا تنتهي، ولا يقف الأمر عند حدّ الحديث، بل يتعدّاه إلى المفاخرة والمباهاة؛ كلّ واحدة منهما تحكي عن مشترياتها وممتلكاتها وجولاتها وسفرياتها، وتحكي عن الأثاث الجديد الذي اقتنته لصالة بيتها ولمطبخها، وتحكي عمّا اشترته لأبنائها، وتفاخر بالأثمان المرتفعة والفاتورة الباهظة، وربّما تكذب وتتشبّع بما لم تُعطَ لتُظهر أنّها تستمتع بحياتها طولا وعرضا، وأنّها تتمتّع بكامل حريتها وتنفق كيف تشاء، إلى درجة أنّها هي من تشتري لزوجها ملابسه!.. ولا يقف الأمر عند حدّ الرياء والمباهاة، حتى يتحوّل إلى الغيبة وإلى الحديث عن القريبة فلانة؛ عن لباسها وذوقها، وعن الجارة علانة؛ عن كلامها ومشيتها.. تجتمع النّساء، فلا يكاد يخرج حديثهنّ عن الرياء والمباهاة والتصنّع، وعن الغيبة والنّميمة، كلّ واحدة منهنّ تحاول جاهدة أن تثبت أنّها الأفضل، وأنّ غيرها أقلّ شأنا منها.

ويزداد الطّين بلّة في الصّيف، حيث الأعراس والأفراح التي تتحوّل إلى فرصة للرّياء والمفاخرة والتنافس المحموم على المظاهر الفانية، على أسعار الذّهب وأشكاله، وعلى الجديد في موضة اللّباس وجديد الأطباق والمأكولات.. وبسبب هذه المجالس وهذا الرياء الذي انتشر بين نسائنا وبناتنا انتشار النّار في الهشيم، إلا ما رحم الله، بسببه أصبحت تكاليف الزّواج تحسب بعشرات ومئات الملايين، وبسببه ضاقت الحال بشبابنا وأوصدت في وجوههم الأبواب.. أصبحنا نسمع بأسر متوسّطة الحال وأخرى فقيرة، تتكلّف في أعراس أبنائها تكلفا فاحشا لأجل أن تفعل ما يفعله كلّ النّاس، وحتى لا تُسلق بألسنة اللّوم والاستهزاء في مجالس النّساء.. تجد الشابّ بالكاد يوفّر لقمة العيش، لكنّه في عرسه يتوسّع طولا وعرضا، فيستأجر الفرقة الموسيقية وفرقة الخيالة والبارود والديكور، بعشرات الملايين، ويكلّف نفسه ما لا طاقة له به، ويغرق نفسه في الدّيون، حتى يرضى عنه النّاس، ويخرس ألسنة النّساء اللاتي لا همّ لهنّ إلا ما يُقال!

ربّما نستهين بأمر هذا الواقع الذي نعيشه، ولكنْ لِنعلمْ أنّ حصاده خطير إذا ما رضينا به وبقينا عليه، لأنّ هذه الحال ستؤدّي إلى قسوة قلوبنا وربّما إلى موتها، وحينها لن تنفعنا المواعظ ولا النّذر ولا الآيات، ولو رأينا الجبال تنهدّ والسّماوات تنشقّ!

يكفي مَن صارت الدّنيا همّه وحديثه أن يعلم أنّ هذه الحال دليل على إعراض الله عن عبده وسقوطه من عينه، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه-أن النبي –صلّى الله عليه وسلّم-قال: “إن الله تعالى يقول: يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدُّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك”، ويقول عليه الصّلاة والسّلام: “مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ”، ويقول الحسن البصريّ رحمه الله: “مِن علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله عز وجل”.

ليس المقصود من كلامنا هذا أن نترك الدّنيا كلّها، أو أن نسكت عن حقوقنا المسلوبة، كلا وألف كلا، إنّما المقصود أن نخفّف من وطأة ووقع الدّنيا على قلوبنا، ونقلّل من أحاديثنا عنها، ونعوّد أنفسنا على أن نزيّن مجالسنا، على الأقلّ بين الحين والآخر، بالحديث عن الدّار الآخرة، وبذكر الله وشكره والثّناء عليه.

أوصوا نساءكم أيها الأزواج وأوصوا بناتكم أيها الآباء بأن يقلّلن من حديث الدّنيا وأن يحذرن الرياء والمباهاة بمتاعها الزّائل؛ المرأة لا ينبغي أبدا أن توزن وتقيّم بلباسها أو عطرها أو مشيتها، ولا حتى بوظيفتها.. المرأة ينبغي أن توزن برجاحة عقلها وبدينها وأخلاقها وثقافتها.. التنافس بين نسائنا وبناتنا لا ينبغي أن يكون فيما تملكه كلّ واحدة منهنّ من حليّ، ولا فيما تلبسه من لباس أو تضعه من عطور وأصبغة، إنّما التنافس ينبغي أن يكون في حفظ القرآن وسعة الحجاب وتربية الأبناء وتفوّقهم في دراستهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    أصبحنا نعيش في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات بعضها فوق بعض.