-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما رقصت باريس على وهم مجد كاذب

عندما رقصت باريس على وهم مجد كاذب
ح.م

الجزائر بوَّابة إفريقيا الكبرى ومنفذها المتوسطي إلى عوالم الأرض الأكثر اتساعا وطموح إفريقيا الأكبر في انتزاع حضور كوني يتكافأ مع الآخر، وبوابة الانفتاح على مجتمعات تتوالد فيها حضارات معاصرة تطوى سفر العصور المظلمة، أحالها الغزاة المستعمرون في زمن استعمارهم إلى بوابة لسجن إفريقي كبير هو عنوان مدوّن بحرف عريض لـ”خطيئة فرنسا الكبرى” التي قطعت الصلة مع إرثها الحضاري وعطلت مفرداتها الإنسانية وأطفأت نوره المشعّ في كون بشري توَّاق إلى الارتقاء، ورفضت العودة إلى فولتير نبيُّ ثورةٍ فرنسية لم تكتمل، فربما تستوقفها عبارة ما في شرائعه التي لم تأذن بانحراف إنساني هو بمثابة الشرخ الذي يطفئ نور باريس!

التاريخ  لم يسجل يوما انتصارا  لكارثة.. ولم يتشح “غازٍ” يوما بوشاح المجد بحضور شاهد صدق إنساني.. فلا مجد لغازٍ أغلق منافذ الدروب المؤدية إلى آفاق أرحب..  ولا انتصار لكارثة تقطع نسغ الحياة المتصاعد..

 “باريس” مازالت ترقص على إيقاع وهم المجد الكاذب في إفريقيا.. والجزائر التي أزاحت باقتدار وشاح الوهم عن صدر”ديغول” بعد ان ارتداه في احتفالات النصر الفرنسي المزعوم  وورثه من بعد  بعده “جاك شيراك” فضحت كذبة المجد الفرنكفوني ..

“المارشال” قطع آلاف الأميال واخترق الجبال والوديان وعاث في الأرض خرابا حتى امتزج الدم بالتراب واختلط بجريان أوديتها الخالدة.. وأسقط كل شاهد حضاري مر عليه في غزوته الهمجية… دنس الأرض وهتك العرض وأطبق الحصار على المدن الآمنة في عصر مظلم كان نهاية لأزمنة الازدهار والقوة.

كل شيء انتهى وقواعد المدينة الكبرى انهارت، ونصبت “فرنسا” عرش إمبراطوريتها القلقة فوق ركامات الخراب، تحكم بالسلاح والسوط شعبا أعلن الثورة حتى التحرير.

والتاريخ في وقائعه لم يسجِّل انتصاراً لهمجية أو يزيِّن صدر غاز بوشاح المجد.. وظل  “الفرنكفوني المستعمِر” مدانا دوما في شرائع المبادئ الإنسانية فهو الاسم المنبوذ في ذاكرة العصور المتلاحقة ورمز خراب متوارث لكل مدينة قائمة حضاريا.. والاسم الملعون في دلالات الإبداع الفكري.. وشاهد تاريخ لكارثة لا تنسى!

لا انتصار لكارثة يتغنى بها هذا ويرقص على إيقاعها ذاك.. الانتصار هو المعني الأكبر للارتقاء بالوجود الإنساني المكرم في رسالات السماء منذ بدء الخليقة.

وهذي إفريقيا “فضيحة” كبرى انفجرت كبالونة امتلأت بعواطف الطامعين في شمال المتوسط.. هي صوت خنقته أبواق “الجنرالات” المزينة صدروهم بأوسمة الخراب في مواسم حصاد موت بشري شهدته الفصول الأربعة في جنوب المتوسط، المكان الذي جعله “الماريشال الفرنسي” المهزوم عنوانا لمجد مكتوب بحروف وهمية لا يقرأها المحصَّنون من لوثة التلاعب بالعقول.

كان المتلاعبون بالعقول قد أطلقوا وشايتهم التي أوصاهم بها “شارلمان” ملك الأفرنج في مدن هي حاضرة التاريخ الإفريقي و”اضطروا” لمحاصرتها بانجاز غزوة أرادوها أبدية.. ونشروا فرق الموت تصطف عند كل منعطف جزائري ينبض فيه نفَس مقاوم لغزوةٍ همجية.

وأغلقوا كل النوافذ الإفريقية المؤدية إلى أفاق حياة أرحب، وجعلوا الشعوب تئن في معتقل كبير تتعالى فيه جلجلة السلاسل الحديدية وآهات ضربات السوط الملعون وصدى لحن إفريقي حزين..

“فولتير” نور باريس الذي لا ينطفئ أسقط أسوار الحجر البشري وحطم معاقل العزلة ومسح ابتسامة الغش في ترويج بضاعة كاسدة، وتسامى بالعالم الدنيوي إلى مراحل الوعي في حركة شعب يأبى أن يطرد من كل الآفاق.. ففتح دون خوف كل المنافذ المقفلة بأقفال جنرالات الموت.

اعتقال فولتير حلم طالما راود لويس الرابع عشر القابع في قصر مرصود هز أركانه الثائرون في يوم فرنسي معهود فخرج من شرفته ينادي الحرس ويأمرهم باعتقال “فولتير” فأخبروه أن “فولتير” مات منذ زمن، لكنه لم يصدق وهو يقول “لا.. فولتير حي.. إني أراه فهو من يقود هذه الثورة.”

“فولتير” مات.. وهو يقود الثورة من قبره.. ولويس الرابع عشر لم يتحقق حلمه آنذاك باعتقاله، لكن الجمعية الوطنية الفرنسية “البرلمان” نجحت حيث فشل “لويس”.. واقتادت “فولتير” معتقلا يتمثل في فكرة الرافض لأي انحراف إنساني وأقرت مبدأ “المجد لمضطهدي الشعوب”، طوت فكر “فولتير” وعلقت إرث فرنسا الحضاري فوق رف قديم وزينت خطيئة استعمار الشعوب واضطهادها بألوان مجد زائف يتجسد اليوم في خطاب سياسي ارتقت به إلى مستوى قانون يتناقض مع مبادئ حق الشعوب في تقرير حق المصير وميثاق حقوق الإنسان ويستهتر بحق مئات الآلاف من الضحايا البشرية في رد اعتبارها واستعادة كرامتها الإنسانية المستلَبة وهي تمجِّد حقبة الموت والخراب والدمار والاضطهاد في قانون غير شرعي لا هدف له إلا التلاعب بالعقول…”قانون 23 فبراير 2005.”

لا مجد لغزوة همجية زرعت الموت في طريق رحلتها التي أوقفتها إرادة شعب ثائر يعيد اليوم بناء حياة لن تنقطع.. تردم فجوات الانفصال عن حضارة عصر إنساني.

المجد حق يباح لمن يخشى الغضب الإنساني.. ويبعث برسالة سلام يتواصل بها مع الآخر.

المجد حق لمن يعترف بالخطيئة ويتطهر بقلب صادق من دنسها.

لم يمجِّد التاريخ يوما قوة غازية أثقلت السماء بقنابلها الحارقة أرضا يئن الملايين تحت أنقاضها، وجعلت الموت مبررا لحرية زائفة يحرس زيفها جندي مدجج بأبشع آلات الدمار، لا يتردد في كتم أنفاس كائن حي يتحرك بعفوية معهودة أو قلع جذور شجرة يختارها موضعا لدبابته.

لا مجد تتداوله الأجيال لغزوة سعت دون جدوى لمحو خصائص الهوية وقطع لسانها الناطق بإرادة السماء والعبث بخزائن موروثها الحضاري وفتح بواباتها للعابثين المتسللين من وراء البحار.

الانتصار إنساني قبل كل شيء والمجد تتويج صادق لوقائعه التي سلكت مسارات طبيعية عبر إتقان لغة “حوار إنساني” مفتوح ترتقي دون عائق بمستويات تفاعلاتها وتتسع دائرة تأثيرها الحضاري.. وتضيئ الزوايا المظلمة في أي ركن اجتماعي يرقى إلى بلوغ عصر حديث.

لغة المجد في باريس لها أبجدية أخرى.

والمجد في خطاب النظام الرسمي الفرنسي مجد لمعنى مقلوب وتوظيف رديء لمبادئ “فولتير” وإطفاء لنور “سيزان” الساطع بشمس جنوبية وإلغاء لـ”البير كاميي” الذي رتب حروف رواياته تحت سقف قبب جزائرية.

إغراءات الفرانكفونية لم تطعم جائعا.. وإفريقيا لم تتخل عن لحنها الحزين بعد.. فهي التي تقطع طريقها الأطول بين استحقاقات الحياة المعاصرة ومحو آثار ماض استعماري بغيض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الشارف تكوك

    للك كل الاحترام يا استاذ شكرا لك من الجزائر على اهتمامك

  • RG

    كلنا تربينا و كبرنا في الجزائر و نعرف جيدا بأن مشكل الجزائر و أفريقيا ليس بسبب الإستعمارات وإنما المشكل الحقيقي يكمن في شعوبها في العقلية الدنيئة وما أكثرها ، أعطيك مثال بسيط والأمثلة البسيطة تكشف الأمثلة الأكثر تعقيد ، أعطيك مثال بسيط : في طفولتي وفي أول يوم لدخول المدرسي كان جميع الأطفال مجتمعين عند بوابة المدرسة وأنا بينهم خائف !! وفجئة جاء أحد التلاميذ يكبرني بعامين دفعني بقوة من صدري فسقطت على الأرض دون أن أعرفه ودون أن يعرفني ، وهكذا كان حالي طوال مشواري الدراسي في الجزائر المعلم و الأستاذ والوالد يضرب و التلاميذا و الطلاب يقلد ، فهمت